دُنى غالي: الحبُّ يُطلق فتنةَ الروي من عقالها ويعانق الخيال..
الرواية نت - لندن
تؤكّد الروائية والمترجمة العراقية دُنى غالي المقيمة في الدانمارك أن الرواية وعاء كل الفنون إن قاومت الواقع ولم تهادنه. وأنّ هذه هي الرواية وهذا هو سرّ خلودها أيضا.
وتشدّد مبدعة "منازل الوحشة" في حوارها مع الرواية نت أنّ على الرواية أن "تحرن"، وأن تخطّ لها طريقا مغايرا وفق زمنها الخاص بعيدا عن مغريات الثقافة المفروضة علينا.
تطرح الروائية دُنى غالي في حوارها مع الرواية نت عدداً من المسائل الأدبية والحياتية التي تظل مثار سجال متجدد..
- كيف تقيّمين تجربتك مع القرّاء؟
قياسا بالظروف المتاحة جيدة. لم أكتب وأنشر إلا خارج بلدي، تفصلني عنه آلاف الأميال. أدركتُ أمرين من أجل الوصول إلى القارئ الأول هو مصداقية العمل الأدبي ومدى فنّيته، والثاني هو الوقت. يبقى أمر التقييم ناقصا، أشعر ان التجربة لاتزال مفتوحة. أفكر على الدوام أن هناك قارئا ما يعرفني جيدا، يقتحم نصي، يبحث عما هو له فيه، يعارضني ويلتزم الصمت. قد لا ننتهي من العمل إلا حين نشعر أن فكرة ما قد تمّ إيصالها، وإلا ستظل تلحّ علينا ويتكرر إلحاحها في كل مرة نشرع بالكتابة.
- ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟ ما الرواية التي تتمنين لو كنت مؤلفتها؟
كم تصعب الإجابة على هذا السؤال. حسنا! أحصر فكري وأستعين بمكتبة البيت وما كانت تحويه، هي مكتبة يساريين، يغلب عليها في مجال الرواية الأدب الأمريكي والروسي المترجم، ومن ثم العربي المصري والعراقي، وباقي البلدان العربية. ذات مرة طَلَبَ منا مدرّس اللغة العربية، وكنتُ في مرحلة الدراسة المتوسطة حينها، أن نؤلّفَ قصةً استلهاما من ثلاث جمل أو أربعة كتبها على السبورة. لم يتوقع المدرّس اني كنت قد قرأت رواية "الشيخ والبحر" التي اقتبس منها جُمَلَهُ. ظللت مبحلقة بِحيرةٍ من أمري أمام الجُمَل التي كتبها، بين أن أتصرّف فيها وأكتب قصة جديدة، وبين أن أبقيها كما قرأتها، في الحالتين سأكون قد أديتُ واجبي. لم يكن لدي خيار غير أن أكتبها كما قرأتها، أفكر بالأمر الآن وأتساءل، لِمَ لمْ أكتب قصتي! لرهبتي إزاء الكتب وتحديدا الروايات، لصغري بمواجهة تفكيك رواية كانت محبوكة مسكوكة، وفاءا للشيخ العجوز، أَمْ الأمر بكليته امتنانا لمجرد السماح لي بلعب دور كاتبة كما حلمت!
- هل من رواية تندمين على كتابتها أو تشعرين أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟
قد يكون التسرّع في أمر النشر في البدايات ربما، برأيي التردد بالنشر هو المعضلة لاحقا. لا، لا أظنني ندمت على نشر رواية، ولكن ليست هناك من رواية ننوي كتابتها وتنتظم بالمسار الذي نخطط له بتصوري، لذا يبقى شعوري ان فصولا قد سقطت أو أضيفت خلاف ما أردت، وان هناك فعل حذف أو إضافة كان يجب إعادة التفكير في أمره. في كل مرة نقرر التالي: في العمل القادم سنوظف المخيلة، سنسيطر على اللغة بشكل أفضل، وسنراوغ قليلا مع هذا المنطق الداخلي، من أجل أن نكتب ما نريده نحن!
- كيف ترين مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟
حقيقة لا يشغلني الأمر، لسبب بسيط مضحك يعود إلى إحساسي إن أعمارنا قصيرة لقاء التنبؤات التي نجاهد من أجل أن نأتي بها وبالتالي فقد أغرقتنا! ولكن ستبقى الرواية وعاء كل الفنون إن قاومت الواقع ولم تهادنه. هذه هي الرواية وهذا هو سرّ خلودها أيضا. إن تحولت هي الأخرى، وهو ما يحدث مع استثناءات معدودة إلى صدى للأشياء التي نراها مهمة ومقبولة ومفهومة تماشي إيقاع العصر وتتفق مع قيمه ومعاييره ستضمر عظامها ويصيبها الكساح وتتلاشى. على الرواية أن "تحرن"، أن تخطّ لها طريقا مغايرا وفق زمنها الخاص بعيدا عن مغريات الثقافة المفروضة علينا.
- كيف تنظرين إلى واقع النقد في العالم العربي؟
واقع النقد من واقع الثقافة والحياة بشكل عام في مجتمعاتنا العربية. شيء مرتبط بالاستقرار والنظام والأمن والتراكم، في خضم فوضى سياسات العالم والتدخلات وواقع الحروب في منطقتنا، عدا عن أمزجة الملوك والشيوخ والأئمة، كل هذه العوامل مجتمعة تحول دون تقدم مميز محسوس مطرّد في هذا المجال، أجد معاناة النقّاد شأن العاملين في مجال الابداع كبيرة، مقابل يأس الغالبية منا وتراجع طموحاتها نتيجة الوحشية والعنف والاستغلال الممارسين ضدها. أميل إلى فكرة ان كثرة التحديات هي أداة دفع وخلق بما يخصّ دورهم، التصدي لمهمة غربلة النتاج الأدبي، فحصه وتصنيفه وتحديد هوياته ورؤى أصحابه.
- إلى أيّ حدّ تعتبرين تجربتك قد أخذت حقها من النقد؟
مرة ثانية يبقى الأمر نسبيا، بتقديري في ظل كل ما نعيشه وذكر أعلاه أعتبر حظي أوفر من كثيرين. نتاج النقد الأكاديمي والصحفي، يعكس استيعابا للفكر والثقافة والموروث العربي، وحتى مقارنته مع نتاج باقي الأمم، هذا ما آمل أن يتحقق. وعموما ما بين الناقد والقارئ يمكنك تلمّس الكثير مما يعنيك ويعينك خلال رحلة الكتابة.
- كيف تجدين فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟
أعتقد ان الحديث حول هذا سيكون مكررا، وأخشى أن يكون القارئ قد ملّ منه، ولكن لا واقع غير ما نراه حاليا. بحكم إقامتي في الخارج وإصداري لكتب من قبل دور نشر دنماركية يمكن القول ان الاعتماد الكلّي في التسويق هو على دار النشر، ولكن دور النشر لا يمكن لها أن تلعب الدور منفصلا عن باقي العوامل المحيطة، على سبيل المثال من دون أن تكون عادة القراءة مكرّسة بالأساس لدينا. يمكن القول اننا متأخرين جدا في إيجاد آلياتنا لتسويق الأدب وبالتأكيد يعود هذا إلى انعدام الاستقرار في المنطقة، وعدم تقدير الدور الذي تلعبه الثقافة والأدب في مجتمعاتنا، من قبل حكوماتنا بالدرجة الأولى. نحن بحاجة إلى تكريس دور المكتبات العامة، مكتبات المدارس والمؤسسات، ومكتبات بيع الكتب المتخصصة، بحاجة إلى مهنية عالية خبرة وإدارة من قبل دور النشر، وبحاجة إلى دعم الدولة لدور النشر وفق تشريع مدروس لكي لا يكون تأسيس دار النشر محض مشروع تجاري يبرز فجأة ثم يختفي.
- هل تحدّثينا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟
لا أدري، لعلها قصّة حبي، قصص حب صديقاتي، أخواتي، أمي، هل يمكن الاكتفاء بقول ذلك من دون التفكير بتلك الأحكام المسبقة التي نعرفها؟ أ ليست الشرارة مقترنة بالحب على الدوام! الحب يفجّر الرغبة، وكلاهما يفجّر الكلام واللغة، الحب ينسف المعقول، يُطلق فتنةَ الروي من عقالها ويعانق الخيال ليجعل من استطرادات السرد إلى ما لانهاية!
- إلى أيّ مدى تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟
دورها إيجابي برأيي، وإلى حد كبير لو تعددت وأثبَتَ بعضها جدارته دورة بعد دورة. بذا لن يكون هناك تعتيم على أعمال أخرى، لأن أهداف الجوائز المعلنة وغير المعلنة تختلف تماما بعضها عن البعض الآخر.
- كيف تجدين واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟
الكثير من الدول تقوم بدعم نشاط ترجمة أدبها وتعمل على ترويجه في العالم. هذا ما نفتقده أولا. ثانيا أما وقد ضمّ السوقُ الكتابَ من ضمن بضاعته لذا فهو خاضع لا محالة لقوانين العولمة وشروطها. لدي مثال صغير بخصوص كتاب أدبي توفّر له شرط دعم عربي من أجل إصداره باللغة الدنماركية، وقد درنا به من دار إلى دار وفي جيوبنا كلفة ترجمته وإصداره، ومع ذلك لم تُقبِل أي دار نشر على تنفيذه، ولم يكن السبب قطعا لتدنّي مستواه.
- يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعرين بهيمنتها على أعمالك؟ أو الحد من إيصال رسالتك الإبداعية، وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟
لا وجود لكائن ما من دون رقابة ومن دون عبودية. لا رقابة مباشرة عليّ، هناك رقابة الداخل، وهي ليست بالقليلة، صراع الكاتب سيبقى في خوضه للمغامرة بأكبر مقدار ممكن من الحرية، امتلاك الشجاعة من أجل مواجهة نفسه. لا رقابة مع الإبداع. لا أدري إن كانت سلسلة التابوهات سواء الدينية أو السياسية ستنتهي ولكن الأعمال الحقيقية ستفلت لتبقى. واقعنا تحديدا بحاجة على الدوام إلى هزّاتٍ كبرى العمل الإبداعي أحد مسبباتها.
- ما هي رسالتك لقرّائك؟
راسلوا الكاتب/ة لا من أجل تكريس نرجسيته ولكن من أجل خضّه!
0 تعليقات