الرواية نت - لندن

يراهن الروائي السوري خيري الذهبي على القارئ الذي يعتبر أنّه يملك الحق في كل شيء بالنسبة للكتاب الذي يقع بين يديه، ويسميها بديمقراطية الكتاب والقارئ.

يعلن صاحب "التحولات أنه ينتمي إلى جيل أدبي قارع السلطة السياسية، والرقابية والدينية، والطبقية، ونجح في تحطيم نفسه مع تحطيمها، ويشدد على أن الرقابة اليوم لا معنى لها.

في حواره مع الرواية نت يلفت صاحب "لو لم يكن اسمها فاطمة" إلى أنه يجب على المؤسسة الرسمية العربية أن تبني جسماً فكرياً خاصاً بالترجمة ومخاطبة الآخر، أما التعويل على الجهات الخاصة فهو أمر لا يجدي.

يصرّح الذهبي عن بعض آرائه في الرواية والأدب والنقد والترجمة والجوائز بجرأته المعهودة..

- كيف تقيم تجربتك مع قرائك...؟

الحقّ أني كنت أكتب كأجدادي العباسيين او أندادهم في الولايات القريبة كانت أم البعيدة.... فهل فيكم من يعرف نقداً اتهامياً للجاحظ، وهل سمع أحد منكم نقداً اتهامياً لشاعرمن العصر العباسي، أو هل سمعتم بمن أعجب بنقد لقصيدة المعري أو البحتري مثلاً... أو هل كان السوريون مخلصين لأجدادهم الذين لا يعرفونهم حتى قرائياً.. كان المبدع في الزمن العباسي يتيماً إلا لو أبدع في مديح الخليفة العباسي أو واحد من أنجاله، فقد كان الشعراء وشارحوهم، لا يكترثون إلا لمن أضاء عليه نور الخليفة العباسي أو دارسو المدائح المسكوية عند الخليفة العباسي، وكان الجمهوروهو في الكثرة الكاثرة منه لا يتقن العربية، ولا الفلسفة المستعارة من الإغريق التي صاغها العرب أو المترجمون بما يتفق مع المزاج الذي وصل إليهم على هذه الصيغة.. وكان الجمهور الذي اصطلحوا على تسميتهم بالعوام لا يعرف من فيهم المتنبي، أو من فيهم "ثعالة بن ثعلب". كانوا يحسون بعد كتابتهم التي تمر في الحياة بصمت.. يكتبون، ولا يهتمون أو لا يعرفون بأنهم كتبوا، فالكتابة ككل فعل محتاجة إلى ردة فعل في القبول أو في الاستهانة او الرفض.. وكان هذا ما ورثه الناطقون بالعربية والناطقون بغيرها من سكان البلاد المشرقية...

أما قراء العقد الثالث من الألفية، فأنا مهتم جداً بوصولي إليهم، علينا أن نجعل الكتاب في متناولهم أكثر مما قبل، القراءة تعود للجيل الجديد، ولكن كتبي هي للقارئ الجاد، الحاد، المثابر، كتبي تحتاج لقارئ يتعارك مع الأفكار فيها، ومع اللغة، ومع المستويات، أنا لم أكتب للقراءة السهلة، وينبغي على المكتبة أن تحتوي على كل شيء.

- ما هي أهم الأعمال الأدبية التي أثرت على تجربتك الابداعية؟ وماهي الرواية التي كنت تتمنى لو أنك كتبتها؟ هل من رواية تندم على كتابتها أو تندم على التسرع في نشرها؟

حين قرأت رواية رباعية الإسكندرية وهي رواية تتحدث عن الحرب العالمية الثانية، وفي بلد عربي هي إسكندرية مصر التي كان المصريون "حسب الرواية" بعيدين عن فعل الأحداث، فالأحداث كانت للبريطانيين ولسكان شواطئ البحر المتوسط الوافدين للعمل في التجارة والمصارف، الكومسيون، أما البريطانيون ولا نراهم فهم المدافعون عن إسكندريتهم الحامية للهند مستعمرتهم التي جعلت من البريطانيين سادة العالم لقرون إلخ... عند قراءتي لهذه الرواية شعرت بالحسد والغيرة، فأن تقرأ عن مدينة عربية والنخب فيها كلهم من الأوربيين وكانت بريطانيا قد فتحت الباب واسعا امام الأوربيين، وخاصة سكان دول البحر المتوسط الذين شكلوا زمن الرواية زبدة المجتمع في الاسكندرية وطبعا كان هناك الاقطاعي القبطي المتعاون مع اليهود في فلسطين قبل قيام دولة اسرائيل، كما كان هناك اليهودية الفاتنة زوجته..، والتي كانت تعمل سراً لقيام دولة إسرائيل، وكانت فاتنة الإسكندرية وكان المحظوظ من تعشقه وتقبل به عاشقاً ولو لليلة.

في تلك الرواية تعرفت على الإقطاعي القبطي الذي كان يسعى لقيام دولة إسرائيل التي ستجعل من كل استقلالية للدول العربية نكتة.. سرعان ما تطيح بها الدولة الأوروبية الإشكينازية.. إلخ..

وكان شعوري بالضياع والرغبة في أني لو كتبت هذه الرواية التي تحدد موقع الدول المجاورة لإسرائيل ومستقبلها كحارسة لاستثمارات الدول الغربية في الدول العربية "المستقلة".

حين قرأت الرواية غزاني الحسد، فكيف استطاع هذا الإيرلندي الكتابة عن عالم البحر المتوسط الكلاسيكي، وكيف أحاط بمعرفة أولئك الناس، وكيف جعلهم يسلكون ذلك السلوك الإمبريالي قبل ظهور التسمية ومعرفة تأثيرها على بسطاء الناس، وكيف استطاع إحياء ذلك الشاعر الإغريقي الذي توفي منذ سنوات قليلة ذلك الشاعر الذي كان يتغنى ولا رادّ لغنائه بالبحر الإغريقي ويعني "البحر المتوسط"، أي حقل الإغريق الشعراء، الإغريق الفلا سفة، الإغريق المحاربين وهم القلة..

قرأت تلك الرواية العظيمة وغلبني الإحساس بأن هذه الرواية كان يجب ان تكتب بيد عربي..!

أقول (رباعية الإسكندرية) ولا أنسى كتابات والدي الروحي دستويفسكي، ولا أنسى رائعة شولوخوف (الدون الهادئ)، أو رائعة وليم فوكنر (نور في آب).

لا ندم أدبياً في حياتي الفنية، فأنا ومنذ نصف قرن، أكتب، ولكل زمان مقال، وما كنا نراه رائعاً وقتها، من الممكن الآن أن يبدو لي غير رائع، ولكنني أقبله، كان من الممكن أن أكتب ملكوت البسطاء، بروح خيري الذهبي 2020، طبعاً، ولكنها خرجت وأصبحت بعهدة القراء.

تجربتي تحتاج الكثير لقراءتها، على الرغم من عشرات الدراسات الجامعية التي أقيمت عليها، إلا أن النقد المعاصر لم يقربها بما يكفي، وأنا لست منزعجاً، فرهاني دائماً هو على القارئ.

- كيف ترى مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

وجدت الرواية منذ بدء الخليقة مكتوبة كما في الأمم المتعلمة والمثقفة، أو مروية كما في الأمم التي ماتزال البدوية ...

الحاجة الإنسانية للرواية حاجة أصيلة، ففلك نوح وحكاية الانقاذ للمخلوقات من إنسان وحيوان وطير هي رواية، وإن جللوها بالقدسية والبركات، والفتوح المغطاة بالغطاء الديني هي رواية آخر، وهل كان الانتشار الديني في العالم المعروف في حينه إلا رواية وإن "مقدسة" ربما تكرم للوعظ الديني!

والروايات تختلف من عصر إلى عصر، ومن عقل يقبل بهذه الرواية أو لا يقبل... تختلف الأقنية وتختلف أدوات الرواية ولكنها تتحد في أنها تحاول نقل مفاهيم الأمم التي أطلقتها عن غيرها زمنيا ومكانياً وتصديقاً.

أعتقد أن الرواية تتطور بسرعة كبيرة، ربما تواكب التسارع الشديد الذي نعيشه، لقد استعانت الرواية بتقنيات سردية جديدة، المونتاج مثلاً، هي تقنية يستخدمها الروائيون الجدد، هناك روايات تتم طباعتها عبر الإنترنت فقط، دون ورق، وهناك روايات تقرأ على التابلت، بديل الورق، وهناك المكتبات الضخمة المتوفرة على الإنترنت، القراءة هي الفعل، هي الأصل، أما الوسيلة فيمكن لها أن تتطور. وحينما توجد القراءة فإن الكتابة ستجد طريقها للتطور.

- كيف تنظر إلى واقع النقد في العالم العربي؟

النقد في العالم كله هو تابع للسياسة فحيث يوجد نظام منغلق كالنظام الصيني أو الفنزويلي أو السوري، ستجد أن الدراسات تراعي الخوف والمداراة للحكم والحاكمين، وفي مجتمعات الحرية "كما يقولون ويدعون "لن تجد دراسات أو كتبا تمدح الشيوعية السوفياتية وإن وجدت فالكاتب يعرف بأنه في كتابته تلك إنما يحكم على نفسه بالموت تجاهلاً وتناسياً.

النقد هو رديف أساسي للكتابة، وإن كانت الكتاب تحتاج إلى الحرية، فإن النقد يحتاج لحرية أكبر، نحن نحتاج لموجة نقاد أحرار، يستطيعون اكتشاف أصوات أدبية جديدة، أو إعادة إحياء أصوات تراكم فوقها التراب، سياسة التكريس الأدبي التي مارسها نقاد الحكومات العربية، كرست نخبة من الكتاب وتجاهلت عظماء غيرهم، هذا الأمر جرى في العراق وفي سوريا وفي مصر وفي الجزائر، لن يجرؤ ناقد معاصر على رفع الظلم عن كتابات فارس زرزور أو هاني الراهب، أو مسرح مصطفى الحلاج، أو روايات حلمي موسى وعلاء الديب والرائع الصديق  صنع الله ابراهيم، لأن كتاباتهم جدلية، والناقد المعاصر ابن جيله، ابن جيل الخوف، لذلك وحتى الآن لا يوجد نقد رديف للحركة الكتابية، ولكنه سيكون عما قريب.

- إلى أي حد تعتبر تجربتك قد أخذت حقها من النقد؟

ليس من كاتب في العالم العربي يعتبر نفسه قد نال حظه من النقد إلا أولئك المقربون من السلطة.. تجربتي تحتاج الكثير لقراءتها، على الرغم من عشرات الدراسات الجامعية التي أقيمت عليها، إلا أن النقد المعاصر لم يقربها بما يكفي، وأنا لست منزعجاً، فرهاني دائماً هو على القارئ.

- كيف تجد فكرة تسويق الأعمال الروائية وهل تبلورت سوق عربية للنشر؟

لا نزال في البدايات، لا يزال الكاتب يكتب كتابه شعراً كان أو رواية، وهو يقدمه كقربان على مذبح الأدب، الكتابة مهنة حقيقية، يحتاج الكاتب أن يعتاش من ايراداتها، وهذا ما يفتقده المنطق العربي والشرقي، حيث يعتبرون الكتاب هدية يجب أن تهدى، يجب تطبيق قانون حماية حقوق الملكية، ويجب توقيعه في السوق العربية في وقت واحد، وقبل أن يتم هذا لامعنى لأي تسويق يتم للكتب العربية، السوق ناشئة والقانون يجب أن يحمي الناشر والكاتب سوية.

- هلا تحدثنا عن خيط البداية الذي شكل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟

في زيارة لي إلى قلعة شيزر السورية والواقعة بين حمص وحماة، وكنت مع أصدقاء نجول في القلعة ما بين سطحها وسراديبها حين سمعت صوت خطوات تضرب حجارة الطريق فأشرت إلى الزملاء بالصمت وصمتوا وانتظرت شيئا خطيراً أو مخيفاً ولكن المدبدب كان صبياً في العاشرة من العمر تزيد أو تنقص قليلاً وحين حاولنا الحديث معه تفلت منا في مهارة ووقف على مقربة منا ظانا أننا خواجات أو سواح كما قال، ولكنا حين تحدثنا إليه بالغربية مطمئنين تبسم وطلب إعطاءه "سيكارة" حتى يجيب على أسئلتنا، من هذا المشهد الواقعي كانت رواية "التحولات" ثلاثيتي الشهيرة.

وكنت أفكر صامتاً أتساءل: كم مرة دار هذا الحوار بين أصحاب القلعة، وبين زوارها، فقلعة شيزر هي مركز القوة المنقذية في العصر الصليبي، هذه الأسرة التي اشتهرت بابنها الشاعر المحارب المفاوض الخالد بكتابه عن المرحلة الصليبية "أسامة بن منقذ".

وتخيلت الإمكانية الموفورة اليوم بين يدينا عن كتاب للأمير أسامة الرجل الذي عاصر الحركة الصليبية منذ البداية وحتى المعركة التي جيشها السلطان صلاح الدين الأيوبي في حطين، فتخيلت الصبي الراعي في القلعة يلتقي الميجورالفرنسي العقيم يلتقي الصبي فيسحر به ويقرر تعليمه في فرنسا إلى آخر الرواية.

لا يوجد كاتب حقيقي من الشرق الأوسط لم يصطدم مع الرقابة السياسية أو الدينية أو الاجتماعية، وبقي الكتاب وسقطت الرقابة.

- إلى أي حد تلعب الجوائز دوراً في تصدير بعض الأعمال الروائية و التعتيم على أخرى؟

الجوائز مفيدة للفائزين بها، ومفيدة للجان المنظمة التي ربما تجعل الترجمة هدفاً مفيداً للجميع، فتكون الجوائز قد حصلت على ما يوازي أو يزيد كثيراً من دعاية للدول المضيفة وللفنانين الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم وهم يكتبون ما لا يرضي أصحاب القرارات.

الجوائز مفيدة للفائزين بها، ومفيدة لمن ينظمها، ولكن الجوائز العربية، مثل أي شيء في شرقنا، مسيسة، أو موجهة، ولن أدخل في التفاصيل، ولكنني أرغب في طرح سؤال على منظمي الجوائز، أين صنع الله إبراهيم من الجوائز العربية، أين الياس خوري، أين الطاهر بن جلون ورشيد بوجدرة، أين خيري الذهبي.. أين فواز حداد، أين رشيد الضعيف، أين وأين وأين... وجميعهم يكتبون حتى هذه اللحظة الكثير من الروائع، هناك من يكرس وهناك من يبعد، وهناك من يوجه القراء، وهذه إحدى واجبات النقاد، في طرح الأسئلة عن الجوائز، و عن غياب البعض.

- كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

فقير جداً ويرجع فقره إلى ضعف المؤسسة العربية المشرقية التي تعمل على الترجمة، يجب على المؤسسة الرسمية العربية أن تبني جسماً فكرياً خاصاً بالترجمة و مخاطبة الآخر، أما التعويل على الجهات الخاصة فهو أمر لا يجدي.

- يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية و السياسية والدينية) إلى أي درجة تشعر بهيمنتها على أعمالك، أو الحد من إيصال رسالتك الابداعية، وهل أنت مع نسف السلطات الرقابية؟

نحن أبناء جيل أدبي، قارعنا السلطة السياسية، والرقابية والدينية، و الطبقية، ونجحنا في تحطيم أنفسنا مع تحطيمها، الرقابة اليوم لا معنى لها، لا يوجد من يكترث، لكتاب ممنوع، فالطفل الصغير يستطيع إيجاده على الانترنت، ذات الشيء مع السلطات كافة، نحن فقط من دفعنا ثمن الرقابة، ولكننا نجحنا، وفتحنا الطريق، أمام الآخرين، الأجيال الجديدة أقصد. لا يوجد كاتب حقيقي من الشرق الأوسط لم يصطدم مع الرقابة السياسية أو الدينية أو الاجتماعية، وبقي الكتاب وسقطت الرقابة.

- ما هي رسالتك لقرائك؟

تابعوا عقولكم في القراءة، أنتم النقاد، وأنتم الرقابة، وأنتم من تقررون كل شيء، إنها ديمقراطية الكتاب، والقارئ.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم