الرواية نت - لندن

تؤكّد المصريّة مروى عليّ الدين أنّها تركّز وقت الكتابة على إرضاء الفكرة، حتى لو بدت للوهلة الأولى عند القارئ غامضة وتحتاج القراءة أكثر من مرة.

تصرّح الروائية والكاتبة مروى عليّ الدين في حوارها مع الرواية نت أنّها لن تصدق الاتهامات حول الجوائز والمُحاباة وغيره من الاتهامات، لأنها لا تعتبر الإبداع غير قابل للوزن أو القياس، وتشدّد على أنّ كل تجربة إبداعية جديرة بالاحتفاء والرعاية والدعاية..

الرواية نت تحاور الروائية المصرية مروى عليّ الدين التي تعبّر عن جزء من آرائها حول عالم الكتابة والرواية والتسويق والترجمة وغيرها من القضايا والانشغالات..

- كيف تقيّمين تجربتك مع القراء؟

تجربة القراءة للعمل الأدبي تختلف كثيرًا من شخص لآخر، لكن ما يلفت النظر هو الانجذاب للروايات الاجتماعية ذات الطابع الرومانسي وهي مُفضلة عند المرأة، أما الجنس الآخر فيلفت نظرهم التجريب والأفكار التي تخلو من اللغة الناعمة ومولعون بالدهشة وترقب أفكار غير معتادة، لكنني لا أراهن على الذوق والأمزجة، بل يكون كل تركيزي وقت الكتابة أن أرضى عن الفكرة، حتى لو بدت للوهلة الأولى عند القارئ غامضة وتحتاج القراءة أكثر من مرة. لأنني كنت أقرب للغة الكثيفة واتبعت الطرُق المُختصرة فيما رغبت أن أتناوله في المجموعات القصصية التي صدرت لي، أما في الروايات فقد راعيت الإسهاب وتشعب الأفكار، فلم أكتب لخدمة فكرة واحدة. بل كنت أصبو لأن أترك انطباعًا عميقًا، وأن يطرح وجه التناول الذي اخترته العديد من الأسئلة.

- ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟

لم تخني الأعمال التي غرقت في تفاصيلها من ثراء السرد وعُمق التناول وعبقرية في وصف المتناقضات في الحياة، ولعل أكثر الروايات التي حفرت عميقًا داخلي "الأرض الطيبة" للكاتبة "بيرل باك"، ورواية "أشياء تتداعى" للكاتب "شينوا آشبي". ورواية "اللؤلؤة" للكاتب "جون شتاينبك".

وقد أكون مع مرور الوقت نسيت الكثير من تفاصيل هذه الروايات أو حتى أني أستدعي بصعوبة أسماء الشخصيات، لكن لا زلت أشعر بالحالة نفسها من التأثُر العميق والتفكير في علاقة الإنسان الوطيدة بالأرض التي ينتمي إليها، ومهما حطت على رأسه طيور الموت وسوء الحظ وضاقت به الحياة، وكدح يُفكر في الخلاص، لكنه لا يُفكر أبدا في الهجرة وترك عشيرته، بل يبحث حتى النهاية عن ما يجعله على قيد الحياة في وطنه. بل يبدو أن أي خيار آخر لم يرد في أذهان شخصيات هذه الروايات.

القصص كلها تعكس الحكمة والحيلة وأساليب النجاة، وهذا شيء عظيم، والطريف أن نستقي الحكمة من الحيوانات.

- ما الرواية التي تتمنّين لو كنت مؤلفتها؟

حكايات آيسوب، وكليلة ودمنة، هي ليست روايات، وتبدو في الغالب قصص وعظية، لكنني شغوفة باستنطاق الحكمة وطبع التآلف مع طبيعة لا تعرف سوى الغدر. فالقصص كلها تعكس الحكمة والحيلة وأساليب النجاة، وهذا شيء عظيم، والطريف أن نستقي الحكمة من الحيوانات. أليس كذلك!

- هل من رواية تندمين على كتابتها أو تشعرين أنك تسرّعت في نشرها؟ ولماذا؟

حالفني الحظ في نشر "نصف تفاحة" و "حذاء يدوي الصُنع" و "جاليريا" وهي مزيج من القصص القصيرة المتتالية وبعض النصوص النثرية والقصص القصيرة جدا، وسبق النشر عدة كتابات روائية ذات طابع اجتماعي وأعتقد كذلك أنها أخذت نهج التوالي في تراتبية النمو النفسي والتطور في الأحداث.

"أحلام صغيرة كبيرة" تم نشرها إلكترونيا ولم أندم ولاقت الاستحسان من القُراء، وكانت عن فتاة تتحسس طريقها في العالم وتتمنى لو تتحول إلى فراشة وتكشف أسرار الناس وقد آمنوا أنها مجرد فراشة وعقلها عقل فراشة. وبعدها "عانس مع سبق الإصرار" وتم نشرها إلكترونيا أيضا، وكانت عن فتيات أتممن الدراسة الجامعية والحياة تفتح لهن ذراعيها لكنهنّ أدرن الظهر لكل السائد وقاومن العادات والتقاليد بحثا عن الحياة بمنظور مُعاصر. ثم "زوجة ابن مسالمة جدًا" وكانت إشارات صريحة لطبيعة العلاقات المتوترة بين جيل الحماة وزوجة الإبن. ورغم النجاح والتفاعل الشديد الذي حصلت عليه شخصيات الرواية من تعاطف ومحبة وترقب لتفاعلهم مع بعضهم البعض، تفاعل القراء، بل تم نسخ الروايات في منتديات كثيرة دون ذكر اسم المؤلف. وكانت فترة بداية للنشر الورقي، ودفعة نحو كتاب يحمل اسمي، وعمل جديد بجهد أكثر وأفكار أعمق وتناول أكثر جدية. كانت تجربة حماسية ومهمة بالنسبة لي.

- كيف ترين مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

بعض الأفلام تقوم القصة على مجموعة أفكار يتم شحذ حماسة البطل بها كي يتحرك نحو الخصم في المعركة وينتصر بضربة قاضية. وأفلام أخرى تقوم على فكرة الصراع بين الخير والشر، أو انتصار الضعيف لأنه صاحب قِيم وعنده مخزون نفسي هائل لا يقل عن قوة العضلات اعتمد عليه في خوض الصراع والاستبسال، فكيف سيحدث هذا، أو أن تُبنى أي فكرة سينمائية دون تخطيط وترتيب ومُراجعة مُخلصة؟

إن المادة الفيلمية، والأغاني، وأفلام الحركة كلها مبنية على قيمة، وحتى الإعلانات تحكمها الفكرة. فلن يحدث أن يتخلى العالم عن أسلحة الحضارة الأولى "الورقة والقلم" ودون هذا سيكون محتوى الثقافة المُصورة مجرد فوضى وعبث، أو أسوأ من هذا، ومنتجي هذه المواد لن يسمحوا بمثل هذه الخسارة، حتى لو اضطروا إلى مزيد من العمل والثقافة في الكواليس كي يخرج العمل بشكل مُرضٍ يقبل الرهان عليه.

- كيف تنظرين إلى واقع النقد في العالم العربي؟

قد يظن بعض القراء أن النقد مجرد مرايا عاكسة، لكن هذا يظلم الناقد كفنان حقيقي ذي بصيرة نافذة لا يقل في الإبداع عن الفنان الأول صاحب العمل الأدبي، ولا يُمكن الإشادة بالنقد على حساب الأدب أو العكس، لأنهما يكملان الصورة معًا. وفي المشهد العربي تجارب تحتاج إلى دواوين لإحصائها ورصد حثيث للأدب العربي والغربي على حد سواء، وهناك احتفاء ورعاية للأدب العربي والنقد كذلك بصورة مُرضية. رغم ان الناقد بالطبع قد يغلب عليه الهوى في اختيار ما يليق بالبحث والتأمل؛ إلا أن هذا لا ينفي أبدا خصوبة تربة النقد في العالم العربي وانفتاحه بشكل كبير ومنذ سنوات طويلة. فهو يتحول من القوي إلى الأقوى والأكثر عُمقًا وثراء.

رُبما سأبدأ في توجيه اللوم للجميع إذا ما كان حظ الرواية في النقد أفضل حالا من القصة القصيرة والشِعر وقصيدة النثر. لا بأس من قليل من الانتظار..

- إلى أيّ حدّ تعتبرين أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟

لا أميل إلى اللوم وتوجيه الاتهامات، وأعتقد أن ما حدث ليس تقصيرًا من النُقاد، وربما التقصير سببه أنا، لكن بعد أن يصدر العمل الجديد؛ وسيكون الروائي الأول مطبوعًا؛ رُبما سأبدأ في توجيه اللوم للجميع إذا ما كان حظ الرواية في النقد أفضل حالا من القصة القصيرة والشِعر وقصيدة النثر. لا بأس من قليل من الانتظار..

- كيف تجدين فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟

كل الوسائل الإعلامية تعمل لصالح الرواية، سواء الترويج عبر الصُحف الورقية أو الإلكترونية، التواصل الاجتماعي والمسابقات الأدبية العديدة والمعارض المحلية والدولية. بالطبع كل هذا من شأنه خدمة الرواية.

- هل تحدّثيننا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟

الثورة التي حدثت بمصر، وما تبعها من ثورات على الأنظمة العتيقة كانت صاحبة الفضل في إشعال الحماسة، ولأنني مُولعة بتناسل الأفكار وارتباطها في الظاهر والباطن، فأعتقد أن خط التوالي الرفيع، ونبض الثورة في عروق كل ما أكتب الآن ومنذ بدأت الكتابة.

كل شيء أكتبه أتحمل مشقة كتابته وثِقل الحِمل، ودون هذا سيكون الفن هُراء وخداعاً مثل أي سلعة رخيصة الثمن تفي بغرض مُعين وبعده تفقد قيمتها.

- إلى أيّ حدّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

لن أُصدق الاتهامات حول الجوائز والمُحاباة وغيره من الاتهامات، لأنني لا أعتبر الإبداع غير قابل للوزن أو القياس، وكل تجربة إبداعية جديرة بالاحتفاء والرعاية والدعاية، وإذا قبلنا بالعكس فسيكون هناك دائما طرف مظلوم يُعاني هضم حقه، وأنا لا أُناصر هذا الاتجاه، بل يجب أن نقبل برأي لجنة الجائزة مهما كانت، كأي حُكم قضائي، ومن لا يقبل بهية التحكيم في الجائزة لا داعي لأن يدفع بعمله إلى ساحة المُنافسة منذ البداية. فالتنافس النزيه لا يعرف التشكيك، بل يجب الاحتفاء بالفائز مهما كانت الملابسات والظروف.

- كيف تجدين واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

لا أعتقد أن الترجمة في كل المجالات وخاصة الأدب قد تراجعت، وهذا ينطبق على الترجمة من لغة أجنبية إلى العربية، لكن العكس فهو مجهود ضئيل، ويبدو أنه شاق أيضا، فأنا درست الأدب الإنجليزي واعتدت كتابة نصوص طويلة من وحي المؤلفات التي كنا نعكف على دراستها، لكن قاومت أن ألعب الدور المزدوج في كتابة النص ذاته بأكثر من لغة.

- يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعرين بهيمنتها على أعمالك؟ وهلّ تحدّ من إيصال رسالتك الإبداعية؟ وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

عندي رقابة ذاتية تشكلت بوعي، وكي لا أسقط في شرك الصراعات الداخلية أولا، أبدأ بحسم الجدل مع نفسي وقت الكتابة، وقد يظهر هذا في بعض الغموض والالتباس خاصة في النصوص القصيرة من النثر أو القصص القصيرة، لكن الرواية لا تحمل هذه الرفاهية، بل يجب أن أكتب في الهواء الطلق دون مِظلة أحتمي بها من المطر أو الغبار. ووقت الكتابة لا أهتم بالرقابة أو السلطة، وقد لا ترد في خاطري، لأنني لست في نزاع مع أحد، ولست بصدد الدفاع عن قضية، وفيها مُتهم ودفاع وهيئة تُصدر الأحكام، ولو شعرت للحظة وقت الكتابة أنني أكتب تحت ظل هؤلاء لتركت الكتابة فورًا، فلا أتذكر أنني ألغيت نصًا، أو تبرأت من عبارة كتبتها، أو قطعت دفترًا. كل شيء أكتبه أتحمل مشقة كتابته وثِقل الحِمل، ودون هذا سيكون الفن هُراء وخداعاً مثل أي سلعة رخيصة الثمن تفي بغرض مُعين وبعده تفقد قيمتها.

- ما هي رسالتك لقرّائك؟

حُب الفن بصوره كافّة، وأنّ الحياة تجربة جديرة بأن نحياها.

الرواية نت - خاصّ

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم