الرواية نت - يعبّر الروائيّ السعودي عن قناعته بأنّ كل عمل في هذا العالم، أي عمل إبداعي وراءه حكاية ما، لذا فهو مطمئن بأن الروايات لن تموت إلا بموت البشر جميعا.

ويؤكّد صاحب "حقيقة قوس قزح" في حواره مع الرواية نت أنّه على إيمان كبير بأن وظيفة المبدع أن يبدع ويمضي، يكتب ويدفع نصوصه للنشر، ويبحث عن كتابة عمل آخر، ولا يلتفت لما بعد العملية الإبداعية..

في هذا الحوار يكشف الروائي علوان السهيمي عن بعض أفكاره ومواقفه تجاه عدد من المسائل الأدبية والفكرية في ميدان الفنّ الروائيّ الذي أبدع فيه عدّة روايات حتّى الآن.

- كيف تقيّم تجربتك مع القراء؟

في الواقع إنني أملك علاقة جيدة مع القراء، وهم بلا شك الوقود المحرك للمبدع، وبدونهم هو لا شيء، صحيح إننا حينما نكتب فنحن لا نضع القارئ في الحسبان أثناء الكتابة، لكنه بعد النشر يغدو العنصر الأهم في العملية الإبداعية، رغم أن هناك الكثير من القراء يحاولون دائما محاكمة الكاتب، وتدريسه كيف يكتب ومحاولة تعليمه أفضل طريقة للكتابة، إلا أنهم هو الوجود الحقيقي للكاتب، ودورهم مهم في العملية الإبداعية، وبدونهم تصير الكتابة فقط مجرد ثرثرة.

- ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟ 

هذا السؤال كبير وفضفاض، لدرجة أنني لا أستطيع أن أجد له إجابة محددة، لكنني أستطيع القول بأنني ككاتب عبارة عن مزيج من كتّاب ونصوص وأعمال إبداعية عدة، فالكاتب أيا كان هو صدى لكتّاب سبقوه أو جاؤوا بعده، إن العملية التراكمية في الكتابة نتيجة عملية تراكمية في القراءة أيضا، ومن الصعب أن ينكر أي كاتب ما تأثره بنص ما، أو بكاتب ما، لكنه لا يستطيع الجزم من هو ذلك الكاتب أو ذلك النص، إننا نحن الكتّاب خليط كبير من بعضنا البعض، لكنني بالمنطق البسيط أستطيع القول بأن تجربة الأدب اللاتيني محببة بالنسبة لي، وقريبة من نفسي، لكنني لا أستطيع أن أجزم إن كانت أثّرت فيّ بشكل مباشر أم لا.

- ما الرواية التي تتمنى لو كنت مؤلفها؟ 

هناك الكثيرة من الروايات العظيمة، ولو أردت أن أعدّد كل الروايات التي كنت أودّ لو أكون مؤلفها لما اتسع الحوار لذلك، لكنني يمكن سأذكر بعض الأعمال الحديثة وليست القديمة، لأنه هناك أعمال عظيمة كثيرة لكتاب قدماء، لكن أعتقد بأن رواية "راوية الأفلام" ورواية "السنة المفقودة" ورواية "رقصة النصر" من النصوص الجميلة التي استمتعت جدا بقراءتها، ولدينا في العالم العربي روايات جميلة أيضا مثل رواية "عزازيل" ليوسف زيدان وروايات عبده خال وخاصة القديمة منها.

- هل من رواية تندم على كتابتها أو تشعر أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟

في الواقع أنا لم أندم على نشر رواية من رواياتي، لكنني الآن عندما أقرأ رواياتي الأولى أجد أنه كان هناك الكثير من الأخطاء التي لم يكن ينبغي أن أرتكبها، لكنني في وقت كتابتها كنت مقتنعا بها، وهذا أمر طبيعي جدا، إن رواية ما هي في الحقيقة وعي مرحلتها، فنحن نتغيّر كلما كبرنا في السن، وبالتالي بالضرورة التجربة الكتابية تكبر معنا، وتتغير عندنا الكثير من القناعات تجاه ما نكتبه وما كتبناه، حتى الآن عندما أعيد قراءة ما كتبته من روايات ونشرتها فأنا لا أقوم بتعديلات جوهرية على النص لكي لا يفسد وعي مرحلة الرواية، ووعيي عندما كنت في ذلك السن وقمت بكتابتها ونشرها.

- كيف ترى مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟ 

العالم كله آخذ في التغير، فاليوم لم يعد كما كان قديما، نشعر في لحظة ما بأن اليوم أقصر من الأيام في الماضي، وهذا بالتأكيد له تأثير كبير على الثقافة والقراءة، حتى أن الأجيال تغيرت، ولم يعد لدى الجيل الحالي ذلك الصبر الطويل تجاه قراءة كتب كبيرة كما كان في السابق، ونحن الكتاب أيضا نتغير، لأننا لسنا أناسا خارقين للطبيعة، لكنني أعتقد بأن الرواية ستكون باقية ما دام الإنسان موجودا، لأن الإنسان مجبول على حب الحكايات، صحيح أن شكل الرواية سيتغير، وربما تصبح الصورة هي المهيمن، لكن في نفس الوقت فالصورة تحتاج حكاية ما، إن الرواية (الحكايات) هي الجزء الأهم في عملية تحريك الصور في التلفاز أو في السينما، لذا ستبقى. إن كل عمل في هذا العالم، أي عمل إبداعي وراءه حكاية ما، لذا أنا مطمئن بأن الروايات لن تموت إلا بموت البشر جميعا.

- كيف تنظر إلى واقع النقد في العالم العربي؟ 

لدينا نقاد مهمون، ولدينا حركة نقدية جيدة، لكن العالم العربي منذ أكثر من عشر سنوات يمر بالكثير من المتغيرات لا على المستوى السياسي أو الاجتماعي، ونحن إلى الآن لم نستقر على شكل ثابت كنتيجة لهذه المتغيرات، وهذه المتغيرات كان لها دور في تشكيل المجتمعات، والحركة الإبداعية والنقدية جزء منها.

إن ما يقوم به الباحثون والأكاديميون والنقاد شيء بسيط يشكرون عليه، وننتظر منهم المزيد، لأنني أتصور بأن حركة النقد إلى الآن مازالت متأخرة عن حركة الإبداع.

- إلى أيّ حدّ تعتبر أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟ 

في الحقيقة أنا راض تماما عن النقد إزاء تجربتي، لأنه في الواقع يتواصل معي كثير من الباحثين في مرحلتي الماجستير والدكتوراة الذي يقومون بدراسة نصوصي في بحوثهم أو يودون دراستها والكتابة عنها، سواء النصوص الروائية أو القصصية، إنهم لطيفون ويطلبون مني بعض الآراء، أو الطلبات، وإن كان لدي الوقت لتلبية ما يطلبونه أقوم بذلك، لكنني على إيمان كبير بأن وظيفة المبدع أن يبدع ويمضي، يكتب ويدفع نصوصه للنشر، ويبحث عن كتابة عمل آخر، ولا يلتفت لما بعد العملية الإبداعية، لكن أحيانا يقوم الكاتب بعمل بعض الأشياء التي هي من مهام دور النشر، لأن ليس لدينا دور نشر محترفة تقوم بتسويق الكتاب بشكل جيد.

- كيف تجد فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟ 

هذا ما قلته في إجابتي السابقة، إن دور النشر في الوطن العربي لم ترتق بعد لتصبح دور نشر محترفة، إنها أشبه بـ "بقالات" ثقافية، فالكاتب في الوطن العربي هو من يكتب وهو من يحرر كتابه، ومن يسوّقه أيضا. هو من يقوم بكل شيء، ودور النشر فقط عليها أن تطبع وتحضر في معارض الكتب، وأيضا هناك مشكلة كبيرة في عملية توزيع وبيع الكتب، فدور النشر تنتظر معارض الكتب لتسافر للدول العربية وبالتالي تقوم ببيع ما تحضره معها من نسخ من الأعمال للمكتبات المحلية؛ لكيلا تتحمل نفقات الشحن والتكاليف الإضافية، فبالتالي ينبغي على الكاتب انتظار معرض الكتاب الذي يقام في بلده لتصل نصوصه إلى القراء هناك.

سوق النشر في الوطن العربي سوق جاذب وعملاق، لكن ينبغي أن تتغير العقلية التي تدير دور النشر لتواكب هذا الأمر، ويجب على دور النشر أن تغيّر من العقلية القديمة من بيع الكتاب فالزمن تغير، والعالم تغير، والبشر تغيروا أيضا.

ولكيلا أكون ظالما هناك بعض دور النشر الجديدة التي ظهرت على الساحة مؤخرا تقوم بعمل جيد من ناحية تسويق الكتاب وبيعه، وحضوره، وجودته أيضا، ولكن نأمل منها المزيد.

- هل تحدّثنا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟ 

في الواقع إن الرواية لا تولد من لحظة ما، إنها تراكم لحظات عدة، مواقف كثيرة، أفكار لا تحصى، إلى أن تصبح الفكرة ملحة، تبقى معك في كل وقت وفي كل مكان، فتجبرك في النهاية على كتابتها.

لكنني سأحكي لك حكاية طريفة، في روايتي الأخيرة "حقيقة قوس قزح"، كنت قد تناصفت في كتابة العمل، وكتبت جزءا كبيرا منه، وفي يوم ما كنت على متن الطائرة المتجهة من تبوك إلى دبي لحضور ملتقى ثقافي في إمارة الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة، وكنت أقرأ رواية ما، وعندما قرأت أجزاء كبيرة من هذه الرواية، بدأت تظهر في رأسي قصة ما، قصة ليس لها علاقة بالرواية التي اقرأها، ولا بالقصة التي كتبتها في رواية "حقيقة قوس قزح"، فتوقفت على القراءة وجلست أفكر في هذه القصة، فأخذت تكبر، وتكبر، ولم أصل إلى دبي إلا ولدي تصّور كبير عن هذه الحكاية.

وعندما عدت إلى السعودية لم تتركني هذه القصة، أصبحت معي في كل مكان، حتى دفعتني دفعا لكتابتها، فبدأت أكتبها على أنها رواية مختلفة، وبعد ثلاثة أسابيع انتهيت من المسودة الأولى من العمل، فشعرت بأن القصة التي كتبتها في رواية "حقيقة قوس قزح" وهذه القصة فيهما تقارب ما ولهما نفس الثيمة، ويمكن أن تصبحا في رواية واحدة، فهما تتقاطعان بشكل أو بآخر، فعندما أرسلت المسودة بعد دمج الروايتين في رواية واحدة للناشر، تركت له مطلق الحرية بعد قراءة الرواية إن كان يود نشر الروايتين بشكل منفصل أو نشرها في رواية واحدة، ولكنه بعد مدة اتصل بي وقال إن الروايتين ستنشر في رواية واحدة لأنهما مرتبطتان بثيمة ما، وها هي الرواية الآن بين يدي القراء.

- إلى أيّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

الجوائز أمر ليس له علاقة بالعملية الإبداعية، إنه شيء يحدث خارج هذه العملية وليس له علاقة مباشرة بها.

صحيح أن للجوائز تأثيراً كبيراً على رواج الأعمال، لكنها ليست بالضرورة أن تصدّر منتجا جيدا، أنا أتصور بأن أي رواية فازت بجائزة ما هي في الواقع فازت بشروط تلك الجائزة، وهذا لا يعني بأنه ربما تفوز في جائزة أخرى، وليس بالضرورة أيضا أنها تشكل صورة حقيقية للمنتج الجيد، لكن أيضا أنا لا أتفق مع فكرة أن الجوائز تعتّم على الروايات أو تغيّبها، صحيح أنها تساعد في رواج الروايات الفائزة، لكنها لا تعتّم وتغيّب الروايات الأخرى.

إن النص الجيد سيبقى حيا لسنوات حتى يأتي إنسان ما لاكتشافه وتصديره مرة أخرى.

- كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟ 

في الحقيقة إنني أرى تطورا كبيرا في عملية الترجمة من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية ولاسيما في الفترة الأخيرة مع ظهور عدد من دور النشر التي تركز بشكل كبير على النصوص المترجمة، وهذا أمر جميل فعلا، لكنني لست مطّلعا على ترجمة الأدب العربي إلى لغات أخرى، رغم أننا نرى كثيرا من العرب يعيشون في دول أجنبية ويملكون لغات عدة، ولديهم القدرة الكبيرة على الترجمة وتصدير الأدب العربي.

إنه واجب أخلاقي وثقافي أن يقوم المترجمون العرب بتصدير الأدب العربي إلى اللغات الأخرى، لأنه في الحقيقة لدينا الكثير من الأشياء المميزة في الأدب العربي، والتي تستحق أن يطّلع عليها القارئ الأجنبي.

- يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعر بهيمنتها على أعمالك؟ وهل تحدّ من إيصال رسالتك الإبداعية وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟ 

ربما أتفق مع هذه المعاناة في سنوات سابقة ماضية، بأن هناك سلطة رقابية كبيرة على المنتج الأدبي، لكنني تصالحت كثيرا مع الرقابة بشتى أنواعها في السنوات الأخيرة، ولم يعد لدي مشكلة مع ذلك، لأن وجهة نظري للفن تغيّرت أيضا، فالفن ليس الصراخ والصدامات التي لا تنتهي، إننا يمكننا أن نكتب كل ما نريد دون أن نصرخ عاليا، صحيح أن روايتي الأولى منعت من دخول المملكة العربية السعودية، لكن كل نصوصي الأخرى مفسوحة في المملكة العربية السعودية وهذا أمر يدل على أننا نستطيع أن نعبّر عما في دواخلنا بهدوء أكثر، فالصراخ لا يولّد إلا مزيدا من الصراخ.

- ما هي رسالتك لقرّائك؟

الحياة مرة واحدة، فجميل أن نستمتع بها ونعيش كل تفاصيلها.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم