"قيد الدرس" هي الرواية الخامسة للكاتبة لنا عبد الرحمن، صدرت مؤخرا عن دار الآداب في بيروت، وواكب صدورها معرض بيروت الدولي للكتاب. بعد روايتها " ثلج القاهرة"، تعود الكاتبة إلى أجواء بيروت في عمل سردي طويل يرصد حياة أكثر من جيل، ويمتدّ زمن الرواية إلى ما قبل الحرب اللبنانيّة ويستمرّ إلى ما بعدها ،من بيروت في سبعينات القرن الماضي حتى عام 2012. وهي بذلك تضمر أن تكون "ملحمة" لزمن تاريخي موسوم بسؤال الهويّة على خلفيّة الشتات. الشتات بسبب الحروب والإقتتال والتهجير. تتبع الرواية مصير أفراد عائلة " عبدالله"، الجدة سعاد وإبنتها نجوى وأولاد نجوى وأحفادها ،و تمضي الأحداث من فلسطين إلى بيروت، إلى فرنسا والعراق، ثم بيروت مرة أخرى. الجدة سعاد تزوجت من عواد الكردي، المزواج، وابنتها نجوى تتزوج من باسم، وهو مقاتل من " القرى السبع" يحمل هوية قيد الدرس؛ أما أولاد نجوى الأربعة فلا يجمع بينهم أي شيء. وبين التشرد وفقدان الهوية، والبحث عن الإنتماء يظهر وجه الإرهاب القاسي تاركا سؤالا كبيرا عن حقيقة انتماء الأبطال وهويتهم، كما يحضر المكان بكل أبعاده ليحرك الأحداث والأشخاص والحكايات والأقدار. الجدير بالذكر أن الكاتبة لنا عبد الرحمن هي كتابة روائية وناقدة من أعمالها الروائية : "أغنية لمارغريت" و"ثلج القاهرة"، و"تلامس"، ولها مجموعتين قصصيتين بعنوان : "أوهام شرقية" و"الموتى لا يكذبون"، وكتاب نقدي بعنوان " شاطئ آخر".

من أجواء الرواية: لكن الحياة لم تمض بهذه السلاسة؛ في إحدى الليالي ارتفع صوت نجمة، تطلب النجدة لإنقاذ ابنتها، الكهرباء مقطوعة في كل المنطقة، ونجمة تنادي على الجيران كي يحضروا سيارة لنقل جمانة إلى المستشفى، بعد أن وقع قنديل الكاز على رأسها، فأحرق شعرها ووجهها. المستشفى، الذي تم نقل جمانة إليه في "برالياس" لم تكن فيها تجهيزات كافية لإسعاف مثل هذا النوع من الحروق، لذا عادت جمانة إلى البيت بعد ثلاثة أيام بوجه ملفوف بالشاش الأبيض، ولما أذِن الطبيب بنزع الشاش، ظهر التشوه كيف دمر جزءا من وجهها الأبيض الجميل، صار لجمانة وجها ممسوخا، منقسما إلى جزءين: الأيمن جميل ومعافى من آثار الحريق، والأيسر مشوه بالكامل. ازدادت جمانة عزلة وصمتا، تحبس نفسها في المطبخ طوال النهار وخلال وجود ضيوف عند أمها. أرادت نجمة استدرار العطف بمصيبة ابنتها، لكن جمانة لم تطاوعها، فكانت تصرخ في وجه أمها لو ألحت عليها بالدخول، أما حين تضطر لمغادرة البيت كانت تضع نقابا يخفي وجهها. لم تعاود جمانة- بعد تلك المصيبة- تحرشاتها بي، تجاهلتني تماما، وحين دخلت ذات مرة إلى الغرفة وهي وحدها، هددتني بأنها ستصرخ وتفضحني، حاولت تهدئتها، لكنها قالت إنني أشفق عليها، وأنها تدرك جيدا أنني لم أحبها يوما، وأني أحب نسرين لأنها متعلمة مثلي. بعد تلك الليلة هربت جمانة، لا أعرف إن كنت أنا السبب في هروبها. انتشرت شائعات كثيرة، قيل إن نجمة باعتها لثري عربي عرفته عن طريق الشيخ الجنزوري، أخذها معه مقابل أن يجري لها عملية تجميل تعيد إليها وجهها السابق. قيل إن جمانة هربت وحدها، لأنها لم تعد تطيق نظرات أهل المنطقة، وقيل إن نجمة أعطتها لطبيب تجميل في بيروت كي يجري عليها تجاربه لقاء بعض المال. قيل الكثير، لكن ما حدث حقا ظل طي الكتمان، حتى ظهور جمانة بعد عدة أعوام من دون آثار للحريق على وجهها. لم تكشف عن سرها، كانت تضحك تلك الضحكة التي أعرفها جيدا وهي تقول: "ما مهم شو صار.. المهم رجعت حلوة متل زمان..مش هيك".

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم