الرواية نت – لندن: يميل الروائيّ السعودي ماجد الشيباني إلى تلك الروايات التي غيبت فكرة الزمان والمكان فكانت في فكرتها صالحة لأن تكون عملاً خالداً في الأذهان.. ويقول إنّ هذا النوع من الروايات الخالدة والتي تركت أثرها في نفسي لا تعرف طريقاً إلا العلم نفسه وخاصة في العلوم الإنسانية التي تشكل بناءً أرضياً مهولاً وكأن هناك منطقة ما بين توظيف ملكة التخيل وتوظيف ملكة الإدراك أو في النظام التصوري الذي رسم معالمه وليام جيمس أو هو الهوية السردية التي تحدث عنها بول ريكور.

يشدّد مبدع "دادا جينوم" في حواره مع الرواية نت على أنّ الحاضر يكشف لنا عن " نص قد يكتمل بعرض" والمستقبل يحدده الرهان على النصوص الأدبية والعمل على تحويلها إلى منتج في ثقافة الصورة وهذا الشيء لا يمكن التنبؤ به.

نتعرّف في هذا الحوار على بعض انشغالات ماجد الشيباني، صاحب التجربة الطويلة في عالم الكتابة والإبداع، كما نتعرف على جوانب من آرائه في واقع الرواية العربية، والنقد والترجمة والجوائز.. وغيرها من التفاصيل الثرية.

 

- كيف تقيّم تجربتك مع القراء؟

هي علاقة بدأت متأخرة في التشكل بعض الشيء وقد يكون العمل الروائي الثالث امتداد لسلسلة من الأفكار المترابطة التي تجسد حقيقة الرغبة في أن أسلك طريق الكتابة الروائية. في عصر التقنية ظهرت بعض المواقع التي تعزز من هذه الحركة في التلاقي ومنها موقع " القودريدز" ومن خلاله أطلعت على بعض الآراء بكل اتجاهاتها المختلفة ما بين القبول وبين عكسه، وأرى في طريقة الموقع وسيلة هي الأمثل في التواصل بين الكاتب والقارئ متى ما كان الكاتب مستمراً في العطاء وكتابة أعماله فالوقت لا يمكن الرهان عليه لوجود أولويات أخرى هي في نظر الآخرين أهم من أن ينعزل الكاتب من أجل نفسه فقط ومنها على سبيل المثال الحياة العملية والحياة الاجتماعية.

من أجل أن تكتمل هذه العلاقة لابد لدور النشر من تأدية عملها في التسويق على أكمل وجه وألا تفكر بنفس طريقة التفكير لما قد سمعته من نصائح في أن أكون قريباً من عملي وكأن فعل الكتابة قد تعطل بالكامل وأيضاً وقوده في القراءة والاستزادة من جملة المعارف الإنسانية وهي حق للكاتب في أن يتنعم بها بات في حدود ضيقة. ولكي تتم دور النشر عملها بشكل طبيعي وهذا يعني توسعا في الانتشار يكسب العمل الكثير من القراءات التي يمكن أن يتم عليها بناء علاقة بشكل أكبر مع القراء؛ لابد لها من أن تتحرر من فكرة وجود الكاتب نفسه في عملية التسويق، لا توجد طريقة يمكن أن تكشف لنا نجاح عملية السرد أفضل من أن يكتشف القارئ بنفسه تلك الرمزية المتمثلة في ذهن الكاتب نفسه، وهناك سبب آخر قد يدعم هذا التوجه في أن فعل الكتابة نفسه هو مرحلة متأخرة من القراءات المكثفة وهذا يعني أن هناك وقوداً يحتاجه الكاتب ولابد أن يكون حاضراً كحقيقة مسلم بها عند مسيري دور النشر ومن أجل أن يؤدي كل طرف دوره في الحياة من أجل الحصول على منتج جيد يستحق القراءة، هي عملية أشبه بالبناء المتراكم عندما ينشر العمل فتأتي الآراء من كل صوب ليستثمرها الكاتب في أعماله القادمة.

لهذا ذكرت في البداية أنها علاقة بدأت في التشكل متأخرة في وقت كنت أحتاج إلى تلك الحركة الانسيابية الطبيعية منذ العمل الروائي الأول قبل أكثر من عشر سنوات.


‏- ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟

هي تلك الروايات التي غيبت فكرة الزمان والمكان فكانت في فكرتها صالحة لأن تكون عملاً خالداً في الأذهان، هذه الأعمال بعثت برسالتها في الوقت الذي يراهن عليه نقاد هذا العصر في الوطن العربي على وصف الأمكنة بطريقة حالمة فكان الأثر الذي يتركه العمل الفني تكرار دائر على نفسه للأسف. هذا النوع من الروايات الخالدة والتي تركت أثرها في نفسي لا تعرف طريقاً إلا العلم نفسه وخاصة في العلوم الإنسانية التي تشكل بناءً أرضياً مهولاً وكأن هناك منطقة ما بين توظيف ملكة التخيل وما بين توظيف ملكة الإدراك أو في النظام التصوري الذي رسم معالمه وليام جيمس أو هو الهوية السردية التي تحدث عنها بول ريكور، وهذه المنطقة لها طريق أيضاً في قراءة جملة من الأنساق التي تقدمها لنا الأعمال البحثية ومن خلالها تكون الحركة في تشكل فكرة قد تساهم بكتابة فنية تسهم في أن تطرح بعضاً من القبول عند المتلقي.


- ما الرواية التي تتمنى لو كنت مؤلفها؟

هناك جملة من الأعمال الروائية التي تترك أثرها في نفسي وتبعث بالأمنيات لأن أكون في مستوى يتوافق وقدراتهم الإبداعية، لا وجود لمثل هذه الأمنيات في السؤال في داخلي بقدر ما هو بحث عن تنافس في هذا الحقل لتقديم المتعة الذهنية فيه.


‏- هل من رواية تندم على كتابتها أو تشعر أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟

يحدث هذا كثيراً لكن في جزئيات صغيرة من العمل ومن ينكره قد بالغ في تقدير ذاته كثيراً ولأن قدراتنا بشرية لا يمكن أن نبالغ أيضاً بحالات الندم لمجرد وجود أخطاء مطبعية يمكن لها أن تتعدل مع الطبعة الثانية أو لوجود فكرة يمكن صياغتها بطريقة أفضل. ولهذا لا أشعر بالندم نهائياً لشي قد كتبته ونشرته.

‏- كيف ترى مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

يفترض بهذه العلاقة أن تتم في تناغم، وأن تستثمر ثقافة الصورة ذلك حقيقة ذلك الفعل بأن هناك نص من شأنه أن يكتمل بعرض مستمد من الأعمال الروائية من أجل صناعة هوية ثقافية تميز كل قطر عربي عن آخر. وغالبا ما تكون هذه الفكرة التي جرى استثمارها من عمل روائي في ثقافة الصورة هي حكاية لعمل جماعي تلخص حركة الثقافة داخل محيط ما، فالفكر ينتقل من شخص لآخر ومن جماعة إلى جماعة ومن مجتمع لمجتمع آخر وهي تحكي منجزاً ثقافيا في صورته الأمثل والتي أتمنى أن تكون حاضرة في مستقبل الأيام، لابد من الرهان والاستثمار، الرهان على ما يحمله الواقع المحلي من نتاج أدبي والاستثمار في أن يكون له وجود في ثقافة الصورة التي تتطلب ملاءة مالية عالية والتي أرى أنها تتجه بحثاً عن كفاءات من خارج المحيط خوفاً من الخسارة المادية، وغالباً من يفكر بهذه الطريقة لا يبحث إلا عن الشيء الذي يحقق له مكاسب أكبر فيكون رهانه أقرب إلى التكرار في إعادة التجارب نفسها مع إحداث بعضاً من التغيير، فتظهر في ثقافة الصورة بصورة تدعو إلى الترحم على وضغنا البائس في هذه الصناعة. هناك مرحلة ما قبل ثقافة الصورة وهي تجربة الكتابة الروائية نفسها التي يبحث القارئ فيها عن تلمس حالات إبداعية في هذا الحقل الفني والتي تستوجب ألا يكون العمل نسخة مقلدة لعمل روائي سابق، فالخطوة الأولى تبدأ من العمل الروائي وأن تكون الغائية خلق من العمل العدم يكشف عن إمكانية القارئ في تلمس حالة إبداعية.

الحاضر يكشف لنا عن " نص قد يكتمل بعرض" والمستقبل يحدده الرهان على النصوص الأدبية والعمل على تحويلها إلى منتج في ثقافة الصورة وهذا الشيء لا يمكن التنبؤ به.


- كيف تنظر إلى واقع النقد في العالم العربي؟

العمل الفني الذي نقرؤه يكشف عن علاقات متشابكة بين عدة أطراف من بينهم عمل الناقد، كل عمل أدبي يصنعه أديب يترك في الساحة أثراً وهذا الأثر يمر بالمتلقي وقد يمر بناقد في حركته نشط لينتهي عند العقل المتفلسف من أجل أن يستثمر هذه الحركة في الجانب الإستطيقي بشكل عام، الأديب يشتكي من ناقد والناقد يشتكي من تدخلات ذلك العقل المتفلسف. ويبقى السؤال الأهم، ما الذي نبحث عنه لدى الناقد من أجل أن يتم عمله؟

وفي رحلة البحث عن الإجابة على هذا السؤال غوص في بحر النقد لرؤية ما مدى ما للنقد من مرام خلاقة والتي تأخذ اتجاهين: الأول، الكشف عن مواطن القوة في السرد واكتشاف رمزية ما غابت عن عقل المتلقي، والثانية الكشف عن نقاط ضعف في السرد تقدم إضافة للأديب نفسه لمعالجتها في المستقبل، وهذا يعني أن هناك استفادة من جميع الأطراف لعمل الناقد النشط.

ولكن ما الذي أمكننا رؤيته في أعمال بعض النقاد؟

الإجابة هنا أن هناك مجموعة تؤدي عملها بشكل جيد بينما هناك في الطرف الآخر من ابتلع في حماسة سلسلة من الأنساق في العلوم الإنسانية ليطبقها على تلك الأعمال التي تقع تحت يده وغايته الترف المعرفي، يعمل لينسف لا لأن يقدم مساهمته الإيجابية لكل الأطراف بحجة أن هذا الحقل الذي أجد له قيمة نتاجنا لا يملك الأدوات اللازمة في الارتقاء بهذه الصناعة واستغرب حقيقة أن يكون من يملك هذه القناعات في التفكير أن يرتقي أعلى مراتب النقد في محيطه وكأن الواقع يكشف لنا عن خلل أكبر في التمييز بين ما هو مطلوب عمله وما بين التسليم بجمال لغة تؤدي دوراً فعالاً في الهدم. نحتاج إلى ذلك النوع الأول من النقد حتى يتم البناء بشكل تدريجي ومتصاعد ولا أن نتعجل في الحصول على نتائج، يكفي أن يكون مسارنا في هذا الاتجاه تصاعدياً وأن نتجاهل ذلك النوع الثاني من النقد والذي كشف لنا عن تخبطات في النقد لمجرد ملامستها لعمل العقل المتفلسف فكانت الغائية التي يحملها هو أداة وحيدة في الارتقاء بهذا الحقل.


‏- إلى أيّ حدّ تعتبر أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟

تجربتي في الكتابة الأدبية مر عليها أكثر من عشر سنوات وكنت أتمنى لو أن الفرصة أتيحت لي خلال هذه السنوات لقراءة عمل نقدي من أجل الأخذ بتوصيات من شأنها أن تقدم الإضافة في الأعمال الأخرى لكن هذا الشيء لم يتحقق واكتفيت بقراءات لأصدقاء يعتد بمنزلتهم المعرفية فيما يقومون به من أعمال فرضت نفسها على الساحة الثقافية.


‏- كيف تجد فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟

هذا الجانب يجب تعزيزه بشكل أفضل ولا أحد يمكن له أن يحدث تغيير سوى دور النشر نفسها، هي من تملك الرؤية وهي من تدير مثل هذه الأمور على الساحة الثقافية، بعضها من وفرة الأعمال لديها أصبحت تلوم الكاتب نفسه في عملية التسويق وهذا ما لمسته من تجارب سابقة وكأن الكاتب أجير لديها، لا تأتي بشكل مباشر وإنما بطرق غير مباشرة. هذا السؤال يوجه لدور النشر وهي من تملك الإجابة عليه وعندما تتفق على شيء فهذا يعني أن الأمر يتم لصالحها على حساب الكاتب وهذا ما لا نريده، نبحث عن تجارب لهم تكشف عن تميز وبالتالي تكون التجربة خير معيار لصدق تنبؤ في وضع خطة تسويقية تخدم كل الأطراف وحتى يكون لدينا سوق عربية للرواية.


‏- هلا تحدّثنا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟

التجربة الأولى اعتمد فيها على واقع كشف لنا عن وجود بعض المحسوبيات والتي من شأنها أن ترفع من فاقد الكفاءة لأن يكون في منزلة أعلى على حساب من يستحق، فكان الطريق مفروشاً بالورود لبطل الرواية لأن يرتقي عالياً وأن يصل إلى قمة النجاح دون أن يتخذ قراراً واحداً في حياته، ومن أول قرار اتخذه بدأ رحلة السقوط ليخسر كل ما قد تحقق، وقد استحضرت عوالم مالك بن نبي الثلاثة في عوالم الأشياء وعوالم الأشخاص وعوالم الأفكار وكيف للطفل الصغير أن يتشكل في بداية حياته في عوالم الأشياء بتلمسه لكل ما قد تقع عليه يداه وليصل بعدها إلى عوالم الأشخاص، وما أن يظهر إلى العالم الخارجي حتى تتكشف عوالم الأفكار التي تذهب به بعيداً إلى أن يصل مرة أخرى إلى قلة في عوالم الأشخاص في مراحل متأخرة من حياته وما أن يشيخ ويكبر حتى يكون أسيراً لعوالم الأشياء كما بدأ حياته. هذه الالتفاتة إلى التسلسل هي الشرارة الأولى لعمل طوبائي حالم والذي يكشف مع نراه الآن من دولة الكفاءات وعدم التمييز بين الأفراد أن ما كان في خانة الضد في فترات سابقة كانت مجرد طوباوبة حالمة.

وفي عمل " دوار الأرض" كانت نظرة العطف حاضرة في شخوص الرواية وكيف أمكن لأحدهما ان يتغلب على هذا التأثير الحاضر في عوالم الأشخاص على حساب الأهم في التجربة الحياتية والعيش بواقعية تجعل من ترويض الحياة أمراً مقبولاً.

‏- إلى أيّ حد تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

تلعب دوراً مهماً في الإشهار والتعريف بكاتب ما بعد أن ظل لفترات معروفاً في نطاق محدود، وكأنها تحل محل دور النشر في التسويق.

مع كل جائزة نسمع عن بعض التلميحات في التشكيك في قدرتهم على اكتشاف ما يستحق، وهنا إشارة إلى أن في هذا الفعل تنبؤ في غير محله، هناك جوائز لأعمال لم تنشر من قبل وهنا فرص المنافسة لها حدود، وهناك جوائز أخرى من يقوم بفعل الترشيح دار النشر نفسها وهنا فرص المنافسة محدودة أيضاً لتفاوت مسألة الانتقائية في الأخذ بالعناوين المقدمة لتلك الدور. وتبقى فرص متاحة للروائي يحب ألا يفكر بها كثيراً فما هو أهم بالنسبة له يكمن في الاستمرارية في العطاء.


‏- كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

ما قد أراه الآن هو العكس تماماً لدرجة الاعتراف الذي أسمعه دوماً من بعض القراء بأنهم لا يقرؤون سوى الروايات الأجنبية المترجمة، ويبقى أن ترجمة ما يكتب باللغة العربية إلى لغات أجنبية ما زال في مراحله الأولى ويحتاج إلى عمل أكثر ويوما سنصل بالرواية العربية إلى العالمية لمجموعة من الأسباب ومنها أن التقارب في الأفكار وصل لمرحلة متقدمة لأن يغيب مسألة التباين في الأمكنة.

 

‏- يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعر بهيمنتها على أعمالك؟ وهل تحدّ من إيصال رسالتك الإبداعية وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

عن السلطة الاجتماعية يمكنني القول بأن في كل دورة زمانية هناك بقايا لثقافة سلبية ما زالت سائدة وهنا يكون العمل الروائي مهماً في الكشف عنها بقالب أدبي ولا يعني ذلك الاستهزاء بأحد، لأن الأصل في الفكر الحركة ولا وجود للجمود. ولكن عندما نتحدث عن الرواية فنحن نتحدث عن شخوص ومن أجل التمييز فيما بينهم يحصل أن تمر أفكارهم عبر هذه القنوات الثلاثة والتي من شأنها أن تترك تأثيرها في تحولات لهذه الشخوص داخل العمل السردي، وهذا هو المقبول والذي يمكن توظيفه في الأعمال الروائية على عكس أن يكون توظيفها مجرد بحثاً عن إثارة وتكسب بأن تستفز شريحة من المجتمع.

كان التحدي بالنسبة لي في كتابة الرواية أن أتجاوز بعضاً من هذه القنوات وأن أغيبها تماما عن شخوص الرواية وهو ما صنع حاجزاً أكبر في تقديم عمل يستحق القراءة.


‏- ما هي رسالتك لقرّائك؟

محبتي وشكري لكل من كان بالقرب بروحه الجميلة ولطفه الغامر مع كل تجربة جديدة أخوض في غمارها، فما كنت أسعى إليه على الدوام أن تكون لهذه الأعمال طابع الرحلة لقراءات ممتعة.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم