أعلنت أخيرا الجائزة العالمية للرواية العربية عن تتويج كاتب جزائري بجائزتها في دورتها الـ13 هذا العام، حيث هيمن كتّاب شمال أفريقيا على القائمة الطويلة للجائزة، وكان مرجحا فوز كاتب جزائري بهذه الدورة التي توجت رواية تاريخية مختلفة لكاتب يحاول إعادة قراءة ماضي بلاده بعين أخرى.

أبوظبي -  فازت رواية “الديوان الإسبرطي” للكاتب الجزائري عبدالوهاب عيساوي الثلاثاء بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الثالثة عشرة، وهي من أهم الجوائز الأدبية المرموقة عربيّا.

وأعلنت لجنة التحكيم اسم الرواية الفائزة خلال بث مباشر عبر الإنترنت من دولة الإمارات بعدما حالت إجراءات العزل العام لمكافحة انتشار فايروس كورونا دون إقامة الحفل السنوي المعتاد لهذا الحدث.

وقالت منسقة الجائزة فلور مونتانارو “نعيش ظروفا استثنائية عالميا تجعلنا نكتشف من جديد قيمة القراءة ودورها المهم، فهي نافذة في عزلتنا، حتى ولو لم تدم هذه العزلة مئة عام”.

وأضافت “من خلال القراءة، نسافر ونتعلم ونتأمل الحياة من وجهات نظر مختلفة، نقرأ لنتنفس”.

الرواية الفائزة

كشف محسن الموسوي، رئيس لجنة التحكيم، عن اسم الرواية الفائزة بالجائزة والصادرة عن دار ميم، حيث حصل عبدالوهاب عيساوي بموجبها على الجائزة النقدية البالغة قيمتها 50 ألف دولار أميركي، بالإضافة إلى ترجمة روايته إلى اللغة الإنجليزية.

وفي مسوغات فوز عبدالوهاب عيساوي قال الموسوي “تتميز رواية ‘الديوان الإسبرطي‘ بجودة أسلوبية عالية وتعددية صوتية تتيح للقارئ أن يتمعن في تاريخ احتلال الجزائر روائياً ومن خلاله تاريخ صراعات منطقة المتوسط كاملة، كل ذلك برؤى متقاطعة ومصالح متباينة تجسدها الشخصيات الروائية، إن الرواية دعوة للقارئ إلى فهم ملابسات الاحتلال وكيف تتشكّل المقاومة بأشكال مختلفة ومتنامية لمواجهته. هذه الرواية بنظامها السردي التاريخي العميق لا تسكن الماضي بل تجعل القارئ يطل على الراهن القائم ويسائله".

الجائزة في دورتها الـ13 شهدت هيمنة كتّاب شمال أفريقيا وخاصة الجزائريين منهم وهو مؤشر على نضجها

وبدوره، قال ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية “تسحرك رواية ‘الديوان الإسبرطي’ باستنهاضها للتاريخ بأبعاده السياسية والاجتماعية؛ لخدمة العمل الروائي الذي يتجاوز هذا التاريخ برمزيته، وبتداخل رؤى القص وأصواتها من وجهات نظر متقاطعة تدعو إلى التأمل والتفكر والمراجعة.

 وتتابع شخوصها الخمسة بمساراتها المتضاربة. وتسير في شوارع الجزائر المحروسة ومرسيليا وباريس وكأنك تعاينها بنفسك في زمن مضى ولم تنقطع مآلاته. وتحتك بالتركي والأوروبي والعربي وغيرهم من الأقوام متعاطفًا وساخطًا في آن واحد. كل ذلك في انسياب روائي أخاذ، لا يدعك تترك الرواية حتى تصل إلى نهايتها بشغف يطلب المزيد. لقد أبدع عبدالوهاب عيساوي في هذا كله، ويكفي هذا القارئ أنه التقى السلّاوي ودوجة في ثنايا الديوان، ولهث في أثرهما في ثنايا تاريخ ينبض بالمعاني”.

ترصد “الديوان الإسبرطي” حيوات خمس شخصيات تتشابك في فضاء زمني ما بين عام 1815 إلى 1833، في مدينة المحروسة، الجزائر. أولها الصحافي ديبون الذي جاء في ركاب الحملة على الجزائر كمراسل صحافي، وكافيار الذي كان جنديا في جيش نابليون ليجد نفسه أسيرا في الجزائر، ثم مخططا للحملة.

اقرأ أيضا

الكُتّاب تجمعهم الأسئلة ويختلفون في اختيار السبل

وإضافة إلى هذين الفرنسيين نجد ثلاث شخصيات جزائرية تتباين مواقفها من الوجود العثماني في الجزائر، وكما تختلف في طريقة التعامل مع الفرنسيين، يميل ابن ميار إلى السياسة كوسيلة لبناء العلاقات مع بني عثمان، وحتى مع الفرنسيين، بينما لحمّة السلّاوي وجهة نظر أخرى، الثورة هي الوسيلة الوحيدة للتغيير. أما الشخصية الخامسة فهي دوجة، المعلقة بين كل هؤلاء، تنظر إلى تحولات المحروسة ولكنها لا تستطيع إلا أن تكون جزءا منها، مرغمة لأنه من يعيش في المحروسة ليس عليه إلاّ أن يسير وفق شروطها أو عليه الرحيل.

ويتعرّض عبدالوهاب عيساوي لفترة تاريخية تمتد من 1815 إلى 1833، ويتطرّق من خلالها إلى مسألة الوجود العثماني في الجزائر. تبدأ الرواية مع معركة واترلو على أطراف بروكسل ما بين الجيشين الفرنسي والبريطاني، والتي انتصر فيها البريطانيون، وتنتهي بخروج اللجنة الأفريقية من الجزائر، وتنسج الرواية أحداثها عبر شخصيات تتشابك مصائرها في سلسلة من الأحداث.

وفي حوار سابق مع “العرب” ذكر عيساوي أن روايته هذه استغرقت منه البحث حوالي سنة، حيث قال “انتقلت إلى أمكنة عديدة لمعاينتها، بحثت في بطون كتب كثيرة باللغة العربية والفرنسية، رحلات ودراسات تاريخية واجتماعية، وانطباعات جغرافيين، كتب تعنى بالعمران، وحتى روايات، أردت أن أعرف الحياة الهامشية والاجتماعية للناس، في ما يفكرون؟ وما هي أحلامهم وتطلعاتهم؟ فإن كان التاريخ يكتب عن الظروف السياسية الكبرى، فالرواية لها أن تقول ما تريده عن الظلال التي يخلفها التاريخ دون إضاءة. كما استغرق زمن الكتابة والتنقيح والمراجعات وحتى حذف الزوائد سنة أخرى”.

التنافس والتحكيم

نذكر أن عبدالوهاب عيساوي روائي جزائري من مواليد 1985 بالجلفة، الجزائر. تخرج من جامعة زيّان عاشور، محافظة الجلفة، مهندس دولة إلكتروميكانيك ويعمل كمهندس صيانة. فازت روايته الأولى “سينما جاكوب” بالجائزة الأولى للرواية في مسابقة رئيس الجمهورية عام 2012، وفي العام 2015، حصل على جائزة آسيا جبار للرواية التي تعتبر أكبر جائزة للرواية في الجزائر، عن رواية “سييرا دي مويرتي”، أبطالها من الشيوعيين الإسبان الذين خسروا الحرب الأهلية وسيقوا إلى معتقلات في شمال أفريقيا. في العام 2016، شارك في “ندوة” الجائزة العالمية للرواية العربية (ورشة إبداع للكتاب الشباب الموهوبين). فازت روايته “الدوائر والأبواب” بجائزة سعاد الصباح للرواية 2017، كما تحصل على جائزة كتارا للرواية غير المنشورة 2017 عن عمله “سفر أعمال المنسيين”.

وبعد ترشيحه للقائمة القصيرة، قال عيساوي، في حوار حصري مع الجائزة العالمية للرواية العربية “الرواية التاريخية بشكل عام لا تعيد بناء الحكاية من أجل الحكاية ذاتها، وإنما هدفها الأساسي هو البحث عن الأسئلة الراهنة التي نعيشها اليوم داخل فضاءاتها الأولى التي ظهرت فيها أولا”.

وهذا العام شهدت الجائزة العالمية للرواية العربية هيمنة واضحة لكتّاب المغرب العربي، حيث ضمّت القائمة الطويلة لدورتها هذه 16 رواية منها سبع روايات لكتّاب وكاتبات من دول شمال أفريقيا.

وقال موقع الجائزة على الإنترنت إن هذه الأعمال اختيرت من بين 128 رواية صدرت في الفترة من يوليو 2018 إلى يونيو 2019 وتقدّمت للمنافسة على هذه الجائزة في دورتها الجديدة.International Prize for Arabic Fiction@Arabic_Fiction

نبارك للكاتب #عبدالوهاب_عيساوي فوزه بالجائزة العالمية لـ #الرواية_العربية2020 عن روايته #الديوان_الإسبرطي

Congratulations to author Abdelouahab Aissaoui who is the 2020 winner with his novel The Spartan Court. #ArabicFiction2020 #AbdelouahabAissaoui #TheSpartanCourt

View image on Twitter

256Twitter Ads info and privacy155 people are talking about this

وأشاد رئيس مجلس أمناء الجائزة ياسر سليمان بالحضور المكثّف للمغرب العربي، حيث تجمع الجائزة بين أعمال المخضرمين من الروائيين العرب والكتّاب الواعدين.

وإضافة للرواية المتوجة “الديوان الإسبرطي” وصلت إلى القائمة الطويلة هذا العام روايات مميزة من المغرب العربي بداية بـ”حرب الغزالة” لليبية عائشة إبراهيم، و”رباط المتنبي” للمغربي حسن أوريد، و”حطب سراييفو” للجزائري سعيد خطيبي، و”سلالم ترولار” للجزائري سمير قسيمي، و”اختلاط المواسم” للجزائري بشير مفتي، و”حمّام الذهب” للتونسي محمد عيسى المؤدب.

واختيرت رواية “الديوان الإسبرطي” من قبل لجنة التحكيم باعتبارها أفضل عمل روائي نُشر بين يوليو 2018 ويونيو 2019، وجرى اختيارها من بين ست روايات في القائمة القصيرة لكتّاب من الجزائر وسوريا والعراق ولبنان ومصر.

وجاء الإعلان عن القائمة القصيرة خلال مؤتمر صحافي عُقد في متحف حضارة الماء بمدينة مراكش المغربية بحضور لجنة التحكيم.

محسن الموسوي: الرواية تتيح للقارئ أن يتمعن في تاريخ احتلال الجزائر روائيا
محسن الموسوي: الرواية تتيح للقارئ أن يتمعن في تاريخ احتلال الجزائر روائيا

وقد ضمّت القائمة القصيرة للجائزة هذا العام روايتين جزائريتين هما “الديوان الإسبرطي” لعبدالوهاب عيساوي و”حطب سراييفو” لسعيد خطيبي، وروايات “ملك الهند” للبناني جبور الدويهي و”الحي الروسي” للسوري خليل الرز و”فردقان” للمصري يوسف زيدان و”التانكي” للعراقية عالية
ممدوح.

وسينال كتّاب القائمة القصيرة، وهم سعيد خطيبي، وجبور الدويهي، وخليل الرز، ويوسف زيدان، وعبدالوهاب عيساوي وعالية ممدوح جائزة تبلغ قيمتها عشرة آلاف دولار أميركي.

أما المتوج عيساوي فيشارك في حوارات صحافية الثلاثاء 14 والأربعاء 15 أبريل، وسيُعلن عن نشاطات أخرى ستُنظم احتفالاً بالرواية الفائزة خلال الأشهر القادمة.

وجرى اختيار الرواية الفائزة من قبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة محسن جاسم الموسوي، وهو ناقد عراقي وأستاذ الدراسات العربية والمقارنة في جامعة كولومبيا، نيويورك، وبعضوية كل من بيار أبي صعب، وهو ناقد وصحافي لبناني، ومؤسس صحيفة الأخبار اللبنانية، وفيكتوريا زاريتوفسكايا، أكاديمية وباحثة روسية، نقلت العديد من الروايات العربية إلى الروسية، منها رواية “فرانكشتاين في بغداد” لأحمد سعداوي الفائزة بالجائزة عام 2014، وأمين الزاوي، روائي جزائري يكتب باللغتين العربية والفرنسية، وأستاذ الأدب المقارن والفكر المعاصر في جامعة الجزائر المركزية، وريم ماجد، إعلامية وصحافية تلفزيونية من مصر، ومدربة في مجال الصحافة والإعلام.

ترجمات الجائزة

تتولى الجائزة تمويل ترجمات للروايات الفائزة، ومن بين الروايات الفائزة المتوفرة بالإنجليزية، رواية “مصائر، كونشرتو الهولوكوست والنكبة” لربعي المدهون الفائزة بجائزة عام 2016، والتي صدرت بالإنجليزية عن دار هوبو؛ ورواية “فرانكشتاين في بغداد” لأحمد سعداوي الفائزة بجائزة عام 2014 الصادرة بالإنجليزية عن دار وون ورلد في المملكة المتحدة ودار بنجوين في الولايات المتحدة؛ ورواية “واحة الغروب” لبهاء طاهر، و”عزازيل” ليوسف زيدان، و”ترمي بشرر” لعبده خال، و”القوس والفراشة” لمحمد الأشعري، و”ساق البامبو” لسعود السنعوسي، و”طوق الحمام” لرجاء عالم.

الرواية تشتغل على الفردانية الإنسانية
الرواية تشتغل على الفردانية الإنسانية

وشهدت سنة 2019 صدور الترجمات الإنجليزية لعدد من الروايات التي وصلت إلى القائمتين الطويلة والقصيرة، منها “السبيليات” لإسماعيل فهد إسماعيل (القائمة القصيرة 2017) التي ترجمتها صوفيا فاسيلو وأصدرتها دار انترلينك تحت عنوان “العجوز والنهر”؛ و”الفهرست” لسنان أنطون (القائمة الطويلة 2017) التي ترجمها جوناثان رايت وأصدرتها مطبعة جامعة يايل؛ و”حارس الموتى”

 لجورج يرق (القائمة القصيرة 2016) الصادرة عن دار هوبو والتي ترجمها رالف كوهن؛ و”الإسكندرية في غيمة” لإبراهيم عبدالمجيد (القائمة الطويلة 2014) الصادرة عن دار هوبو والتي ترجمتها كي هيكينن.

ويذكر أن رواية “الخائفون” لديمة ونّوس (القائمة القصيرة 2018) التي ترجمتها أليزابث جاكيت تصدر عن دار هارفل ساكر في أبريل من هذا العام، ورواية “بريد الليل” لهدى بركات الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية عام 2019 ترجمت إلى الإنجليزية من قبل ماريلين بوث وتصدر في شهر سبتمبر للعام 2020 عن دار وان ورلد. كما حصلت دار انترلينك على الحقوق الإنجليزية الخاصة برواية “صيف مع العدو” لشهلا العجيلي (القائمة القصيرة 2019) وتصدر الرواية بالإنجليزية خلال هذا العام.

تعتبر الجائزة العالمية للرواية العربية جائزة سنوية تختص بمجال الإبداع الروائي باللغة العربية، وتعتبر الجائزة الأدبية الرائدة في العالم العربي، وترعى الجائزة “مؤسسة جائزة بوكر” في لندن، وتقوم دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي بدعمها مالياً.

وتبلغ القيمة المالية للجائزة التي تأسست عام 2007 في أبوظبي 50 ألف دولار إضافة إلى ترجمة الرواية الفائزة للغة الإنجليزية، بينما تحصل كل من الروايات الأخرى التي وصلت للقائمة القصيرة على 10 آلاف دولار.

عن صحيفة العرب اللندنية

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم