عن دار أطلس للنشر في القاهرة صدرت رواية "الإمام الغجري" للكاتب السوداني "عماد البليك"، التي يشير الإهداء فيها إلى أنها عمل تضليلي، يحاول أن يربك لعبة التاريخ، بالتحديد تاريخ السودان الحديث خلال المائة سنة الأخيرة، حيث سطوة سلطة الدين والسياسة وبحيث يصعب فرز الاثنين عن بعضهما البعض. الرواية تتقدمها إشارات وتنتهي أيضا بإشارات مكملة للنص، تلعب بمثابة تقديم صورة أو إطار للعمل وتبدو كما لو أنها خارجه، لكنها في صميمه حيث تشير إلى أن هذه الرواية تعرضت للمنع من النشر في البلاد وأنها تعارض العادات والقيم وتعرض لصورة المجتمع السوداني على أنه هزيل ويقوم على الشعوذات وتشكك في مجمل التاريخ الراهن، ومن ثم فإن الرواية تمنع أيضا من دخول البلاد للأسباب نفسها حيث تنشر في الخارج بالقاهرة. كاتب الرواية الأساسي صحفي وروائي لم ينل نصيبه من الشهرة، يبحث في سيرة إمام من أئمة البلاد وزعيم سياسي أصبح اختفاؤه منذ خمسين سنة لغزًا ليس له من حل، وفي الوقت الذي يبدأ مشروعًا روائيًا متخيلًا حول كتابة سيرة ذلك الغموض والاختفاء أو الغيبة، فإنه وبنصيحة أحد الزملاء الصحفيين يتجه إلى كتابة السيرة والتاريخ المتخفي لما وراء غياب الإمام، ليكتشف حقائق مذهلة وحياة ثانية عاشها "سفيان النصري" الذي ورث الإمامة والزعامة السياسية عن أبيه وجده. يتتبع الراوي ما جرى مع الصحفي على أرض الواقع من زيارته لبلدة الإمام حيث مسقط رأسه، إلى حيث قضى سنوات عمره الأخيرة في خريف حياته وكيف أن الإمام عاش حياة متنازعة ما بين سلطة العائلة ورغبته في الانطلاق الشخصي والتحرر، وكيف أنه عاش بعقلية الفيلسوف الذي عليه من ناحية ثانية أن يلاعب المجتمع في أراجيز السياسة، ليصل في النهاية إلى حالة انفصال عن الواقع يقرر به أن يكون هو، إلى نهايته الغامضة بطقس انتحاري متوارث. لكن حقيقة الإمام تظل أيضا مليئة بالغموض الذي أفلح الصحفي والروائي في فكّ جزء منه وليس كله، لأن حياة الصحفي تنتهي بحادثة اغتيال وسقوط سيارته من أعلى جسر في الخرطوم عاصمة البلاد، ليفتح صراعًا جديدًا حول قصة لا يعرف من أحد مدى حقيقتها، هل هي من تأليف الصحفي أم أنها الواقع الذي جرى في الحياة الثانية المختلقة للإمام. الرواية تتقاطع مع صورة التاريخ والواقع السياسي وهيمنة الذهنية الدينية الراديكالية والتقاليد المتوراثة دون أي محاولة لتحريك حياة جديدة وناضجة، وتتعرض لكيفية بناء الأسر الكبيرة التي تسيطر على الأحوال وتهيمن على مصائر العباد والبلاد. البليك، صدر له 17 مؤلفًا في الرواية والقصة القصيرة والنقد الأدبي والفكر، ويعمل في مجال الصحافة محررًا بصحف الخليج وكاتبًا بموقع "العربية.نت".

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم