الرواية نت - لندن

يشير الروائي محمد حمدان إلى أنّه لطالما كان للسرد القصصي دوره في الوعي البشري، وأنّه حتى حين تنظر إلى النصوص المقدسة، فقد اعتمدت على السرد القصصي في إعطائها العظة للناس.

ويلفت مبدع "عن ظهر قلب" في حواره مع الرواية نت إلى أنّ الأدب بشكليه الملتزم وغير الملتزم يقدم نماذج مختلفة للبشرية مما قد يثري الوعي الإنساني على كافة الصعد.

ويؤكّد الروائيّ محمّد حمدان أنّه يرى بأنه مهما بلغ حب الإنسان أو استسهاله للصورة، فإن القراءة حتماً ستحمل دوراً لا يمكن الاستغناء عنه، وهنا يأتي دور الرواية.  

  • كيف تقيّم تجربتك مع القراء؟

هي تجربة خجولة على أي حال، فرغم حصول روايتي الثانية على الأكثر مبيعاً في أول معرض كتاب لها في القاهرة عام 2016 إلا أنني لم أقم بحفل إشهار، أو توقيع لها. وذلك لانشغالي الشديد في تلك الفترة. لا زلت أتابع تقييمات أعمالي على "الجودريدز" وأجيد الإنصات للآخر. وأحرص على الرد على كل ما يصلني من القراء.

  • ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟

هناك الكثير من الأعمال التي أثرت حتماً في تكويني الذاتي قبل تجربتي الإبداعية؛ الحرب والسلام – ليو تولستوي أحدها، وأعني فيها على وجه التحديد، قدرة تولستوي على خلق شخوص غير متصلة بذاته الشخصية. وهو ما يميز تولستوي عن دوستويفسكي على سبيل المثال حيث إننا نستطيع أن نجد دوستويفسكي في الكثير من شخوص رواياته مما يجعل أعماله الروائية أشبه ما تكون بالحوار الذاتي. أعتقد أن القدرة على خلق شخصية مختلفة عن المؤلف هي شيء مهم في خلق كاتب جيد. هناك العديد من الأمثلة الأخرى: قصة موت معلن – غابرييل ماركيز، كل شيء هادئ في الجبهة الغربية – إريك ماريا ريمارك، ملائكة وشياطين – دان براون، عداء الطائرة الورقية – خالد حسيني، حرب نهاية العالم – ماريو بارغاس. عموماً أحاول دوماً كتابة مراجعة لكل عمل أدبي أقوم بقراءته. وبالعادة، آخذ هذه المراجعة كتمرين لتفكيك الأعمال الأدبية التي تقع بين يدي. حيث إني أرى بأن تفكيك الأعمال الروائية هو تمرين جيد في فن صنعة الرواية.

  • ما الرواية التي تتمنى لو كنت مؤلفها؟

لا أعتقد أن هناك رواية لمستني للدرجة التي أتمنى فيها لو أني كاتبها. أنا أصف نفسي كمتذوق للأدب قبل أي شيء آخر، وبالتالي فإن نظرتي للأدب والروايات عموماً تكون من خلال انسجامها كعمل متكامل وقدرتها على جذبي كقارئ لها.

  • هل من رواية تندم على كتابتها أو تشعر أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟

بكل تأكيد، لا أندم على أي أعمالي. التنصل من الأعمال السابقة حتى وإن كانت تحمل مشاكل فنية هو أمر غير جيد. نحن لن نكون اليوم كما نحن لولا ما سبق. وأرى بأن كل كلمة ونص كتبناه سابقاً له دور في صقل أنفسنا وما نكتب إلى الشكل الذي هو عليه اليوم. لكن من المهم دراسة الأعمال السابقة فنياً، والتعلم مما كان يمكن استدراكه من أخطاء فنية وخلافه.

  • كيف ترى مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

لا أعتقد أنه من السهل لأي شيء بأن يلغي أو حتى يقلل من دور الرواية في إثراء الثقافة العالمية. لطالما كان للسرد القصصي دوره في الوعي البشري. حتى حين تنظر إلى النصوص المقدسة، فقد اعتمدت على السرد القصصي في إعطائها العظة للناس. واليوم، نجد الأدب بشكليه الملتزم وغير الملتزم يقدم نماذج مختلفة للبشرية مما قد يثري الوعي الإنساني على كافة الصعد. كخلاصة، أرى بأنه مهما بلغ حب الإنسان أو لنقل استسهاله للصورة، فإن القراءة حتماً ستحمل دوراً لا يمكن الاستغناء عنه، وهنا يأتي دور الرواية.  

  • كيف تنظر إلى واقع النقد في العالم العربي؟
  • للأسف، الوسط الثقافي العربي عموماً، تحكمه العلاقات والمصالح. وهذا ما يجعل النقد العربي شكلاً من أشكال الشللية. من النادر جداً أن تجد نقداً حقيقياً يحاول أن يكون موضوعياً. لستُ متفائلاً للحد الذي يجعلني أطمح لنقد موضوعي، بقدر ما هي محاولة للوصول إليها. النقد الذي يهدف لتناول العمل الأدبي ذاته، لا صاحبه مثلاً، ولا يكون مبنياً على مدى المعرفة الشخصية بالمؤلف. النقد الذي يتناول النص ولا شيء سوى النص.
  • إلى أيّ حدّ تعتبر أنّك تجربتك أخذت حقها من النقد؟

ليس كثيراً. قد يكون ذلك بسبب طبيعتي. أنا رجل غير اجتماعي في العموم. وأطرح آرائي دون خجل أو تجميل، سواء كان ذلك على مستوى المعتقدات أو الآراء، وحتى الأعمال الأدبية. بكل تأكيد، أنا رجل حر، سعيد بحريتي هذه، ولن أساوم بها أو أتملق أحداً من خلال قلمي لأكسب نقداً غير مستحق.

  • كيف تجد فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟

لربما لا أكون الشخص الأمثل للإجابة على مثل هذا السؤال، لكنني سأحاول: السائد من الرواية عموماً ما هو تجاري. وحين أستخدم لفظ تجاري، لا أعني أمراً سلبياً بالضرورة. ولكن ما أعنيه هو الرواية ذات الحبكة سواء كانت ملتزمة أو غير ملتزمة. روايات دان بروان وغيوم ميسو هي أمثلة ممتازة على ذلك. هذا لا يعني بطبيعة الحال أنها روايات سيئة، ولكنها روايات ناجحة تسويقياً بذاتها. تسويق الأعمال الروائية يعتمد في كثير من الأحيان على اسم المؤلف. تلعب عوامل أخرى دوراً كذلك، الجوائز الأدبية، وما كتب عنها من نقد أو تقديم حتى. ولكن الرواية العربية لا زالت ضعيفة التسويق وتعتمد على المزاجية، ولربما تكون سيدات القمر لجوخة الحارثي خير مثال على ذلك؛ فالرواية لم تجد لدينا ما يكفي من الانتباه قبل فوزها بجائزة البوكر العالمية، ليستيقظ إليها النقد العربي فجأة. وبكل تأكيد، أصبح التسويق لها معتمداً بشكل تام على فوزها بتلك الجائزة. نعم، يمكننا القول بأن هناك سوقاً عربياً للرواية، ولكنني لا زلت أرى أنه سوق غير ناضج.

  • هل تحدّثنا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟


لطالما كنت مشغولاً في محاولة فهم طبيعة السلوك الإنساني. وقد اطلعتُ على العديد من النظريات العلمية التي تحاول تفسير دوافع السلوك البشري. ومن هنا تبلورت لديّ فكرة روايتي الثانية "عن ظهر قلب". حيث إنها تناقش إمكانية اختلاف سلوك شخص ما بعد إجرائه لجراحة زراعة قلب شخص آخر فيه. قد يبدو الأمر ساذجاً، ولكن هناك حالات عديدة مثبتة لأشخاص تغير سلوكهم فعلاً بعد إجرائهم لجراحة مماثلة، فأصبح سلوكهم مشابهاً لسلوك صاحب القلب المزروع. تناقش الرواية العديد من المواضيع الأخرى الهامشية، ولكنها حتماً تثير تساؤلاً أزلياً عن كون الإنسان مسير أم مخير في نهاية المطاف.  

  • إلى أيّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟


لا يمكننا أن ننكر الدور الذي تلعبه الجوائز الأدبية في إظهار روايات على حساب روايات أخرى. وكثيراً ما نتفق أو نختلف معها في ذلك. ولكن، ما من شك في الدور الذي تلعبه في هذه الناحية. ولكن هذا في طبيعة الحال، يطرح تساؤلاً وجيهاً عن معايير نجاح رواية ما.. هل عدم فوز رواية ما هو فشل لها؟ بالطبع لا. فقد تكون الرواية ناجحة تجارياً ولكنها لم تفز بجائزة. هل هذا يعني أن النجاح التجاري هو معيار نجاح الرواية؟ حسناً، قد يكون هذا صحيحاً بالنسبة للبعض. ولكنه غير مطلق كذلك. الرواية الناجحة بالنسبة لي، هي الرواية التي تحقق أهدافها عند الكاتب. قد يكون ذلك بإثارة ما أراده الكاتب من أسئلة في نفس قاريء واحد عند قراءتها. وهنا، قد أتفق مع لورانس بلوك حين قال: "أما كاتب الرواية فهو واحد من عدائي المسافات الطويلة، وأنت لا يتعين عليك في سباق الماراثون أن تكون أول من يصل كي تستحق ثناء الجماهير وتشجيعها. المهم فقط أن تكون قد قطعت المسافة وأكملتها على قدميك." انتهى الاقتباس. ولربما أزيد عليه بأن إكمال الماراثون على قدميه، يعني بأن يقدم عملاً منسجماً مع ذاته ككل.

  • كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

هي ضعيفة في العموم، لكنها مهمة. ولكن المشكلة هنا، أن الترجمة عموماً تعني اهتمام الآخرين في قراءة أعمال معينة. وهذا الاهتمام يجب أن يوجد أولاً قبل أن تكون الترجمة. وقد يكون هذا من خلال بعض المتمكنين من اللغة العربية من أصحاب الثقافات الأخرى الذين يجدون ما قد يثير اهتمام ثقافة أخرى فينقلونه إليهم من خلال الترجمة. أو يكون من خلال اهتمام مترجمين عرب تقودهم الحماسة في ترجمة أعمال معينة إلى اللغة الأخرى التي يتقنونها. ناهيك عن الأعمال التي تفوز بجوائز أو تلقى باهتمام نقدي ما.

  • يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعر بهيمنتها على أعمالك؟ وهل تحد من إيصال رسالتك الإبداعية وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

بصفتي شخص تم تكفيره على روايته الأولى، ومنعت روايته الثانية في الكويت. أجد أن تناول الناس للأعمال الأدبية يتجاوز كثيراً كونها أعمالاً أدبية لا تقريراً حقيقياً عن معتقدات الكاتب. وهذا للأسف ما قد يصل في كثير من الأحيان إلى النقد ذاته وبالتالي، الرقابة. قد أحزنني بالفعل أن تمنع روايتي (بالإضافة إلى 400 كتاب آخر) في مسقط رأسي الكويت، لكن هذا حتماً لن يغير من مشاعري اتجاهها وأهلها أبداً. أتفهم دوافع الرقابة بكافة أشكالها ورغبتها في حماية القارئ. ولكنني أجدها غير مجدية في ذلك أولاً، وثانياً، أنها في كثير من الأحيان تقدم خدمة للكاتب بتقديمها إعلاناً مجانياً للأعمال التي يتم منعها. فتحت قاعدة كل ممنوع مرغوب، سيكون الإقبال على الأعمال الممنوعة أكبر. خاصة، بما أننا نعيش في زمن يمكن الوصول فيه إلى أي شيء مقروء. على الناس أن تتعلم بأن للأفكار أجنحة، لا يمكن تقييدها بأي شكل من الأشكال. وأن الأفكار تحارب بأفكار مقابلة، لا بالمنع، والتضييق. 

  • ما هي رسالتك لقرّائك؟

عدا عن ما أقوله فيما أكتب، أعتقد بأني إن أردت قول شيء مباشر لأحد فهو التالي: لا تقرأ بعقل أحد سواك. اقرأ بنفسك، ثم احكم بنفسك. يمكنك أن تستأنس بعدها برأي من شئت، ولكن بعد أن تكون رأيك الشخصي. أرجوك، لا تبع عقلك لأحد.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم