ريما بالي: صدمة الحرب أعادتني إلى الكتابة
الرواية نت - لندن
تلفت الروائية السورية ريما بالي؛ المقيمة في إسبانيا، إلى أنّ ما بلور ما بلّور تجربتها وأطلق فكرها وقلمها وأعادها إلى الكتابة بعد صيام طويل هو تلقي صدمة الحرب.
تؤكّد صاحبة "غدي الأزرق" في حوارها مع الرواية نت على أنّ هناك الكثير من الروايات العربية المهمّة يمكن أن تشكل فرقاً في الأدب العالمي لو قدمت خارج حدود الوطن العربي بلغات أخرى. ويحزنها أنها تجد كثيراً من الروايات الممتازة لم تلقَ حظها في الترجمة مع أنها تستحق.
تصرّح ريما بالي للرواية نت بجانب من رؤاها في عالم الكتاب والأدب والنقد والجوائز والترجمة وغيرها من مسائل أدبية وحياتية..
- كيف تقيّمين تجربتك مع القراء؟
تجربتي مع القراء ليست واسعة بما أنني لم أنشر الكثير من الكتب بعد، وهي تنحصر بقراءتي مراجعاتهم لرواياتي، والرد في أحيان أخرى على استفسارات بعضهم. كما شاركت مرة في جلسة نظّمتها مجموعة من القراء في بيروت لمناقشة روايتي غدي الأزرق، وكانت تجربة رائعة. أثمّن عالياً كل من أفادني برأي أو تقييم أو مراجعة على اختلاف وجهات النظر، لأن تفاعل القراء برأيي هو البوصلة الحقيقية للكاتب.
– ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟ ما الرواية التي تتمنّين لو كنت مؤلفتها؟ هل من رواية تندمين على كتابتها أو تشعرين أنك تسرّعت في نشرها؟ ولماذا؟
تأثرت في طفولتي ومراهقتي بروائع الأدب العالمي على اختلاف كتّابه من هوغو حتى سارتر وكامو، عشقت فكر جبران خليل جبران ونجيب محفوظ وأذهلتني جاذبية إحسان عبد القدوس. حديثاً أحب الكثير من الكتّاب ولكني أتأثر بأعمال ايزابيل الليندي، خالد الحسيني، أمين معلوف وخالد خليفة. من الروايات التي أعشقها "الف شمس مشرقة" لخالد الحسيني. لا أتمنى أن أكون كاتبتها لأن مبدعها أحق بهذا الشرف بالتأكيد، لكني أتمنى أن أكتب رواية بمستواها، تمسّ أعماق القراء كما مسّتني. أما عن الندم، فبعد نشر روايتي الأولى "ميلاجرو" أدركت أنني ظلمتها. لم أكن صبورة ومثابرة كفاية لصياغتها بالشكل الأمثل، إذ كتبتها بشغف طفلة تصر على ارتداء ثوب العيد قبل حلوله، خشية ألا يأتي. مع ذلك فهي مدللتي التي تعني لي الكثير، وتعلمت من التجربة الكثير.
– كيف ترين مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟
في العقود القادمة، وفي ظل انتشار ثقافة الصورة، ستنجو الرواية الجيّدة التي تبرع في رسم صور جميلة للقارئ الذي يرى بمخيلته، وهؤلاء ولو أن عددهم يتناقص إلا أنني أري أن نوعيتهم تتبلور وتتطور. أما في المستقبل البعيد، فلا أستطيع أن أتكهن تماماً بما ستؤول إليه الأمور، ربما أن أنواعاً أخرى من الفنون ستُبتدع في ذلك الزمان، لكنني واثقة من أمر واحد، وهو أن التاريخ سيبقى محتفظاً بالقطع الفنية الثمينة بما فيها الروايات، كما سبق أن فعل على مر العصور.
– كيف تنظرين إلى واقع النقد في العالم العربي؟
مع أنني أدرك أن مهمّة النقد الأدبي في العالم العربي صارت صعبة جداً، نظراً للزيادة الهائلة بأعداد الكتّاب والكتب مؤخراً، إلا أنني أرى أن هذا لا يبرر تهافت النقاد على تناول كتب الأدباء المعروفين حصراً وإهمال الأسماء الجديدة (إلا في حالات استثنائية جداً!). لا ألمّح طبعاً أن من مهام الناقد الترويج للكتب (رغم أن هذا ما يحصل غالباً)، إلا أنني أتعشم أن يقوم الناقد بتوسيع أفقه ليشمل رقعة أوسع من المنشورات.
- إلى أيّ حدّ تعتبرين أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟
إلى حد ضعيف جداً للأسف.
– كيف تجدين فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟
للتسويق دور البطولة في إيصال الرواية من دار النشر إلى القارئ، وهو قادر على نشر روايات رديئة بين أيدي القراء، بينما تقبع أخرى جيدة في الظل. السوق العربية للرواية تعاني من نقص حاد في الطلب، ولذلك فهي لا تعترف إلا بالرواية التي يسهل عليها بيعها (كأي سلعة أخرى)، فمع تسارع وتيرة الحياة يميل الناس إلى شراء كتاب مضمون لكاتب معروف بدلاً من المغامرة بوقتهم ومالهم في شراء كتاب يحمل توقيع كاتب غير معروف، وهنا يأتي دور التسويق.
- هل تحدّثيننا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟
ما بلّور تجربتي وأطلق فكري وقلمي وأعادني إلى الكتابة بعد صيام طويل هو تلقي صدمة الحرب. عندما لامستُ الموت وعاشرتُ العدم ثلاث سنوات، بركان من الخبرات النادرة والقاسية تفجر داخلي وكاد أن يقتلني لو لم أكتب، فكانت "ميلاجرو"، روايتي الأولى التي نشرتها في العام 2016.
– إلى أيّ حدّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟
تساهم الجوائز إلى حد كبير في انتشار الرواية. مجرد ترشيح العمل لجائزة ما، يضعه في دائرة الضوء ويحفز النقاد للكتابة عنه والقراء لاكتشافه، على حساب روايات أخرى لم تترشح. لكنني لا أجد أن حصول الرواية على جائزة أو عدمه هو (دائماً) مقياساً لجودتها وتفوّقها، اذ تتدخل في الموضوع عوامل كثيرة أخرى.
– كيف تجدين واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟
أجد أن هناك الكثير من الروايات العربية المهمّة يمكن أن تشكل فرقاً في الأدب العالمي لو قدمت خارج حدود الوطن العربي بلغات أخرى. للأسف أن عدد الروايات العربية المترجمة قليل نسبياً. ويحزنني أن أجد كثيراً من الروايات الممتازة لم تلق حظها في الترجمة مع أنها تستحق.
– يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعرين بهيمنتها على أعمالك؟ وهلّ تحدّ من إيصال رسالتك الإبداعية؟ وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟
ببساطة أنا لم أجرؤ على نشر رواية إلا بعد أن انتقلت للعيش في اسبانيا! ومع ذلك، ما زلت استحضر دهائي عندما أكتب للتملص من هيمنة شبح الرقابة بشكل لا يسقطني في فخ الجبن (فالأدب لا يبقى أدباً إن كان جباناً). نعم، أنا من أنصار نسف جميع السلطات الرقابية، لأنها لا تنفع إلا في الحدّ من إبداع الكاتب، بينما الإسفاف يمكن أن يقدّم بشكل أو بأخر في كتاب لا يتجاوز أية خطوط حمراء.
- ما هي رسالتك لقرّائك؟
القارئ الذوّاق والمتمرّس يعرف كيف يعطي الفرصة لنفسه لاكتشاف كاتب جديد وكتاب مختلف، لذلك أنا ممتنّة للمغامرين الذي يمنحون كتبي الفرصة رغم عدم معرفتهم بي، وأتمنى ألا يغلقوا الكتاب نادمين، بل منتشين بنفحة فكر جديدة، وحكاية شيّقة.
ريما بالي: كاتبة وروائية سورية من مدينة حلب، مقيمة في إسبانيا.
صدر لها: "ميلاجرو" 2016 عن الدار العربية للعلوم، "غدي الأزرق" 2018 عن دار الآداب، وشاركت بنص (قصة قصيرة) في كتاب "المنفى، أصوات عربية جديدة" الذي صدر باللغتين الدانماركية والعربية 2019 عن دار سكريمينج/ الدانمارك.
0 تعليقات