الرواية نت - لندن

يذكر الروائي اليمني عمار باطويل أنّ فيروس كورونا عرى هذا العالم السريع الهش الذي ينطلق من السهل، ويجد أنّ على الكاتب أن لا يعوّل على الهش في التفكير وفي النظرة السريعة. 

وفي حواره مع الرواية نت يلفت مبدع (عقرون 94) أن على الكاتب أن ينظر ويبصر نصه جيداً، ويشدّد على أنّ النص الجيد شهادة للكاتب عبر الأزمان، وأنّ للجوائز دوراً إيجابياً، وأيضاً لها دورها السلبي في اختيار بعض الأعمال التي لا تستحق الجوائز.

كيف تقيّم تجربتك مع القراء؟

 أشعر بارتياح عندما يناقشني القراء أعمالي الأدبية، فمن خلال القراء أكتشف نصي مرة أخرى، وأرى جماليات كنت أجهلها في الرواية. فالقارئ المثقف يجعلني أعيش تجربة أخرى مع عملي الأدبي. والقارئ مكتشف جيد لشخصيات الرواية وينظر لهذه الشخصيات في بعض الأوقات بطريقة مختلفة عن الكاتب. وهذا سرد وجمال القراء الذين أسعد بهم وأكتب من أجلهم. فعلاقتي مع القراء علاقة ذات أبعاد مختلفة وهي علاقة تدعم الكاتب والمشهد الثقافي والأدبي، فأنا اتمسك بالقارئ المثقف الذي يمنح للرواية حياة أخرى أما القارئ المتطفل فيطلق نيرانه على الكاتب.

- ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟ ما الرواية التي تتمنى لو كنت مؤلفها؟ هل من رواية تندم على كتابتها أو تشعر أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟

كل عمل مدهش يتشكل في أعماقي واشعر بأنه بذرة نافعة زرعت في كياني ومن خلال هذا العمل أنطلق إلى عوالمي الخاصة وإلى الإنسان المنكسر. فلا أستطيع أن أشير إلى عمل ما، فهناك أعمال كثيرة هزت كياني وتأثرت بها وجعلتني أن أذرف الدمع على مصير شخوصها، وبعض هذه الأعمال علمتني الصمت، ولكن صمت متحرك في أعماقي. أنا عاشق للكتاب وخاصة للأعمال الروائية، ولذلك أمجد كل كتّاب العالم لأنهم رسل الإنسانية في كل العصور والأزمان. ومن خلال الرواية وجدت ذاتي الإنسانية في عدة رواياتي عربية وغير عربية والتي تتشكل هذه الأعمال الروائية كخارطة وكجغرافية واحدة يدخل إليها الإنسان بدون جواز أو تأشيرة سفر. إنه عالم إنساني مدهش يستحق الطواف حوله وفي أعماقه.

صراحة أحب أن أكون أنا، ولم أتمنّ يوماً ما أن أكتب رواية أي كاتب آخر، فهؤلاء الكتّاب لهم تجاربهم الخاصة في الحياة وفي الكتابة وعلينا أن لا نكون هم بل أن نكون قريباَ منهم وقريباَ إلى شخوص الرواية ونتعمق فيها ونكتشفها بعمق. تمنيت أن التقي بكل كاتب وكل كاتبة وخاصة الذين يكتبون النص المتمرد المدهش، وكم تمنيت أن أعيش مع هؤلاء لأيام نخرج معاً في الشوارع ونشرب الشاي أو القهوة في المقاهي، ونناقش عوالمهم الخاصة ونغوص في مواطن عدة قريبة من حياتهم.

حقيقة لم أندم في كتابة الرواية، ولم أشعر بأنني تسرعت في كتابتها، فهي تجربة وعليّ التعلم من تجاربي وتجارب الغير. فقد مررت بتجربة كتابة الشعر أو بالأصح تجربة كتابة الخواطر، وشعرت بأن الأرض التي أمشي عليها غير صلبة، فروحي شاعرية وتعشق الشعر، وبرغم هذا تركت كتابته واتجهت بعدها إلى تجربة كتابة المقالة، وبعد سنوات من الكتابة الصحفية قادتني أفكاري المتمردة إلى خوض كتابة الرواية لأنني وجدت أن عالم الرواية عالم غريب ومختلف يجعلني أن أعيش حيوات عدة ولأن عوالم الرواية عوالم متمردة، فعشقتها لأنها قريبة من عوالمي.

- كيف ترى مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

فيروس كورونا عرى هذا العالم السريع الهش الذي ينطلق من السهل. فعلى الكاتب أن لا يعوّل على الهش في التفكير وفي النظرة السريعة. فالرواية وجدت كي تنتقد هذه الهشاشة وهذا الفساد في الذوق وفي التفكير، وأرى أن الرواية سوف تنتصر وسوف تتجاوز الهشاشة، ويؤكد هذا المفهوم الدكتور جابر عصفور في كتاباته النقدية عن الرواية.

- كيف تنظر إلى واقع النقد في العالم العربي؟

لا أقدر أن أحكم على النقد ومسيرته، فهذا له مختصوه ولست منهم. فأنا أثمن على دور النقد في تكويني الثقافي والأدبي، وقد استفدت من نقاد عرب كبار مثل د. جابر عصفور، د. محمد برادة د. فيصل دراج وغيرهم الكثير، وهذا يعني أننا بحاجة إلى النقد وفهم النقد بمنظوره الجمالي، ومن خلاله نقدر أن نميز بين الأعمال الجيدة والأعمال السيئة، والكاتب الذكي هو الذي يتعلم من النقد وأيضاً يتعرف ويتعلم من الأعمال السيئة لكي يطور من أدواته في الكتابة. فقد تعرفت على الرواية من خلال النقد وأيضاً من خلاله أحببت الرواية، ولهذه الأسباب أتمنى من الناقد في العالم العربي الاقتراب أكثر من أصوات الشباب والاقتراب إلى أعمالهم الأدبية، بعيداً عن النظرة الدونية.

- إلى أيّ حدّ تعتبر أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟ 

تجربتي الروائية مازالت في بداية الطريق، فقد طبع أول عمل روائي لي عام 2015 وهي رواية (سالمين) ولم يتناول هذا العمل إلا أسماء محدودة جدا، ولكن بعد أن نشرت روايتي الثانية (عقرون94) والتي كتبتها بداية الحرب في اليمن، فهزتني أحداث الحرب، فكنت اسمع أصوات الرصاص والقذائف وكانت تصلني أصوات الأطفال والنساء وهم يصرخون، وبرغم هذه المعاناة لم انكمش على ذاتي، فنهضت برغم الوجع وكنت أواصل الليل بالنهار وأكتب. وبعد طباعة رواية (عقرون94) تعرف عليّ عدد كبير من القراء، فاهتم بعض النقاد بهذا العمل والذي قاد البعض منهم إلى اكتشافي والاهتمام بكل أعمالي بداية من رواية (سالمين) ومروراً برواية (طريق مولى مطر) وإلى هذه اللحظة مازالت الكتابة متواصلة عن أعمالي وأنا سعيد بذلك.

- كيف تجد فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟

البعض من الكتّاب يسوقون لأعمالهم الروائية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وهذا التسويق في شقه الإيجابية وفي شقه الآخر السلبية .فعندما تعجز دور النشر في التسويق بالطريقة الصحيحة، فيظهر صوت الكاتب المسوق لأعماله، وهذه ظاهرة يعاني منها الوطن العربي لأسباب كثيرة لأن بعض دور النشر لا تهتم بالكيف بل تهتم بالكم والربح السريع وتقوم بترويج للكتب السيئة التي ينتمي أصحابها إلى دول عربية حالتها الاقتصادية ممتازة فيكون الإقبال من القبيلة على هذا المؤلف وهذه طريقة لا يليق ببعض دور النشر العربية بأن تنتهجها من أجل المادة على حساب الكتب والمؤلفات الجيدة.

- هل تحدّثنا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟

سوف يجد القارئ الإنسان المنكسر في أعمالي الروائية، وأيضاً سوف يميز اللون الأسود الذي عبثت به أيادي البشر. وقد كرس نظام علي عبدالله صالح هذا العبث بمصير الإنسان. رواية (عقرون94) بداية الشرارة، ولقد قدمت هذه (الشرارة) أي رواية (عقرون94) لعدة دور نشر فقبلت طباعتها دار نشر عربية خليجية بالمجان، فرفضت عقد تلك الدار بسبب شروط عقد الدار المعقدة. وأيضاً ردت عليّ دار نشر عربية أخرى كبيرة وقالت لي؛ "صعب قبولها لأنها قصيرة ولن تقدم للجوائز". ودار عربية خليجية ردت عليّ وقالت؛ "الرواية صعب تسويقها". كانوا ينظرون إلى صفحات الرواية ولا ينظرون ولا يريدون أن يستمعوا إلى الصوت الصادق والمنكسر في الرواية وبرغم هذا الغثاء من بعض دور النشر طبعت الرواية وأخذت الرواية مساحة جيدة من النقد والقراءة لأنها تحكي قضية شعب وألم الإنسان المهمش سياسيا في وطنه. وقد تواصل ومازال يتواصل معي بخصوص هذه الرواية كل مثقفي محافظات الجنوب اليمن وأيضاً البعض من أحرار أبناء شمال اليمن الذين يقدسون الإبداع بعيداً عن السياسة والتحزب. فهؤلاء يدركون جيداً ماذا تعني حرب صيف 1994 التي شنها نظام صالح على الجنوب ظلماً وعدواناً. ومن خلال تجربتي مع دور النشر، فقد كذبت دور النشر وصدق القارئ والمثقف وانتصرت رواية (عقرون94).

- إلى أيّ حدّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

أنا متابع جيد للكتاب، وقد استغربت قبل أشهر وأنا أتابع الروايات التي قدمت من قبل بعض دور النشر إلى جائزة خليجية، فقد قامت دور النشر هذه، بدون خجل بتقديم أسماء للجائزة لم تعد هذه الأسماء تكتب الجديد المدهش، وتعمدت تهميش بعض أسماء كتبت أعمالاً أدبية محترمة والسبب أن بعض دور النشر تفكر في الاسماء التي تنتمي إلى جغرافية الدول التي تمنح الجوائز ولا تنظر إلى الأعمال الجديدة الجيدة. فعلى الكاتب أن ينظر ويبصر نصه جيداً، فالنص الجيد شهادة له عبر الأزمان. فالجوائز لها دور إيجابي وأيضاً لها دورها السلبي في اختيار بعض الأعمال التي لا تستحق الجوائز.

- كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

الترجمة مهمة جدا وهذا دور المؤسسات وليس دور الكاتب. فدور الكاتب أن يفكر في نصه أولاً ومن يكتب النص المدهش سوف تأتي له مؤسسات غير عربية وتترجم أعماله إلى لغات أخرى.

- يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعر بهيمنتها على أعمالك؟ وهل تحدّ من إيصال رسالتك الإبداعية وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

الكتابة فن وأيضاً شجاعة وهي مجازفة لا يتقنها إلا القلة من الكتّاب أما الجبناء الذين يرتعدون من سلطة الرقابة، فسوف تموت أقلامهم من أول تجربة في كتابة الرواية. لم أشعر بالرقابة على نصوصي ولن تكون هناك رقابة عليها في المستقبل وسوف أقاوم كي أتجاوز الرقيب. 

- ما هي رسالتك لقرّائك؟

إلى صديقي القارئ.. بيننا حب متبادل، ودهشة متجددة، فلا أريد منك أن تبتعد مني بعيد، فكن بالقرب، فلا معنى لنصوصي بدونك.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم