سناء عبد العزيز

للسنة الثانية على التوالي يظهر على ترشيحات جائزة البوكر الدولية انحيازها التام لكتابة المرأة، فمن ضمن ستة عناوين شملتها قائمتها القصيرة هذا العام، استحوذت كتابة المرأة على خمسة ترشيحات مقابل ترشيح واحد لكاتب من ألمانيا. كذلك لأول مرة في تاريخ الجائزة منذ أن تأسست في عام 2005، يتم التحكيم فيها عبر العالم الافتراضي؛ فلم تجد لجنة التحكيم بُدّاً من الاجتماع أون لاين على مدى ست ساعات كاملة، إلى أن تشكلت القائمة وتم بث الخبر على الصفحة الرسمية للجائزة وعلى موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر قبل أيام معدودة.

رينفيلد أيضاً، النجمة الصاعدة التي تبلغ من العمر 28 عاماً، أي أكبر بقليل من البريطانية ديزي جونسون التي أدرجت في القائمة المختصرة لجائزة بوكر عام 2018 وكانت في سن 27، تشتهر باستخدامها للضمير "هم". وتروي في روايتها التي تصدرت القائمة قصة فتاة مات شقيقها في حادث تزلج، مستندة على أحداث واقعية من سيرتها الذاتية، فعندما كانت في الثالثة من العمر، تعرض شقيقها البالغ من العمر 12 عاماً لحادث تصادم أودى بحياته.

قال عنها المحكمون: "تعيد لغة رينفيلد تجسيد العالم من جديد، وتكشف عن صدمات وعنف الشباب في سن مبكرة في مزرعة ألبان هولندية".
كتب ماكس بورتر تعليقا عن رواية "قلق المساء" يقول: "إنها واحدة من أفضل ما قرأت من روايات العمل الأول، بارعة على نحو غير متوقع ويتعذر نسيانها".
وتعد "قلق المساء" واحدة من ست روايات في قائمة البوكر الدولية، كل حكاية منها، وفق ما ذكره رئيس التحكيم تيد هودجكينسون للغارديان البريطانية، "تعيد إبداع الروايات دون توقف، من الأساطير التأسيسية إلى الفولكلور الشعبي".

مغامرة محتال في واقعية سحرية
ربما تكون رواية "Tyll" للكاتب الألماني دانيال كيلمان هي الأكثر شهرة، بعد أن باعت أكثر من 600000 نسخة في ألمانيا وحدها، وبعد أن أعلنت نيتفليكس أنها تعمل حالياً على معالجتها دراميا.

تلك الرواية، التي استلهمها كيلمان من الفولكلور الألماني في العصور الوسطى، هي عن قصة محتال أو مهرج يدعى تايل يولينسبيجل، قرر أن يهزم الموت في حرب الثلاثين عاما وما جلبته من خراب في كل مكان، فيسافر عبر أوروبا في محاولته للفرار. وينسج كيلمان ببراعة مصائر العديد من الشخصيات التاريخية في عمله المشوق مازجا بين الواقعية السحرية والمغامرة. كتبت عنه إيرينا دوميتريسكو في مراجعة لصحيفة نيويورك تايمز: "النتيجة هي نصب تذكارية رائعة للأرواح المجهولة المفقودة في الماضي الأوروبي البغيض، والتي من الأفضل سماع همساتها في الخرافات".

مترجم مجهول لأسباب أمنية
تنتمي "تنوير شجرة البرقوق الأخضر"، للكاتبة الإيرانية شوكوفه عازار، بدورها، إلى الواقعية السحرية على غرار أعمال غابرييل غارسيا ماركيز. ويرويها شبح فتاة تبلغ من العمر 13 عاماً تفرّ من منزلها بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، حين جرت حملة اعتقالات ضخمة، وأُحرقت النصوص الفارسية القديمة، لأنها لم تكن إسلامية بما يكفي، أو لأنها تعكس زمناً يكرس للتعددية، بدلاً من دولة أحادية الدين.

لم تتلق رواية عازار مراجعات كبيرة، لكن المحكمين، بمن فيهم الكاتبة المكسيكية فاليريا لويزيلي، قالوا عنها في بيان إنها "إعادة رؤية جامحة ومضحكة للأساطير والخرافات الفارسية، حافلة بمشاهد وحشية للحياة المعاصرة".

"تنتمي "تنوير شجرة البرقوق الأخضر"، للكاتبة الإيرانية شوكوفه عازار، إلى الواقعية السحرية على غرار أعمال غابرييل غارسيا ماركيز. ويرويها شبح فتاة تبلغ من العمر 13 عاماً تفر من منزلها بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979"

ونظرا لأن جائزة البوكر الدولية التي تبلغ قيمتها 50 ألف جنيه إسترليني تُقسم مناصفة بين المترجم والكاتب، ورد كل عنوان في القائمة المختصرة مع اسم كاتبه ومترجمه، عدا "تنوير شجرة البرقوق الأخضر"، حيث كتب: ترجمة مجهول لأسباب أمنية؛ على عكس رواية "مغامرات تشينا آيرون"، للكاتبة المكسيكية غابرييلا كابيزون كامارا، التي تحمل اسمين في الترجمة؛ آيونا ماسينتاير وفيونا ماكنتوش. وفي هذا الصدد يقر هودجكينسون في مكالمة عبر الهاتف بأنها "لا بد شكلت تحدياً هائلاً للمترجمتين". ففضلا عن كونها محاكاة ساخرة لأحد أهم النصوص التاريخية، تم سردها في أبيات شعرية، كان من الممكن أن تحولها الترجمة إلى نص جاف ولكنها لم تفعل، بل حافظت على حيويته وروحه المرحة. وتدور الرواية حول امرأة من القرن التاسع عشر تهرب من مخيم وتقلع مع صديقها في رحلة عبر الريف.


شرطة الذاكرة وموسم الأعاصير

تعزف الروائية اليابانية يوكو أوجوما في روايتها "شرطة الذاكرة" ترجمة ستيفن سنايدر، على ديستوبيا النسيان، في جزيرة تجبر السلطة سكانها على تدمير فئات كاملة من الأشياء - مثل القبعات أو الأجراس - وينسون أنها كانت موجودة على الإطلاق، لتضعنا أمام خرافة ينسى فيها الناس وجودهم.

"كتب جوليان لوكاس في مراجعة لصحيفة نيويورك تايمز: قراءة "شرطة الذاكرة" تشبه الغوص في ركام من الجليد: هدهدة وتشويق، إنها تشعرك بالرعب والخدر الوشيك"

كتب جوليان لوكاس في مراجعة لصحيفة نيويورك تايمز: قراءة "شرطة الذاكرة" تشبه الغوص في ركام من الجليد: هدهدة وتشويق، إنها تشعرك بالرعب والخدر الوشيك.
أما محكمو البوكر فيقولون عنها: "نشرت هذه الرواية في الأصل في التسعينيات، وتتحدث مباشرة إلى فقدان الذاكرة الراهن: عالم تختفي فيه الأشياء، ثم ذاكرة الأشياء نفسها، في نثر يعكس هذا المحو".

وأخيرا، "موسم الأعاصير" للكاتبة المكسيكية فرناندا ميلكور، ترجمة صوفي هيوز من الإسبانية، وتدور حول اكتشاف قتيلة في قرية مكسيكية، حيث يكون القتل المروع في ريف المكسيك هو الأساس لقصة حافلة بالانتهاك الذكوري والعنف. وكتب جوليان لوكاس في مراجعة لصحيفة نيويورك تايمز: "إن الجريمة ليست مجرد فعل بل إنها تستحوذ على أجواء الرواية بالكامل، وتلتقطه ميلكور باللغة وكأنها سم مقطر".

"العناوين الفائزة تمثل ست حيوات متخيلة تستكشف الصدمة والخسارة والمرض تمت ترجمتها من خمس لغات - الإسبانية والألمانية والهولندية والفارسية واليابانية"


حيوات متخيلة تواجه واقعا كابوسيا

ترأس هودجكينسون لجنة مكونة من خمسة محكمين، كان عليهم تشكيل القائمة المختصرة من قائمتهم الطويلة التي تضمنت 13 عملا والتي اختيرت بدورها من بين 124 عملا تنافسوا على الجائزة. ولكن الفيروس الذي اجتاح العالم وسنّ مبدأ التباعد الاجتماعي كوسيلة للنجاة، اضطرهم إلى أن يجتمعوا افتراضيا، شرط أن تكون لديهم القدرة على المواصلة لأكثر من ست ساعات كاملة وهو ما حدث بالفعل. يقول هودجينكسون: "بالطبع لا يوجد بديل عن التواجد في غرفة واحدة للتناقش حول بعض المسائل المعقدة المتعلقة بالترجمة... ولكنا في النهاية، لم نجد أي مشكلة في أن نكون متباعدين كلوس أنجلوس وبنغالور، إذ تربطنا علاقة كافية واحترام متبادل بيننا كان بوسعه التغلب على المسافة أو أي خلل فني".



يرى هودجكينسون، رئيس قسم الأدب والكلمة المنطوقة في ساوث بانك سنتر بلندن، في العناوين التي اختارتها لجنته، أنها ست حيوات متخيلة تستكشف الصدمة والخسارة والمرض تمت ترجمتها من خمس لغات - الإسبانية والألمانية والهولندية والفارسية واليابانية، استطاعت أن "تجعلنا نتجاوز هذه اللحظة غير المسبوقة التي نمر بها، وتورطنا في حيوات جامحة الخيال تحمل سحراً يدوم.. في هذه الأوقات المربكة والعزلة، يتعذر رؤية أي شيء يتجاوز الأزمة الراهنة، ولكن من خلال هذه الأعمال الاستثنائية المترجمة، واجهنا شخصيات وأحاسيس لها صدى دائم".

وأضاف: "بعض الكتب في قائمتنا المختصرة تشق عدوى الهواء على نحو خارق للطبيعة إلى ديستوبيات بارعة أو ملاحم تاريخية مليئة بالطاعون، وبعضها ينقلنا إلى عوالم متنوعة مثل قرية ريفية مكسيكية ومزرعة ألبان هولندية. ولكنها قبل كل شيء، تولجنا في عوالم داخلية ثرية وملموسة، بما يكفي لتهدئة أي حيرة أو انهيار لأي تباعد اجتماعي".
انضمت إلى هودجكينسون في اللجنة المجتمعة افتراضيا، لوسي كامبوس، مديرة المركز الفرنسي للكتابة الدولية، والمترجمة والكاتبة جينيفر كروفت، الحائزة على جائزة البوكر، والكاتبة المكسيكية فاليريا لويسيلي، والروائي جيت ثايل.

وسيتم الإعلان عن الفائز يوم 19 أيار/مايو المقبل.

عن موقع ضفة ثالثة - العربي الجديد

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم