صدر حديثًا عن نادي جازان الأدبي والدار العربية للعلوم ناشرون الرواية الأولى للأديبة السعودية سهام العريشي، والتي تحمل عنوان "الشاعر"، وتقع الرواية في ١٧٦ صفحة من القطع المتوسط. وتؤشر إسقاطات العنوان على الفضاءات المحتملة التي يفتحها السرد ولا بد من تأويلها وإكمالها في إطار زمني ومكاني متعدد ومنفتح على أكثر من جهة.

وتنشغل رواية "الشاعر" بالطبيعة الإنسانية وتتعمق داخل النفس البشرية المعرّضة لسطوة الوهم والتطرّف في الارتدادات النفسية والعاطفية للمرأة حيث تمثّل "عهد" الرمز الذي تعالج خلاله فكرة الغيرة والغضب والتعاطف والخذلان والهوس، بالتناظر مع الشاعر الذي يمثّل الكفة المتزنة والمتصالحة والمؤمنة بالحبّ في أعلى درجاته الروحية.

عبر هذا الفضاء المتداخل يتم تظهير الأحداث في مجرى سردي لا ينتهي بل يتجدد ويستأنف لاستكمال باقي حلقات الحكاية ومن خلاله يتم وصف المطبّات النفسية والتطرفات العاطفية التي تمرّ بها البطلة في حركة دائبة بين الحاضر والماضي والمستقبل المتوقع.

وقد وصف الدكتور والناقد حسن حجاب الحازمي هذه الرواية بأنها "رواية كُتبت بهاجس تجريبي مُلّح, وبعمق فلسفي لا يفتأ يطرح الأسئلة, وبإحساس واضح بهاجس الزمن وسيولته المحيّرة, وبلغة فاتنة لا تسمح للمتلقي بالاسترخاء."

من الرواية:

"عزيزتي الفتاة .. الأمر ببساطة أنني أريد معرفة الكثير عنكِ. قد تظنين أنني ألحّ في أن أعرف أنك أقل جمالاً وجاذبية وأقل حبا له. كلا. ليس هذا ما يهمنّي الآن. يهمني فقط أن أعرف كيف يتشكّل حضورك الذهني في ذاكرته. لا يؤلمني حضورك في ذاكرته، يمكنني أن أتصالح مع المصادفات الذهنية التي تحدث في ذاكرة رجل في الأربعين من عمره. ما يؤلمني حقاً هو كيفية هذا الحضور الآني لسنواتٍ كثيرة تتجمع على هيئة لحظة واحدة عابرة. لحظة واحدة تحمل سطوة زمنٍ كامل. تستطيعين تشبيهه بشعور خافت لكنه يتمتع بنوع من الغلبة. هكذا هو حضورك الذي لا أحبه. لا أعرف أيها أقسى عليك، لكني سأفترض أن الموتى لا ينزعجون من شيء ولا يشعرون بشيء. ولذلك ستسمحين لي بالتمادي في الحديث عن أمرٍ يخصك.. في منحك إياه بكلمة, وفي سلبك إياه بكلمة أخرى. لا أدري ما إن كنتُ أستطيع حقاً أن أحرمكِ من حقيقةٍ كنتِ عليها يوما ما. حتى الموت لا يمكنه فعل ذلك. الموت يغيّبنا عن الحضور الفيزيائي المحض, لكنه لا يستطيع أن يلغي الأثر الكوني الذي فعلناه. فعلناه لغيرنا أو فعلوه لنا. لا يمكن للموتِ مثلاً أن يلغي حقيقة أنكِ أحببته مثلي, أو أنه أحبكِ مثلما يحبني الآن. لو كانت تلك هي الحقيقة، ولو كان الموتُ عاجزاً حقاً عن محوها, فما فائدة أن أحيلكِ إلى جثة هامدة في عقلي وحيّة في قلبه؟

سهام العريشي:

أديبة ومترجمة سعودية. حاصلة على ماجستير أدب إنجليزي، تخصص أدب أمريكي حديث من جامعة إنديانا بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠١٤. وتشغل وظيفة محاضرة ورئيسة قسم اللغة الإنجليزية بجامعة جازان. أصدرت "تشبه رائحة أمي .. تشبه شجر الجنة" عن الدار العربية للعلوم ونادي جازان الأدبي وهي مجموعة قصصية حازت بها على جائزة جازان للتفوق والإبداع ٢٠١٥ في فرع الإبداع الأدبي. كما صدر لها "إلا الثواني الخالدة" وهي مجموعة شعرية عن الدار العربية للعلوم ناشرون. حصلت على جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم في فرع الإبداع الأدبي ، الشعر الحديث ٢٠١٧. لها العديد من المقالات والنصوص المترجمة في الصحف السعودية مثل جريدة الحياة، عكاظ، الوطن، والجزيرة الثقافية.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم