يتناول الروائي السوري الكردي الشاب علي عبد الله كولو (ابن الجزيرة السورية) في روايته "السجين" الصادرة مؤخرًا عن دار "نون4" السورية، العلاقة الشائكة بين الضحية والجلاد.. بين الإنسان "السجين" بما يحمل من حب واحترام وأحلام ورغبات، وبين الاستبداد الوطني "السجّان"، والذي يتمظهر في أشكال عديدة أمنية وسياسية وايديولوجية واقتصادية.. ليمارس سلطته في القهر لكل ما ينتمي للسمو والجمال وللأكثر حميمية وصلة بإنسانية الإنسان. وفي باكورة أعماله الروائية يؤكد الشاب القادم من عالم القانون والدفاع عن حقوق الانسان إلى عوالم الأدب والرواية أن أسوأ السجون على الإطلاق هو "سجن الذات" الذي يدفعها الخوف والفقر والأذى إلى الرضوخ والانغلاق لتتحول إلى صورة هي ألصق بصورة المستبد الذي عاث بالأرض فسادًا. "الرواية نت" التقت علي كولو فكان لنا معه هذا الحوار..

في بداية حديثنا معه يقدم علي كولو نفسه لقراء "الرواية نت" قائلًا: أنا من قرية "أبوجرادة" التابعة لمدينة "الدرباسية" في محافظة الحسكة، درست الابتدائية في قريتي والإعدادية والثانوية في مسقط رأسي و"عامودا"، وتخرجت من كلية الحقوق –جامعة دمشق- العام ٢٠٠٢. ولي كتاب مطبوع باللغة الكردية في ٢٠١٤ عن الأمثال الكردية وأكتب الشعر باللغتين الكردية والعربية. وأما عن باكورته الروائية "السجين" الصادرة عن "دار نون4" السورية بحلب/ تركيا، فيقول: إن الرواية أي رواية كانت تتناول قصة طويلة لمأساة أو حُب أو وضع سياسي معين وأمور أخرى كثيرة وفي رواية "السجين" التي تقصدتُ كتابتها بالعربية ليفهما القارئ العربي بالإضافة للكردي الذي لا يرى صعوبة بقراءتها حاولت أن ألقي الضوء على فترة زمنية مظلمة في حياة السوريين عامة والكرد خاصة وماعانوه من آلة البطش المقيتة لمجرد مطالباتهم بحقوق يُفترض أن يتمتع بها البشر عامة وقد حاولت منذ أربعة عشر عامًا حين كنت طالبًا في الجامعة أن أكتب هذه الرواية ولم أفلح وشاءت الأقدار أن أكتبها وأنا لاجئ علمًا أنني لم أحس أبدًا وأنا في سوريا بأن لي وطن كونه كان مُصادرًا من تلك الطُغمة الحاكمة. تجسد رواية "السجين" المعانة السورية عامة والكردية خاصة في نهاية تسعينيات القرن الفائت تحت حكم الأسد الأب وتحكي قصة عائلة سجين سياسي كردي وما عانته من ضغوط في مختلف المجالات. وقد افتتحت الرواية بمقدمة كتبها الأديب السوري إبراهيم اليوسف، ومما جاء فيها: "يغامر الكاتب علي كولو في باكورته الروائية "السجين" من خلال توجهه إلى فضاء المكان، ليس من خلال الاستغراق فيه، عبر متوالية مفرداته، وإنما من خلال استقراء سيرة كائنه، ضمن لحظة زمنية محددة، هي- في الأصل- امتداد لأزمنة سابقة عليها، تتفاعل معها، وتؤثر فيها، عبر فعل صيرورة الراهن، بكل محمولاته، مادمنا أمام وحدة زمنية متكاملة، يتفاعل فيها الحاضر مع الماضي، وهما يؤسسان للمستقبل ذاته، ليكون أي تجزيء لهذه الحدود مجرد تشريح مخبري افتراضي، وهو ما يعزز الثقة بالدورة الزمنية، وفق المفهوم العلمي، كحاضنة كبرى، تتشابك، وتندغم، مع جزئيات تفاصيل الحياة، بل وتدخل ضمن معادلات تحولاتها السرمدية."  ظلال عقود من الطغيان والعبودية.. ويرى اليوسف أنه "إذا كانت الرواية تتناول مرحلة أواخر عقد تسعينيات القرن الماضي، بينما كانت سوريا تواصل غليانها في حوجلة الدكتاتور حافظ الأسد، عبر سلسلة حوادث يتفاعل معها شخوصها، فإن ظلال عقود الطغيان والعبودية لا تفتأ تظهر على نحو واضح، لتعمم المعاناة، رغم تصاعدها في المحيط الكردي، باعتبار أن آلة الاستبداد العام، تدأب على مواصلة مهمات محو هوية هذا الإنسان، عبر مشروعات موغلة في قبحها، وبشاعتها، من خلال منعه من لغته، كأبسط حق مشروع له، ناهيك بعدم الاعتراف الكلي بوجوده، بالتساوق مع فرض سياسات الإفقار بحقه، ضمن متوالية المحو، والذوبان، والصهر، المفترض، ولعل أسرة جوان إحدى ضحايا هذه السياسات". تتعدد السجون في رواية علي كولو ليكون الوطن سجنًا والدين سجنًا والفقر سجنًا وكذلك الموروث والعادات والأماكن والناس والأشياء جميعها سجونًا تضع في غيبة زنازينها كل ما هو إنساني حقيقي وأصيل في هذا العالم. وهو ما يدعونا لسؤال الروائي الشاب كيف يرى الخلاص الفردي والجمعي لأصحاب وطن صار سجنًا؟ فيقول: لا خلاص فردي بدون خلاص جمعي فكل المهاجرين عن الوطن لا يحسون بالخلاص والحرية مادام لهم أهل في ذاك السجن الكبير (الوطن) والخلاص الجمعي يتحقق برحيل وسقوط من قتل وهجّر شعبنا وأذاقه الويلات. وعما حققه علي كولو في عمله الروائي هذا من إضافة للقارئ السوري خاصة والعربي بوجه عام، يجيبنا: إن القارئ هو من سيقرر ذلك، أما أنا فأرى بأنني قدمت للقارئ السوري والعربي معاناة الكردي السياسية والمجتمعية وما كان يعانيه من قيود مكبلة بقيود بأسلوب أدبي بعيدًا عن جفاء الكلام السياسي. ونسأل صاحب "السجين" عن الهواجس التي تحرك قلمه، ولماذا يكتب الرواية، وما الذي ينتظره من كتاباته؟ فيقول: الهواجس التي تحرك قلمي هي: الحب والخوف، الإرادة والمستقبل المُنتظر والحاجة لوطن لا يخاف فيه الطفل من شرطي المرور، أما لماذا أكتب؟ أكتب لحض العقول والقلوب للتعبير عن الذات والرأي دون خوفٍ من سلطانٍ أو رقيب وأنتظر الشمس، أنتظر شروق الشمس وآمل أن تشرق قبل أن تغيب شمسي. وعن انعكاس الحال السياسية التي نعاني منها الآن ونعيشها في سوريا على كتابته، يؤكد مُحدّثنا، أن الكاتب هو ابن بيئته وأن كل مايجري على الأرض يؤثر فيه لذلك يرى قلمي حزينًا وساخطًا لما يعانيه شعبه. وبسؤاله هل أن كشف المستور أو الحديث عن المسكوت عنه أو كسر التابوهات، هي ثيمات فكرية تتوارى خلف بنائه الروائي؟ يجيبنا: "ارحلوا عن سماء حريتنا/ ودعوا المطر الأخضر يهطل/ أبعدوا عنا غيومكم السوداء/ التي ترسل إلينا القطران/ ودعونا نزرع حقولنا/ بالقمح والسكر". هذا مقطع من قصيدة نشرتها في العام 2006 في عدة مواقع إلكترونية كردية فأنا دومًا أتعرض للمسكوت عنه ولا أدعي شجاعة نادرة بل أنا مؤمن بأن كل ما أملكه هو هذه الروح ولا يأخذها إلا مَنْ منحها. وعما إذا كان يفكر بالانفتاح على أجناس أدبية أخرى وطرق أبواب تعبير مغايرة، بعد أن كتب الشعر إلى جانب الرواية، يشير إلى أنه كتب المقالة الاجتماعية والسياسية كما كتب تحقيقات صحفية عديدة عن اللاجئين السوريين في تركيا لجريدة "كلنا سوريون"، وأنه لم يشف غليليه إلا عندما نزل للشارع وصرخ بأعلى صوته (الشعب يريد أسقاط النظام)، قائلًا: كان هذا أصدق وأجمل أسلوب للتعبير عن خلجات النفس.  أتمنى أن تصبح الرواية "ديوان الكرد".. يؤكد علي كولو أنه لازال يكتب القصيدة كلما ناداه القلم، أما الرواية فأنها –كما يذكر- تعطيه مساحة أوسع للتعبير وتوصل كل مايريده للقارئ، مضيفًا: حبذا لو تصبح الرواية "ديوان الكرد" كما هي "ديوان العرب" اليوم. وحول ما إذا كان بإمكاننا القول إن هناك "رواية كردية"، يرى علي كولو أن قُراء الكردية قليلون جدًا -للأسف- لذلك الكثير من الكتاب يتوجه للكتابة باللغة التي يقرؤها القارئ، مشيرًا إلى أن لدّيه الرغبة والأرادة لترجمة روايته "السجين" للكردية مع علمه بأن قراءها سيكونون قليلين جدًا، وهو ما يدعوه للقول إنه "ليست هناك رواية كردية". وعن أثر عيشه بين ثقافتين العربية والكردية وإلى أي مدى أثر ذلك في اثراء تجربته الأدبية؟ يجيبنا: إلى المدى الذي إن قرأ أحدهم قصيدة لي بالعربية سيقول بأن كاتب القصيدة عاش حياته حتى الآن بين الثقافة العربية فقط، وإن قرأ قصيدة لي بالكردية سيقول بأنه عاش حياته حتى الآن بين الثقافة الكردية فقط. أي أني أحس بأنني مشبع من الثقافتين وكلتيهما غنيتان بحيث جعلتا مني شخصًا واثقًا من امكانياته الأدبية. وعن قدومه من عالم القانون والمحاماة إلى عالم الأدب، يشير إلى أن مهنة المحاماة هي الأقرب للشعب من باقي المهن والمحامي إن كان يملك ضميرًا فسيكون متظاهرًا وثائرًا ومعتقلًا ومدافعًا عن الحقوق، والكتابة في أي مجال هي موهبة ويبدو بأن القلم يحبني كما أحب تراب قريتي ووطني. وأما أهم الكتب التي أثرت به، فيقول: الأهم كتاب "أمة في شقاق" لمؤلفه جوناثان راندل، وديوان الشعر لشيخ المتصوفة الكرد الملا الجزيري، وقصة "ممو زين" لمؤلفها أحمد خاني، بالإضافة لكل قصائد جكرخوين ونزار قباني. وعن مدى تأثير الانتماء لقوميته الكردية على مواقفه من مجريات الأوضاع بالبلد؟ يوضح أن قوميته هي قضيته المتوازية مع القضية السورية عامة، مضيفًا: لقد كنت ولازلت أعتبر دمشق مدينتي كما "الدرباسية" مدينتي ولا ألتفت للتصرفات والتصريحات الغير مسؤولة التي تصدر عن البعض وأؤمن بأن حل القضية الكردية سيكون في دمشق. وبسؤاله عن المدى الذي تمكن فيه من الخروج من "الانتماء الدموي" و"الانتماء للمكان"، وكيف استطاع أن يكون كاتبًا متحررًا من كل هذه الانتماءات ومنفتحًا على العالم؟ أجاب: إلى المدى الذي أكتب فيه عن الياسمين الدمشقي بعشق وشغف كما أكتب عن سنابل القمح في قريتي بنفس السوية من العشق، إلى المدى الذي أحترم فيه معتقل الرأي العربي كما أحترم معتقل الرأي الكردي فكلاهما يفنيان جسدهما لأجل قضية يؤمنان بها. ويؤكد علي كولو أن الكاتب يبقى محصورًا في ظل تمدد الاستبدادين الديني والسياسي كون المجتمع محكوم بهما، كما يبقى الكاتب يكافح في المنطقة الضيقة لشحذ الهمم والدفع نحو مستقبل متحرر لا مكان فيه لإكراه على دينٍ أو توجهٍ سياسي معين وفي أحيانٍ كثيرة لا يحس المجتمع بقيمة ما يطرحه الكاتب إلا بعد موته. وتسأل "الرواية نت" الروائي علي كولو هل أن الأدب السوري (الشعر - القصة – الرواية) ارتقى في السنوات الخمس الماضية إلى مستوى الزلزال المدّمر الذي تشهده البلد؟ فقال: مئة رواية أو قصة أو قصيدة شعرٍ لا ترتقي لموت طفلٍ ببرميلٍ متفجر أو إغتصاب فتاةٍ أو قهر رجل. وعن رأيه في مقولة إن "الرواية تحكي ما لم يقله التاريخ" وماهي الحدود الفاصلة بين الكتابة الروائيّة والتوثيق أو التأريخ؟ أجابنا: نعم، تقول الرواية ما لا يقله التاريخ. فالرواية يكتبها رجلٌ أو امرأة بإحساس الشعب أي تنقل الرواية الحقيقة التي لا يقولها التاريخ أما التاريخ فلا يكتبه ويسطّره إلا المنتصر وعلى مقاسه ومصالحه. وأما عن دور الكاتب اليوم، فيري علي كولو أن الصراخ هو أسلوب الضعفاء والمثقفون بجميع مشاربهم ضعفاء في الحروب لأنه عندما تتكلم الرصاصة يصبح دور العقل والكلمة هامشيًا، وللأسف دور الكاتب في محنتنا هذه ليس بالشكل المطلوب لأن الرصاصة سيدة الموقف ولأن الكُتاب أنفسهم لم يتفقوا على موقف موحد بعد. وبسؤاله لماذا لم يستطع المثقف الكردي التأثير على المشهد السياسي الكردي؟ أجابنا: الكرد في سوريا مسيسون تقودهم أحزاب بقيادات هرمة تخاف من الشباب والتجديد وبخاصة تخاف من المثقفين، لذلك ترى معظم المثقفين لادور لهم. طبعًا هنالك الكثير من الطاقات الشبابية ضمن هذه الاحزاب وتريد التغيير إلا أن مساحة تحركها محدودة ومقيدة بسبب تحكم القيادات بمعظم مفاصل القرار. وعن حال أكراد سوريا اليوم، بعد خمس سنوات من الثورة السورية، يرى مُحدثنّا أن الكرد دومًا في شقاق لذلك ترى الجميع يظلمهم وقبل الجميع هم يظلمون أنفسهم لذلك مادمنا مشتتين ونظلم بعضنا فلا أنتظر الرحمة من أحد إلا من الله. وأخيرًا؛ نسأل الروائي السوري الشاب علي كولو عن رأيه في من غلّب مصلحته وطموحاته الصغيرة على مصلحة الوطن والشعب والشارع الثائر ضد الظلم والطغيان، فيقول: كلنا خرجنا من خاصرة هذا الوطن هذا يعني بأننا أبناء هذا الوطن والابن الذي يغلب مصلحته على مصلحة أبيه أو أمه فأما أن يكون معتلًا عقليًا أو عاقًا.

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم