حاوره: هيثم حسين 

نوّع الكاتب الكرديّ السوريّ محمّد سيّد حسين في كتابته. ولئن تأخّر في النشر فإنه دأب على التأليف، وثابر على الكتابة لتكون وسيلته لتحدّي الظلم الذي تعرّض له شعبه على يد النظام في سوريا.

ولد محمّد سيّد حسين سنة 1943 في قرية تل عربيد في القامشلي السوريّة، وهو يقيم حاليا في جمهورية التشيك، يكتب باللغة الكرديّة، له عدّة كتب في القصّة والشعر والرواية، منها: «سحابة الموت»، «الوطن جنّتي»، «إضاءات في الاتّجاهات الأربعة»، «كردستان قصيدتي»، «الأعمال الكاملة»، «صدى الحقيقة»، «خريف الدموع»، «اللغة والمشاهير، التراث والأمكنة، المناسبة والمناضل».

عذابات التاريخ

كان سيّد حسين قد وثّق في روايته «سحابة الموت»، لحدث معاصر هامّ في حياة الكرد السوريين؛ الحدث الذي يعرف في الأدبيّات الكرديّة بـ«انتفاضة آذار» سنة 2004، حيث سقط عشرات الشهداء، واعتقل بضعة ألوف لمدد مختلفة، وكان ذاك الحدث بداية جديدة لتطبيق سياسات إقصائيّة بالإضافة إلى تلك التي كانت قيد التطبيق منذ عقود، بحيث سعى إلى تقطيع أوصال المدن والتفريق بين الناس بنوع من التغيير الديمغرافيّ، ممّا أدّى إلى تهجير كثير من السكّان إلى المدن الداخلية والعاصمة بحثا عن لقمة العيش وشيء من الأمان.

يقول سيّد حسين إنّه انطلق في كتابته من هموم شعبه ومن خصوصيّة المعاناة والمعايشة والوضع الصعب والمشقات التي تعرّض لها وعانى منها عبر التاريخ، لدرجة وصلت إلى حرمانه من ثقافته ولغته، وطالت وجوده نفسه. ويذكر أنّ هناك العديد من العوامل ساهمت في إبقاء الشعب الكردي متخلّفا عن شعوب المنطقة.

بالنسبة لعلاقة الكتابة والرواية بالتاريخ واشتغاله على ذلك يقول: حاولت اقتفاء آثار التاريخ وتوثيق الوقائع التاريخية، ذلك أنّ التاريخ مرتبط بعناوينه بطبيعة الحال، لذا لابدّ لنا من التعريج على منعطفاته كي نوثق جوانب ممّا تعرّضنا له، فقد عانى الكردي من الجوار ومن أخيه أيضا.

يستذكر سيّد حسين بعض الأحداث المفصلية، ويعود إلى حقب معيّنة من التاريخ بغية استقاء العبر والدروس منها، ويقول: إنّه سنة 1514 كان هناك صراع بين الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية، انقسم الكرد حينذاك على أنفسهم، كان بينهم أمراء كرد حاربوا في هذا الجانب أو ذاك، وهناك اتّفق المتحاربان على أن يكون الكردي رأس الحربة في معركة جالديران. كان ذلك من تأثير الضغط الإسلامي، سواء التأثر بالإسلام الصفويّ أو الإسلام العثمانيّ. وقع الكردي في فخّ الإمبراطوريتين وضحيّة مآربهما.

هناك من أراد بل وسعى إلى تحويل الربيع في سوريا إلى خريف

وقعت بعض الإمارات الكردية عبر التاريخ في خدمة الدين الإسلاميّ أكثر من الجانب القوميّ الذي تمّ إهماله. ما حدا ببعض المغالين في تديّنهم للدعوة إلى تبنّي اللغة العربية لغة رسمية لأنّها لغة القرآن، في حين أنّ ذلك يضيّق من الانفتاح الدينيّ وجوهر الدين نفسه.

ثورة مستمرة

يرى سيّد حسين، ككاتب كردي سوري، أنّ هناك مَن أراد وسعى وعمل على تحويل الربيع في سوريا إلى خريف، وأنّ الثورة السورية التي جاءت على وقع الربيع العربي ونتاج تأثيراته أصبحت تاريخا ومحكّا.

وعن انخراطه في الثورة والتظاهرات في مدينته يقول: “شاركت في التظاهرات بالقامشلي منذ الأسبوع الثاني لانطلاقتها، جاهدت للمساهمة في لملمة شتات المثقفين والتنبيه إلى خطورة المرحلة، وكان هناك تصوّر أنّ ثورتنا ستكون مختلفة، لأنّ هناك ارتباطات وتداخلات تشعّبية إقليمية ودولية. حاولنا أن نعيد للمثقّف صوته المسلوب أمام هيمنة الساسة، وفي الوقت نفسه إشعار السياسيّين أنّ المرحلة تستوجب توحيد الصفوف، ولأنّ قلّة تجربتنا تفرض علينا التكاتف لأنّ لدينا قضيّتنا التي نناضل في سبيلها. لمست لدى الشباب الكثير من الاندفاع والحماس للمشاركة في الثورة والنزول إلى الشارع، لأنّ آثار «انتفاضة آذار» 2004 كانت قريبة ومؤثرة”.

بالحديث عن تجربته ومسعاه ومشاركته في الثورة يقول: “نتباهى في سوريا ككرد سوريين بأمرين، أحدهما أنّه يمكننا القول إنّنا أصحاب حقّ ولم نهجر أرضنا ولغتنا، والثاني أنّ قضيتنا السياسية تحتلّ الأولويّة بعيدا عن أيّ اتّهام بالإرهاب أو ما شابه، ومساعينا تكمن في الجهود السلمية، وبخاصة في مرحلة المتغيّرات الكبرى اليوم. وأقول وأكرّر إنّ الحلّ يبقى مع الشعب السوريّ الممثّل بالمعارضة وليس مع أحد آخر، كما أنّ قضية الشعب الكرديّ تعدّ من القضايا الوطنية الرئيسة في البلاد”.

وبالنسبة للمسألة الكردية في سوريا يقول: “أحرص دوما على الدعوة إلى إيجاد حلّ للقضية الكردية بسوريا في الإطار الوطنيّ، وكان لا بدّ من النظر إلى ارتباط القضية الكردية بالقضية الوطنية وإدراك أنّ حلها في دمشق ومع أبناء البلد من المعارضين الذين يتقبّلون وجود الكرديّ، لأنّ التوصّل إلى الحقوق يكون عبر التحاور مع الإخوة السوريين في المعارضة، وبالنظر إلى تجارب الكرد الآخرين ندرك ذلك تماما. ولا بدّ من البحث عن إطار لتجميع الأحزاب السياسية الرئيسة حتّى تتمكّن من توحيد جهودها وخطابها في جميع المحافل الدولية والإقليميّة. ولا يخفي دعمه للتمثيل الكرديّ المشارك مع وفد الائتلاف السوريّ المعارض في جنيف2، ويعتبر ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح”.

وطن يضيق بأبنائه

وعن بعده عن الوطن يقول: “خرجت إلى أوروبا بداية للعلاج، وأنا الآن أدين نفسي لوجودي خارج الوطن، وهنا تكون الكتابة ملاذي أوصل عبرها صوتي وموقفي”.

أمّا بالنسبة للتنويع الذي يتّسم به في أعماله، ولاسيّما أنّه يخوض في مجال الرواية والشعر والقصة والمقالة، يقول: “كأنّ قدر الكاتب الكردي -الذي يكتب بالكردية تحديدا- أن يكون متعدّد المواهب وينوّع في المجالات الأدبية والسياسية لأنّ تاريخ الكتابة باللغة الكردية قصير، بسبب المنع والقمع اللذين تعرّضت لهما على أيدي النظام، ما أشعرني بالمسؤولية بوجوب التنويع في الكتابة، والكتابة في مختلف المجالات والأجناس، والعمل على النهوض باللغة الكردية الفصيحة”.

يشتغل سيّد حسين الروائيّ على ثنائيّات متداخلة، بحيث يستدعي الحديث عن أحدها الآخر، فالحديث عن السجن يستوجب توصيف الحرّيّة، وعن التاريخ يستوجب الحديث عن الراهن والمستقبل. وتراه يحذّر من أنّ تلك الحوادث المؤسفة كانت ممهّدات حرب محتملة وشيكة، لكن ما يبقى الفاصلَ الواصلَ، والمُرتكزَ الذي يعاود الرجوع إليه، وطنٌ يضيق بأبنائه، يكون مسرحا للتناقضات والانتماءات المتحاربة، ومرتعا للفساد والمفسدين، يتمّ فيه تشويه المواطن وتبديده، عبر نزع الاسم والهويّة، وحتّى الشعور، وخلق مشاعر مناقضة تماما لتلك التي يفترض بها أن تكون وتوجد، لأنّ الواقع المشوّه يفرز تشوّهات خطيرة يكون لها الأثر الأسوأ على الوطن بما فيه ومن فيه، بحاضره ومستقبله.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم