صدرت رواية (ممر المشاة) للروائي السوري راهيم حساوي عن دار هاشيت انطوان في بيروت، وهذه هي الرواية الثالثة له بعد ( الشاهدات رأساً على عقب ) عن دار العين في القاهرة 2013 ، ورواية (الباندا) عن دار هاشيت أنطوان 2017، وقد ترشحت للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب.

وتدور أحداث روايته الجديدة (ممر المشاة) في برلين، ويخيم على أحداثها شيء من الغرابة، وتتصف الشخصيات بالحدة، ويسير السرد بتفاصيل سايكولوجية على مهل، ونرى بطل الرواية (نوح) وكأنه وقع بأحداث لا علاقة له بها، لكن أزمته الوجودية هي من دفعت به إلى كل ما سيحدث معه، وطوال الوقت نراه يعري أدق الأشياء بدم بارد بينه وبين نفسه، حتى علاقته مع بيترا كانت علاقة غريبة منذ بداية تعرفهما على بعض.

الرواية تتحدث عن مفهوم فلسفي أطلق عليه الكاتب (أدنى درجات المنطق) ولا علاقة له بالمنطق على حد تعبيره، هذا المفهوم الذي يصادف معظم البشر ولا أحد يجرؤ على الحديث به، لكن بالميرو تحدث به حين قام بقتل تاجر السمك بطريقة تراجيدية في ليلة شتائية بثلاث رصاصات على عدد كلمات تاجر السمك حين قال له ( هكذا يقول المنطق ) . وقد جاء على الوجه الآخر من غلاف الرواية هذا المقطع : حين يخيّم الصمت بيننا، يبدو لي وجهه مثل كلمة على رأس اللسان، ودائماً أخشى أن أشعر بالتفوّق عليه. فالمرء عادةً يشعر بتفوّقه على مَن كان يومه سيّئاً. حتّى تقديم العزاء والمواساة للآخر لا يخلو من بعض الشعور بالتفوّق، لذلك، من حسن إدراك المرء ألّا يشعر بفارق كبير ما بين اليوم الجيّد واليوم السيّئ، وأن يعرف أنّ الحياة تقوم بمهمّتها على أكمل وجه منذ بدايتها، وأن ينظر إلى مهمّتها هذه بأقلّ ما يمكنه من دهشة، كي لا ينكسر العقل به وتتهاوى النفس عليه.

وكثيرة هي المواقف التي تجنّبتُ أن أكون سعيداً فيها، كنتُ فقط أتعاطى الأمور كما أتعاطى شرب الماء ما دام متوفراً، ولم يحدث أن تهتُ في الصحراء وحصلت على الماء في الرمق الأخير كي أعرف حقيقة شعوري حينها، لكنّي بالتأكيد سوف أتعاطى الموقف كما هو عليه أثناء حصولي على الماء في الرمق الأخير، ولن أقول إنّها حادثة فريدة إذ أنّها حدثت.

الشيء الفريد في هذه الحياة هو أن يتوقّف المرء عن البطولة بدافع الأهمية ما دامت مسألة الخلود ليست من شأنه، فحبّ البطولة يرمي بصاحبه في فشل لا يراه إلّا لحظة شعوره بحجم فقدانه أشياء كانت بمتناول يديه، وتفوق حقيقة قيمتها حقيقة تلك الأشياء التي سعى وراءها لاهثاً بجهد جبّار لا يخلو من نفاق المرء مع نفسه، وأعتقد أنّ الأهمّية الوحيدة للمرء في هذه الحياة تكمن في شعوره العميق ككائن تعرّض للفتك والأذى طوال حياته ومع ذلك بقي على قيد الحياة يشرب الماء أثناء توفّره.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم