الرواية نت - لندن

يعبّر الروائيّ السوريّ إدريس مامد عن اعتقاده أنه لا خطورة على مستقبل الرواية، وأنّه على الرغم من أن العالم يمضي مهرولاً نحو ثقافة الصورة، تبقى الرواية هي الأساس في تشكيل المعطيات والأبعاد الحقيقة التي تستمد منها الصورة واقعية الحدث.

في حواره مع الرواية نت يشير مبدع "طريق الجحيم" إلى أنّ الجوائز تشجع الكُتاب على المثابرة والمضي نحو العالمية، لكن أحياناً الفساد يُطال الساحة الأدبية عبر بوابة الجوائز.

   ــ كيف تقيّم تجربتك مع القرّاء؟

تجربتي مع القرّاء كانت ضئيلة في البداية، كون عملي الأول "امرأة تحت الحصار" الذي أبصر النور في عام 2014 حُوصر في جغرافيا ضيقة بسبب المعارك التي كانت تدار رحاها في سوريا. لذلك كنت متشوقاً لسماع وقع الخبر عن عملي في بعض الأروقة الثقافية، لأكتشف مدى نجاح عملي من عدمه، لأنني أرى القارئ مرآةً للكاتب، فكيف يستطيع المرء الكشف عن عيوبه أمام المرآة، يستطيع الكاتب الكشف عن ثغراته و شوائبه من قرّائه. أما عملي الأخيرة "طريق الجحيم " فهو في طوره الأول ومن المبكر التكهن بنتائج التجربة مع القرّاء.

   ــ ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية، وما الرواية التي تتمنى لو كنت مؤلفها، وهل من رواية ندمت أو تسرعت في نشرها؟

هنالك روايات تركت نقوشها في ذاكرتي رغم مرور ثلاثة عقود على قراءتها، مثل رواية الأم وأحدب نوتردام وزوربا، لكنها لم تكن الدافع الكبير المؤثر في تجربتي مقارنة برواية "العطر" لبتريك زوسكيند التي قرأتُها لأكثر من مرة، وتمنيت لو كنتُ أنا مؤلف هذه التحفة الفريدة. أما عن الرواية التي تسرعت في تأليفها ونشرها، فأعتقد أنها روايتي الأولى "امرأة تحت الحصار" لأنني اكتشفتُ لاحقاً أنها لم تكن ناضجة بعد، كالثمرة التي تقطف قبل أوانها.

   ــ كيف ترى مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

لا أرى أية خطورة على مستقبل الرواية، على العكس من ذلك أرى أن الذين كانوا يولون الاهتمام بجوانب ثقافية أخرى، باتوا يجهزوا أنفسهم إلى الدخول في عالم الرواية. فرغم أن هذا العالم يمضي مهرولاً نحو ثقافة الصورة، تبقى الرواية هي الأساس في تشكيل المعطيات والأبعاد الحقيقة التي تستمد منها الصورة واقعية الحدث، فلا صورة أو لوحة أو فلم دون أن تكون هنالك رواية نسجت خيوطها في البداية، والتاريخ خير شاهد على ذلك، بدءاً من طروادة ومروراً بالدونكيشوت، ووصولاً لعصرنا هذا، حيث ستبقى الرواية مادام هناك تاريخ يقلب صفحاته كل يوم نحو المستقبل.

   ــ كيف تنظر إلى واقع النقد في العالم العربي؟

أعتقد أننا نعاني من قلة النقاد في عالم بات الكل يهرول نحو التأليف، مما يجعل واقع النقد هزيلاً في الساحة الأدبية، خاصة أن الندوات والجلسات النقديّة باتت شبه معدومة في أيامنا هذه، لذلك نرى النقد لم يفِ بدوره لرفع الغطاء عن الشوائب التي تكتسح الوسط الثقافي.

   ــ إلى أي حد تعتبر أن تجربتك أخذت حقها من النقد؟

أعتقد أنني أجبتُ عن هذ السؤال في البداية عندما ذكرت أن تجربتي الأولى حُوصرت في بقعة محدودة ولم يتسنَ للنقاد تناولها للوقوف عندها، وتجربتي الأخيرة مازالت في متناول النقاد ومن المبكر الحديث عنها.

  ــ كيف تجد فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟

في تسعينيات القرن المنصرم كان الكتاب يلقى رواجاً أكثر من وقتنا الحالي، وحينها كانت دور النشر هي التي تبحث عن المؤلفين لتطبع وتنشر وتسوّق على نفقتها، لكن بعدما اجتاحت الشبكة العنكبوتية عالمنا الحالي، أصبحت قرصنة الكُتب من المواقع متفشية، مما جعلت دور النشر تتريث في الطباعة والنشر على نفقتها وباتت تُحمّل المؤلف جزء من التكلفة وأحياناً كلها، وبعض الدور لم تتريث بل أغلقت أبوابها بعدما أصبحت عملية التسويق مكلفة جداً بالنسبة لها. لذلك فكرة تسويق الأعمال الروائية تعاني من أزمة جدية في العالم العربي، وهذا ينعكس سلباً على الكاتب الذي يؤلف ويضع عمله على الرف لينتظر شهوراً وسنين ليبصر النور.

  ــ هل تحدثنا عن خيط البداية الذي شكّل الشرارة لأحد أعمالك الروائية؟

بسبب المعارك بين الأطراف في سوريا وقعت موجة نزوحٍ من حلب إلى مدينة عفرين ومن ثم تلتها الموجة الكبيرة للهجرة نحو الغرب، تلك الموجة كانت بمثابة خيط البداية لشرارة روايتي "طريق الجحيم " حيث عانى الكثيرون من ذاك الطريق الذي أودى بحياة الألوف من الأبرياء. حينها قلتُ لنفسي: لابد من هذه الفاجعة أن تدون بين صفحات التاريخ.

  ــ إلى أي حد تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

الجوائز تشجع الكُتاب على المثابرة والمضي نحو العالمية، لكن أحياناً الفساد يُطال الساحة الأدبية عبر بوابة الجوائز، لذلك نرى أن بعض الأعمال سُلّط عليها الضوء، وبعض الآخر بقيت تنتظر النور. رغم ذلك لا تستطيع الجوائز جعل الأعمال الروائية أن تتصدر العالمية إذا لم تكن تلك الأعمال تحمل بين صفحاتها المؤهلات والركائز الأساسية، فهنالك روايات ترجمت لعشرات اللغات وبيعت منها آلاف النسخ ولم تنل أية جائزة.

  ــ كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

 كما ذكرت سابقاً عن معاناة دور النشر المالية مع فكرة تسويق الأعمال، الترجمة أيضا للغات الأخرى تعاني ذات المعاناة، حيث يصعب على المؤلف أو الناشر إيجاد جهة أجنبية تتكفل الترجمة والنشر على نفقتها الخاصة، والحكومات العربية ووزاراتها الثقافية بالكاد تكترث أو تتذكر أن هناك مسؤولية ثقافية تقع على عاتقها لتقوم بتحمل نفقات الترجمة والنشر للأعمال التي تستحق ذلك، فالحكومات العربية آخر همها هي الثقافة.

 ــ يعاني المبدع من سلطة الرقابة الخاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعر بهيمنتها على أعمالك؟ وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

الهيمنة الرقابية موجودة في كل أنحاء المعمورة، وكل كاتب يعاني منها بحسب موقعه الجيوسياسي، خاصةً إذ لم يكن الكاتب شاعراً للبلاط فهو منبوذ لدى كل الأطراف، بدءاً من الكاهن مروراً بالأغا والسياسي. رغم ذلك لستُ مع نسف كل أنواع الرقابة، فلابد من بعض الخطوط التي تجعل الكاتب يحترم قيم المجتمع، وهذا لا يعنى بالضرورة كبت حرية التعبير، بل احترام خصوصية المجتمع.

 ــ ماهي رسالتك لقرّائك؟

ما أود قوله ليس لقرّائي فحسب، بل لجميع القرّاء: إياكم والحُكم على كتاب من غلافه، ولا تغرّنكم الأسماء اللامعة في الفضاء الأدبي، ولا تغرّنكم الجُمل المنمقة والمصطلحات الفضفاضة والجري في حلقةً فارغة دون الوصول إلى المضمون، وإذا قرأتم كتاباً ما ولم تصلكم رسالة مؤلفها فلا يقرأ أحدكم له مرة أخرى.         

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم