صدر عن دار التنوير رواية "مزار محيي الدين" للروائي والأكاديمي السوري محمود حسن الجاسم. تتناول الرواية قصة عالم أثريّ ومهرّب، ينتمي إلى شبكة أثرية مشبوهة، قد أصيب بالسرطان. ولأسبابٍ متنوّعة يقتنع بوجود علاج لمرضه، في موقع أثري، تحت مزار في محافظة حلب السوريّة، يُعرف بـ"مزار مُحيي الدين".
تبدأ الأحداث منذ اكتشاف البطل لمرضه، وتتطوّر حتى يصل في تأملاته إلى حالة إيمانية تُفهَم بوجوه مختلفة، وتقوده إلى خلاف حادّ مع زملائه، في فلسفة الغيب وفهمه والإيمان به. وقد كانت قناعة البطل المطلقة بالشفاء تزداد عمقًا ورسوخًا بمرور الوقت، بصورة تخالف تدهور وضعه الصحي الذي يمرّ به. وبعد تطوّر الوقائع ووصولها إلى صورة متشابكة معقّدة تنتهي الرواية بتلك النهاية. مقطع من الرواية: تحطّم جليد الصمت بين الحضور، وتعالى صوت الانفعال الخاشع. تكبير وصراخ، وتسبيح وشهقات ونشيج وابتهالات! وبلمح البصر طارت الجملة تلتقطها الأفواه من بيت إلى بيت، ومن قرية إلى قرية، وانتقل الخبر مع الريح في المنطقة: "المزار فيه مياه مباركة تشفي من الأمراض!" وما إن تردَّدَت الجملة في البيوت حتى توافدَت الجموع من كل الاتجاهات، تحمل الأواني فرادى وجماعات. وضجّ سفح "تلّ الخنادق" بالبشر. كان المشهد مثل احتفال في يوم مقدّس. فاض الكلام يقاطع بعضه بعضًا. تداخل الابتهال بالفزع والجلال والفرح والقداسة. عيون تلهج بالأدعية، وتذرف الدموع، وتردّد ذكر الله. طوابير تصطفّ متلاصقة، تتدافع بالمناكب، وكأنها في يوم الحشر! الشيخ محيي الدين يُهمْهِم من بعيد، والحاج فيصل ينادي بصوت مرتفع، يوجّه الناس، وينظّم الصفوف، ويطلب منهم عدم التسرّع، ويعدهم بأنهم سيشربون جميعًا. ثم تقدّم الحاج فيصل مع الوجهاء، وسألوا أفراد البعثة: "هل الماء مبارك حقًا، ويشفي من المرض؟" نظر مايكل حوله، في حين صاح آدم: "نعم، مبارك ومقدّس، ألا تشاهدون الدرويش محيي الدين هناك؟" أشار بيده إلى الدرويش الذي كان يُهَمْهِم، وكأنه الوحيد المخوَّل لتفسير أفعاله! تابع بانشراح: "إنه يبارك هناك بصوته! أقسم لكم إنه ماء مقدّس. انظروا كيف تحسَّنَت حركتي!" وكان يتحرك بفارق ملحوظ عما كان عليه قبل الشرب. لكنه بقي يلهث وسال من لثته خيط دم أكثر من كل مرّة، اضطرّ لمسحه مرارًا بالمناديل حتى انقطع! مايكل تأمّله بنظرة كأنها تخفي سرًّا مظلمًا، نظرة أشبه بلغز أو طلسم، وطافت برأسه موجة مليئة بأفكار متقلّبة انعكست في نظراته. وحين شاهد أن الرياح تسير بهذا الاتجاه قرّر أن يعمل في الخفاء، ولكن كان عليه أن يجاري الرأي العام ويسير مع الريح، اقترب من الخبير جورج، وغمز له، وقال بهمس: "هؤلاء حمقى رعاع، استبدّ بهم شعور القداسة! إنهم مجبولون على الاعتقاد بالخرافات، والأفضل مجاراتهم، ريثما نجد خطة لاستثمار هذا الوضع لمصلحتنا". هزّ جورج رأسه مؤيّدًا، وتحدّث معه بصوت خفيض وإيماءات غامضة، ثم تقدّم مايكل، وقال يخاطب الوجهاء مع الحاج فيصل: "نعم. ماء مقدس ومبارك، وفيه معجزات". نظر في معلّم الورشة، وقال له: "بإمكانك أن تنزل وتجلب لهم من الماء". وشرع معلّم الورشة يجلب لهم، ويلهج بالأدعية ويبكي، وسط مباركاتهم وابتهالاتهم. أصوات متداخلة تطلب تدعو تتزاحم تبتهل تتنافس تتبارك، وضجيج يتفاعل ولا ينتهي.

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم