الرواية نت - لندن

ينطلق الروائيّ اليمنيّ عبدالله ناجي من ثقته بما يبدعه، وبالقرّاء الذين يواكبون أعماله، ويمنحونها حقّها من التقدير المستحّق، ويؤكّد على أنّ الرواية ستظلّ حية، وستعيش ما عاش الإنسان.

في حواره مع الرواية نت، يعبّر عبدالله ناجي عن قناعته بأنّ الأعمال العميقة والتي تحترم القرّاء لن تسقط بالتقادم، وستبقى عالقة في أذهان القرّاء وسيكون لها مكان في تاريخ الأدب.

يكشف لنا صاحب "منبوذ الجبل" عن جانب من انشغالاته وهمومه الكتابية والحياتية وآرائه في بعض القضايا الأدبية والفكرية..

-    كيف تقيّم تجربتك مع القراء؟

الجميل في عالم الرواية هو أن التواصل مع القراء يتم عبر العمل الروائي ذاته، بمعنى أن القارئ يتحاور مع شخوص الرواية ويتفاعل مع أحداثها وتقنياتها، لا مع الراوي نفسه، ومن هنا تتمدد وتتسع رقعة التواصل بين الكاتب وقرائه، وعن تجربتي مع القراء فإنني أحمل لهم الكثير من الامتنان، وأعتبرها تجربة جميلة جداً إذا قيست بعمر تجربتي الروائية، فبين "منبوذ الجبل" و"حارس السفينة"، والقراء في الوطن العربي تواصل كبير.

-    ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟ ما الرواية التي تتمنى لو كنت مؤلفها؟ هل من رواية تندم على كتابتها أو تشعر أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟

هناك العديد من الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتي ولعل من أهمها: موبي ديك لهرمان ملفيل، والعمى لجوسيه ساراماغو، والطريق إلى أصفهان لجيلبرت سينويه. وأما الرواية التي تمنيت كتابتها فهي اسم الوردة لأمبرتو إيكو.

لا أتسرع في نشر أعمالي، فأنا أول النقاد لها، وكل عمل أنجزه لا أتوقف عن نقده حتى بعد أن ينشر، وأقول لنفسي: لو أني حذفت كذا أو أضفت كذا.. لكن ذلك لم يصل بي إلى الندم على الأقل مع روايتيّ.

الناقد أحد حراس الإبداع، وقد يكون ذلك الحارس أمينًا ومحايدًا إلى حدٍ كبيرٍ فلا يسمح بتمرير أعمال رديئة عبر بوابة نقده..

-    كيف ترى مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

ستبقى للرواية مكانتها رغم هذا التسارع المحموم والذي لا ينبع من العمق وإنما يطفو على السطح ثم يتلاشى، وسيكون هناك من الروائيين المبدعين من يحفظون لها تلك المكانة السامقة، وأجزم بأن الفنون - بكل تنوعها- لن تموت ولن تطفئها ثقافة التسارع هذه. إن حاجة الإنسان إلى الفنون ستبقيها حية، ومن بينها الرواية، وستعيش ما عاش الإنسان.

-    كيف تنظر إلى واقع النقد في العالم العربي؟

الناقد أحد حراس الإبداع، وقد يكون ذلك الحارس أمينًا ومحايدًا إلى حدٍ كبيرٍ فلا يسمح بتمرير أعمال رديئة عبر بوابة نقده، وقد يكون عكس ذلك، تحركه مجاملةٌ أو صداقة، فيترك بوابته مفتوحة تعبرها روايات ذات مستويات أقل، وضعيفة الإبداع. هذا هو واقع النقد في العالم العربي باختصار، وربما في العالم كذلك، وبين هذا وذاك يصعد النقد ويهبط، وتتجدّد مياهه أو تظل راكدة في محلها، تجتر مقولات جاهزة، دون أن تسمو بها نار الإبداع إلى الأعلى لخلق نظريات نقدية جديدة.

-    إلى أيّ حدّ تعتبر أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟

إذا ما نظرت إلى النقد بوصفه نصا موازيا للنص الأول" الرواية" فإن تجربتي لم تجاورها نصوص نقدية يمكن أن أقول معها بأنها أخذت حقها من النقد، نعم هناك العديد من القراءات النقدية لتجربتي ولكنها لم تصل إلى موازاته كثافة وحضورا. أما على مستوى المراجعات الفنية من القراء وبعض النقاد فإنني راضٍ جدًا، وبعض تلك المراجعات ترقى إلى درجة النقد والدراسة العميقة لتجربتي الروائية.

-    كيف تجد فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟

معظم التسويق للأعمال الروائية هو تسويق ذاتي يقوم به الروائي عبر صفحاته في مواقع التواصل، أو عن طريق أصدقائه، وبعض دور النشر تضطلع بدور كبير في "التسويق الروائي"، إن صحت العبارة، هذه الدور وبعض مواقع البيع الإلكتروني والصفحات والمواقع المهتمة بالأعمال الروائية كموقع "الرواية نت"، كل تلك المنصات تشكل سوقا عربية قادمة بقوة، قد لا تكون كل الأعمال المسوّق لها جيدة، ولكن هذه هي حال السوق، وعلى القارئ اختيار أعماله بدقه.

-    هل تحدّثنا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟

كان خيط البداية لرواية حارس السفينة من خلال مشهد ارتسم في الذاكرة، "مشهد سفينة شبه غارقة" وظل ذلك المشهد يتفاعل داخلي في معامل الخيال والأفكار مدة من الزمن تتجاوز العامين، كنت أمد خيوط الرواية وأرسم ملامح الشخصيات الملائمة لفكرة الرواية التي انبثقت لاحقا، وما إن بدأت في كتابتها بعد ذلك حتى تدفقت الأحداث والمشاهد مصطبغة بصبغة نفسية غريبة كغرابة الليلة الأخيرة لحارس السفينة.

يقول تشارلز بوكوفسكي في سيرته الذاتية "مكتب البريد": "الكتابة الحذرة كتابة ميتة"، وأنا أتمثل هذه المقولة إلى حد كبير في كتاباتي،

-    إلى أيّ حدّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

إلى حد كبير، فالرواية التي تنال جائزة ستتصدر المشهد، وستحظى بتصدير واهتمام كبيرين، وتلك التي تُبعد عن محيط الجوائز ستنال نصيبا من التعتيم، والإهمال ربما، ولكن ومع ذلك فإن الجودة وحدها هي من تضمن البقاء للأعمال الروائية، والرهان على الزمن في ذلك، فكثير من الروايات التي حصلت على جوائز تراجعت بعد ذلك، بل إن بعضها دخلت في دائرة النسيان ولم تعد محفوظة في ذاكرة القراء، في حين أن روايات لم تنل حظا من الجوائز استطاعت أن تشق شرنقة التعتيم وتظهر، ثم يُكتب لها البقاء واتساع المقروئية واستمرارها.

-    كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

هناك نشاط ملحوظ فيما يخص ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى، وهو في تزايد من ناحية الأعمال المترجمة، وفي تكاثر من ناحية عدد المترجمين، وكم هو جميل هجرة الروايات العربية إلى اللغات الأخرى، فذلك أدعى لانتشارها، ولاكتشاف الآخر لنا، تاريخا وأدبا وفنا وحضارة، وقد أسهمت دور النشر وبعض المسابقات في تلك "الترجمة المعاكسة" إن جاز لنا القول، والجدير بالذكر هنا هو أنه ينبغي الحرص على اختيار الأعمال الجيدة والعميقة التي سوف تتحدث إلى الآخر عن واقع الأدب العربي، والمشاهد هو أن أعمال رديئة قد وجدت طريقها إلى الترجمة، عبر علاقات ممتدة لا تنظر إلى الأدب إلا أنه سلعة يُتربح من ورائها. إن أكثر المشاكل التي تواجه الترجمة والأدب بصورة عامة هو تسليع الأعمال الأدبية، وفي التسليع تقل الجودة وتختلط بها الرداءة.

-    يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعر بهيمنتها على أعمالك؟ وهل تحدّ من إيصال رسالتك الإبداعية وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

يقول تشارلز بوكوفسكي في سيرته الذاتية "مكتب البريد": "الكتابة الحذرة كتابة ميتة"، وأنا أتمثل هذه المقولة إلى حد كبير في كتاباتي، فالرقابة بجميع طبقاتها ومنها الرقابة الذاتية سوف تقتل العمل الأدبي، بل إن تلك السلطات الرقابية هي من تخلق الرقيب الذاتي، وهذا الأخير كفيل بتدمير الإبداع، ولن يكون باستطاعة الكاتب بعد ذلك أن يوصل رسالته الإبداعية أو الفنية أو الإنسانية حتى من خلال رواية تبحث عن مواطئ أقدام آمنة، ولا تغامر بالركض في كل فضاءات الوجود ومساحات الحياة. الكتابة الإبداعية قائمة على حرية الفكرة والخيال والحدث، وعلى السلطات الرقابية أن تراعي ذلك الأمر، ولا تتعامل مع النص الإبداعي معاملة الشرطي واللص.

-    ما هي رسالتك لقرّائك؟

قرائي هم أصدقائي وأحبائي بالدرجة الأولى، ورسالتي التي أبعثها إليهم ستكون محمّلة بامتناني العظيم لهم، وبسعادتي بتواصلهم عبر قراءة ما أكتب، ثم مراجعاتهم لتلك الأعمال وإبداء آرائهم وملاحظاتهم، حقيقة أشعر بسعادة فائضة وأنا أرى تلك المراجعات والاقتباسات من رواياتي، وأعدهم بأن القادم سيكون أجمل، هذا ما أرجوه وأحاوله.

الرواية نت - خاصّ

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم