"تتميز أعماله التي تتراوح ما بين القصة والرواية والشعر بأنها تعكس حيوية الحياة اليومية بتحويل الواقع إلى عمل فني، وذلك في أدب عالي الجودة وفي تنوع في الأنواع الأدبية"، هذه العبارات القصيرة هي حيثيات فوز الكاتب النيكاراغوي سيرخيو راميريث بجائزة ثيربانتس الإسبانية العريقة 2017 والتي تسمى نوبل الآداب الإسبانية، وتمنح لمجمل أعمال الكاتب. وراميريث أحد كبار كُتّاب أميركا اللاتينية الأحياء وأكثرهم انخراطًا في الحياة السياسية، إذ كان أحد ثوريي الثورة الساندينية (1979) التي أسقطت الديكتاتور أناستاسيو سوموزا، فقد ترأس مجموعة الـ 12 التي تكونت من مثقفين وكهنة ورجال أعمال ونشطاء مدنيين ودعمت "الجبهة الساندينية للتحرير الوطني"، ثم اختير عضواً في مجلس حكومي ثوري استهدف إعادة الهيكلة الوطنية وترأس المجلس الوطني للتعليم، ثم في عام 85 اختير ليشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، حتى عام 90، ورغم تخليه عن المنصب، إلا أنه ظل يعمل على تحسين بنود الدستور ليتضمن محتوى أكثر ديمقراطية. أثناء ذلك، كان راميريث يقسّم اهتمامه ما بين الأدب والسياسة، وفي الوقت الذي كان يناضل فيه سياسيًا أسس دار نشر، وبينما كان يتولى مهامه نائباً للرئيس كان يؤسس مجلات ثقافية ويواصل نشر كتبه القصصية ورواياته. حتى اتخذ قرارًا عام 96 بالتفرغ تمامًا للكتابة، نتاج هذا التفرغ كان واحدة من أهم رواياته "يا مارغريتا، البحر جميل" التي فازت عام 98 بجائزة ألفاغوارا المرموقة. وكذلك الكتابة للصحف في العديد من الجرائد الإسبانية واللاتينية.

ينتمي راميريث جيليًا إلى الستينيات، وهو الجيل التالي لجيل الواقعية السحرية، وإن اختلف عنهم في التصور الفني إلا أنه اتفق معهم في الالتزام السياسي، فكانت أعماله صورًا متعاقبة لأحوال بلده، بل وللقارة اللاتينية. هذه الأعمال لم تقتصر على الروايات والقصص، التي انطلقت من أرض واقعية واستهدفت التسجيل، بل ضمت كذلك سيرة واعترافات وقراءات سياسية في التاريخ المعاصر لنيكاراغوا. هذه الأعمال صنعت منه مثقفًا كبيرًا، وضميرًا لأمته.

ظهرت أول أعمال راميريث عام 63، وكانت مجموعته "قصص"، تلاها رواية "زمن البريق" 1970، ومجموعة "من الحشود إلى الاعتداءات"ومجموعة "تشارلز أطلس يموت أيضًا" 1976، ورواية "هل خُفتَ من الدم" 1977، ورواية "عقاب إلهي" 1988، و"حفلة تنكرية" 1995، ثم جاءت روايته الأهم "يا مارغريتا، البحر جميل" 98، و"ألف موت وموت" 2004، وتوالت أعماله التي كانت آخرها رواية "سارة" 2015 ومجموعة "على منضدة روبن داريو" 2016 و"لا أحد يبكي من أجلي" 2017. بالإضافة إلى كتابه الشهير "وداعًا أيها الصِبية" الذي رصد فيه مشاركته في الثورة الساندينية وفترة توليه منصب نائب الرئيس، ويعتبر من أهم الكتب التي تناولت هذه الفترة في نيكاراغوا، ويمكن من خلاله قراءة الديكتاتورية في أميركا اللاتينية.

يعتبر راميريث أول كاتب نيكاراغوي يفوز بجائزة ثيربانتس، لكنه خبر تلقته الصحف الإسبانية بكثير من الترحيب نظرًا لقيمته الأدبية واسمه الكبير، حتى إن إدواردو مندوثا، عضو لجنة التحكيم والفائز بنفس الجائزة العام الماضي، أشار إلى أن "البساط قد انسحب من تحت قدميّ اليوم"، في مزحة ذات دلالة.

فيما كتبت جيوكوندا بيلي، الكاتبة النيكاراغوية الشهيرة والتي كانت رفيقته في الثورة الساندينية "خسرت نيكاراغوا سياسيًا، لكن الأدب الإسباني واللاتيني كسب أديبًا وإنسانويًا". تعرّفت بيلي على راميريث عام 76 في كوستاريكا، تحديدًا بعد اغتيال حبيبها إدواردو كونتريراس بيد نظام سوموزا، حينها توجه إليها ليواسيها واصطحبها إلى مكتبه حتى لا تتلقى الصدمة وحيدة، وبقي في رفقتها. قبل هذه اللحظة كان كل منهما يناضل ضد الديكتاتورية من مكان مختلف، فتوحدا.

تتميز أعمال سيرخيو راميريث بخلق عوالم سردية قادرة على استدعاء كل التفاصيل الدقيقة التي تحيط بالشخصيات، هكذا نجد الموسيقى التي تسمعها الشخصيات، نوع الصابون الذي تستحم به، الأخبار التي تقرأها. تقول جيوكوندا إن حبه للواقع اللاتيني المليء بالخيال ساعده ليستخرج منه شخصيات مثل أوليبيريو كاستانيدا في "عقاب إلهي" وتجسيد روبن داريو في "يا مارغريتا، البحر جميل".

في عام 2014، نشر راميريث كتاب "خوان الخوانات"، وهي سيرة أدبية لم تغب عنها السياسة، لكن الكاتب النيكاراغوي أراد أنها يقدمها في شكل قصة وأن يكون الراوي مجرد مشارك في الثورة الساندينية ويحكيها لشخص آخر.

وبالإضافة للحقيقة التاريخية، كان المؤلف مشغولًا بالواقع الذي يعكسه الأدب ويبدعه الروائي، وقد ينتهي الحال بأن يكون الحقيقة التي يفضل الجميع الاعتقاد بها، كما تقول الكاتبة والصحافية النيكاراغوية ماريا لورديس.

سيرخيو نفسه يعتقد بفن الحكي حتى لو تناول تاريخًا سياسيًا، وقال في إحدى المقابلات "الآن عدنا إلى المفهوم الثيربانتي للرواية. الرواية هي كل شيء". ثم يكشف أعمدة أدبه بقوله "تذويب الحكاية الواقعية في الحكاية الخيالية وخلق واقع موازٍ ينتهي بأن يكون الحقيقة. هذا هو مجد الروائي وانتصاره الكبير".

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:320px;height:100px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="7675478845">

ثيمات راميريث

سواء بعد اعتزاله السياسة أو أثناء التورط فيها، لم يغب عن أدب راميريث سؤال السلطة، أعقبه سؤال الموت. بجانبهما كانت الموضوعات التوراتية والتحري حاضرة أيضًا. بشكل عام يمكن النظر إلى أدبه كأدب مشبع بواقع أميركا اللاتينية المتعدد، واقع معقد ومترع بالتمردات الشعبية وطغيان السلطة، واقع بائس حاكاه الكاتب النيكاراغوي ببراعة. لذلك استحق جائزة ألفاغوارا عام 98، وجائزة كارلوس فوينتس المرموقة عام 2014.

وفي تعليقه على الجائزة، أعرب راميريث عن سعادته بأن يفوز بجائزة تحمل اسم ثيربانتس، وأضاف "أكره الكتابة من أجل الفوز بجائزة، لكن عندما أفوز أستمتع بالفوز".

في قصة "لن يتركوني وحيدًا"، يسرد راميريث رحلة متخيلة إلى بيتهم العائلي القديم في ماساتيبي، رحلة إلى بيت لم يعد أحد يسكنه. يتجول الراوي في البيت ويكتب من الذاكرة عن الأب، الأم، الأخوة الكثيرين، الغرف، الوحدة التي غدت تسكن في كل الأركان. قصة تبدو سيرية جدًا، يسترجع فيها الطفل الذي كانه، فالواحد دائمًا يعود إلى طفولته، كما يقول راميريث نفسه. ربما تلخص هذه القصة المنجز الأدبي العريض للكاتب النيكاراغوي: العودة دومًا إلى بلده والكتابة عنها. ــــــــــــــــــــــــــ عن "ضفة ثالثة" - العربي الجديد https://www.alaraby.co.uk/diffah/secondbank/2017/11/18/بحكايات-واقعية-ذابت-في-الخيال-راميريث-يفوز-بجائزة-ثيربانتس

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:300px;height:600px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="1305511616">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:728px;height:90px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="3826242480">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:336px;height:280px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="4898106416">

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم