كريم صبح: السرعة باتت تمثل أهم ملامح الرواية العربية
الرواية نت – لندن
يعلن الروائيّ والقاصّ العراقي كريم صبح أنّ القراء هم "مختبر" جدي لمعرفة الإبداع من عدمه في نتاج ما، ونتائجه تسبق ما قد يتوصل إليه فيما بعد الناقد المتخصص.
وفي حواره مع الرواية نت، يلفت مبدع "الوجه الآخر للضباب" أن الجوائز تكون واحدة من أهم الأسباب الرئيسة في تفكير الكاتب في الانتشار الى خارج حدود بلده، وكذا الأمر بالنسبة إلى دار النشر، ولا سيما بعد ازدياد القيم المالية للجوائز، والأثر المعنوي الكبير الذي يترتب عليها.
- كيف تقيم تجربتك مع القراء؟
تجربة لم تخل من فائدة وهي مشجعة بطبيعة الحال. فبعضهم لم يتوان عن إخباري أن هذه الشخصية أو تلك تصفه هو بشكل أو بآخر، أو تصف شخصا عرفه في موقف ورد وصفه في قصة أو رواية كتبتها. بعضهم الآخر نبهني إلى موقف معين أو حادث ما كان عرضة له أو شاهده أو سمع عنه، فيتبلور الأمر بصيغة فكرة قصة أو رواية بعد مراجعتي إياه فنيا؛ ثم إن القراء هم "مختبر" جدي لمعرفة الإبداع من عدمه في نتاج ما، ونتائجه تسبق ما قد يتوصل إليه – فيما بعد – الناقد المتخصص.
- ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الابداعية؟ ما الرواية التي تتمنى لو كنت كاتبها؟
رواية "الرجع البعيد" لفؤاد التكرلي، عراقيا، وثلاثية نجيب محفوظ "بين القصرين، قصر الشوق، السكرية"، عربيا. وعالميا رواية إرنست همنغواي "الشيخ والبحر" ورواية دوستويفسكي "الاخوة كارامازوف". والرواية التي تمنيت أن أكتبها رواية "الحرب والسلام" لتولستوي. في الواقع هي لوحة ناطقة، ملحمة مضبوطة الايقاع مثل سمفونية.
- كيف ترى مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟
حقا، فإن عالمنا هو عالم السرعة الى درجة أن " الدليفري" – مثلا – صار الظاهرة الأكثر شيوعا في حياتنا المعاصرة ويكاد يهيمن عليها. من المنطلق هذا، يمكن الميل إلى الرأي القائل إن ثقافة الصورة هي التي ستسود مجتمعاتنا في غضون العقد القادم. مع ذلك، فإنه لا شيء يعدل روعة الشعور بحميمية العلاقة بالورق، الامساك به. القراءة على الورق تجربة دافئة تخلق صلة من نوع خاص بين القارئ والكتاب، ولذلك يصعب جدا أن تختفي تجربة كهذه لها مريدون بأعداد لا يستهان بها.
- كيف تنظر الى واقع النقد في العالم العربي؟
حركة النقد العربي محسوسة وناشطة ولها إسهامات لا تنكر في ازدهار الأدب العربي وتسليط الضوء على مكامن الإبداع فيه، كما لدينا أسماء لامعة ولها وزنها المعنوي في مجال النقد وفي سياقه. مع ذلك، يصعب القول إن تلك الحركة قد تمكنت بالفعل من مواكبة النتاج الأدبي العربي في مجالاته المختلفة من شعر وقصة ورواية؛ لأن السرعة التي طبعت حياتنا المعاصرة هي نفسها التي باتت تمثل أهم ملامح الرواية العربية في الوقت الحاضر، ولا سيما إذا ما وضعنا في الحسبان هالة الجوائز المغرية التي ارتبطت بالرواية. وثمة أمر مهم آخر، فبعض القراءات النقدية لا تتعدى أن تكون عرضا لرواية ما من دون الغوص في نصها حد تفكيكه واعادة تركيبه، ولا ننسى أيضا وجود المجاملات التي تؤثر كلها في درجة موضوعية النقد الأدبي، والتي ما زالت لها حضورها في أوساطنا النقدية بشكل أو بآخر.
- الى أي مدى تعتبر أن تجربتك أخذت حقها من النقد؟
لم يتجاهل النقد الرصين أعمالي أو تجربتي السردية الفتية. مجاميعي القصصية الخمسة مثلا، حظيت بنقد موضوعي لا بأس به؟ روايتي الأولى "الوجه الآخر للضباب" التي صدرت مطلع عامنا هذا، نالت اهتماما نقديا ملموسا ونشرت عنها احدى عشرة دراسة لنقاد عراقيين وعرب مرموقين.
- كيف تجد فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟
فكرة مائزة ويمكن أن يفيد الكاتب ودار النشر من مردوديها المعنوي والمادي، وبذلك تكون حافزا إضافيا للاثنين. ولكن حتى اللحظة لم تتبلور – مع الأسف – سوق عربية للرواية وحدها يشار إليها بالبنان وتنعكس إيجابيا على الكاتب ودار النشر. فما زالت الرواية تباع مع كتب الطب والعلوم والسحر والابراج والسياسة والاقتصاد، وما زال القارئ يمضي وقتا طويلا محاولا الوصول إلى هذه الرواية أو تلك في سوق يضم ألوف الكتب ومئات التخصصات. وفي ظل صدور الكم الكبير من الروايات سنويا، فإن حاجتنا الى سوق متخصص بالرواية ازدادت اكثر من أي وقت مضى.
- هل تحدثنا عن خيط البداية الذي شكل شرارة لأحد اعمالك الروائية؟
البداية كانت عبارة عن حكاية. حكاية ارتبطت بفتاة لأب عربي وأم روسية، قاومت تحديات لا حصر لها من أجل أن تنتزع فرصتها في حياة حرة كريمة وجميلة. حكاية كهذه طورتها لتصبح المادة الأولية لروايتي المذكورة.
- الى أي حد تلعب الجوائز دورا في تصدير الاعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟
لنتفق منذ البداية على أن إثابة الإبداع بأشكاله المختلفة مهمة لتحفيز إبداع كهذا. وللجوائز دورها المطلوب والمرغوب في هذا السياق. فتكون واحدة من أهم الأسباب الرئيسة في تفكير الكاتب في الانتشار الى خارج حدود بلده، وكذا الأمر بالنسبة إلى دار النشر، ولا سيما بعد ازدياد القيم المالية للجوائز، والأثر المعنوي الكبير الذي يترتب عليها. مع ذلك، ثمة عوامل منظورة وغير منظورة ربما لها دورها في تسليط الضوء المبهر على هذه الرواية وتجاهل رواية أخرى، ولا سيما إذا ما وضع في الحسبان بلد الكاتب وجنسيته مثلا، أو موضوع روايته الذي قد لا ينسجم وتوجهات لجان الجوائز أو سياساتها.
- كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي الى اللغات الأخرى؟
ربما أسهمت الجوائز العالمية التي حصل عليها بعض الأدباء العرب في ترجمة اعمالهم الى لغات اجنبية مختلفة، بما فيها اللغة الانكليزية. تلك كانت فرصة طيبة ليعرف القارئ الاجنبي شيئا عن الابداع العربي وطبيعته. مع ذلك، ما زال واقع الترجمة من العربية الى اللغات الأخرى يشير الى أن الاعمال المترجمة قليلة ولا تؤلف سوى ما نسبته أقل من 5% من الأعمال الأدبية التي تستحق الترجمة بالفعل، مع ملاحظة ان الترجمة الى العربية هي الغالبة وليس العكس، وانه لا يجب أن ننسى أن حركة النشر بالعربية في ذروة انجازاتها، في حين أن الترجمة تخلفت عن مواكبتها.
- يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة الرقابة الاجتماعية والسياسية والدينية. الى أي درجة تشعربهيمنتها على اعمالك، وهل تحد من ايصال رسالتك الابداعية، وهل أنت مع نسق جميع السلطات الرقابية؟
يصدق هذا على البلدان العربية التي تنشط فيها الرقابة الى هذا المدى او ذاك، وربما كانت رقابة كهذه محسوسة تفصيليا في بلادي قبل عام 2003، ولكنها بعده انعدمت تقريبا. فبامكان السارد أن يخوض في أي موضوع من الموضوعات التي كانت تندرج تحت خطوط حمر سابقا. وفي ضوء هذا العامل الجديد، ليس من عقبة أمام الرسالة الضمنية أو الصريحة التي يراد توجيهها أو إيصالها إلى القارئ. ومع ذلك، فإن شيئا من "الرقابة الفنية" الموضوعية يكون مطلوبا أحيانا بمقدار معين، لأن بعض ما يصدر يفتقر إلى الشروط الفنية الاولية.
- ما هي رسالتك لقرائك؟
الحب أساس كل شيء.. إحساسك به يجعلك ترى كل شيء جميلا.
0 تعليقات