عمان – صدر بدعم من وزارة الثقافة رواية "الصدع" وهي الرواية الأولى للروائي والكاتب عاصف راجح، وهي ضمن إبداعات سلسلة كتب شهرية تصدر عن وزارة الثقافة. واعتبر الكاتب في حوار مع "الغد" أن مكونات الرواية "تشكلت منحوتة"، قائلا: منذ ان بدأت القراءة في سن مبكرة، وانا أحلم بكتابة عمل فني ذي قيمة، وبما أن أغلب قراءاتي كانت روائية فقد آمنت بها في أعماقي، فذاكرتي محملة بالمراجع الغزيرة، واستحضرت الفكرة على حين غرة في العام 2009".

ولفت إلى أنه قام بكتابة جزء من المخطوطة، ثم توقف لظروف، وقد أخذه القلق من الشخصيات إلى أبعد حد، لأنه كان نادراً ما يخرج، أو يلتقي بأي أحد، وخاف من أن تكون الشخصيات نسخة عنه فقرر أن يتركها تنمو وتستقل وحدها، وبلغت الأمور حدَ أنه يستطيع النظر إليها من بعيد، والتفاعل معها دون فرض أي رأي شخصي. وحول الدلالة التي بدأت بها الرواية "التفاح وتدحرجها على الأرض والتقاطها من قبل الرجل"، قال "بداية النص في أي عمل روائي، هي ليست البداية، ولا نهايته، يمكن أن أعتبرها نهاية، للرواية زمنها الداخلي المختلف عن الزمن القياسي، وهي مجرد استهلال، لمشاعر عميقة وقديمة، منذ الأزل، لكن على الورق، هذه المشاعر خارجة عن الزمن ولا تتقادم أو تموت أنظر للأشياء من منظور خاص فقط، منظور روائي.

وعن الموت في مواجهة الحياة، والموت المسيطر على أجواء النص، قال: للزمن الدائري سيطرة أكثر، خاصة أني اعتبر الموت نوعاً من الاستمرار، فالرواية، تقتطع زمنها متفوقة على الموت والحياة وتراتب الزمن. في الواقع، أناس المدينة تم استثمارهم، موتى وأحياء، لقد رأيت الموت والحياة متساويين في أوقات ما من حياتي، ولم أستطع التفريق بين الميت والحي، ولنقل بين الواقع والخيال. وأشار الى أنه لم يستطع التفريق بين الحزن والفرح، وكلاهما، يتم استغلالهما في صيغة استهلاكية تمثل روح هذا العصر، لذا فضل أن يعرض علاقة الموتى بالأحياء، في قلب الحياة اليومية، يتصور أن الموتى يستطيعون أن يعبروا عن رأيهم أيضاً!. من خلال الأحياء مثلاً، أو العكس، أو بأي صيغة مجازية أخرى. ورأى راجح أن المدينة تنبض بالمفارقات واستغلال المناصب، ولم تخطر بباله كلمة رصد، وقال: لو قمنا بانتزاع الشخصيات الروائية من قلب الروايات وتركناها تعيش في الحياة اليومية، فإنها سوف تفضل العودة من حيث أتت، لم أعتمد على مثال حي بصراحة، بقدر ما اعتمدت على رؤية عميقة ومختزلة لأي فكرة تفرزها أي سلطة عبر التاريخ، وهي الفساد، والاستمرار في مطاردة الزمن دونما طائل، ولربما اخترت أن تكون هذه الفكرة مجرد روح، والشخص الذي سوف تتمثل فيه، هو القالب، تماماً كما في شخصية حيدر المالح، الضخم، المتسلط، صاحب المنصب، العنيف. وحول الإضافة التي يعتقد انه سيقدمها للساحة الإبداعية الأردنية رأى المؤلف أن "فكرة الكتابة في حد ذاتها هي إضافة"، لافتا الى انه يعتبر نفسه من الحالمين الكبار، منطلقاً من أن الخيال واقع مكثف، ويحلم بأن تحل الروايات محل القوانين يوماً ما!. بعمق وروح، وفضاء أكثر رحابة، كل ما يمكن تقديمه من خلال عمل روائي، هو مجرد إشارة، إلى شيء ما، ومكان ما، وفكرة ما، تأخذ كلها القارئ إلى مكان أبعد، وتحفزه على طرح الأسئلة الكبيرة ربما، وتجعله يعيش حيوات أخرى، غير حياته الواحدة المزعومة.

وحول الواقع والتصاق الكاتب به، هل يخدم أم يضر الكاتب والنص، بين أنه لا يعرف أين يكمن ذلك الحد الفاصل بينهما، ومن منهما يعتمد على الآخر في لحظة ما، وبواقع تجربته، فإن الروائي بالتحديد، يجب ان يضيف بعداً ما إلى الواقع، خاصة الواقع المرتهن إلى حدود ما، جغرافية كانت أو ثقافية أو سياسية وأخلاقية وإلخ، ولا تتم هذه الإضافة سوى عبر الخيال، الذي يمكن في وقت ما لاحق، من زمن القارئ، أن يلتحق هذا الخيال بالحياة، بصفته واقعاً جديداً". وعن دور الثقافة ومساهمتها في كتابة روايته اعتبر أن الثقافة هي "تعامل مع مفردات الحياة كلها، ودور الثقافة في الكتابة، انها تعطي قدرة على التسلح بخيالٍ جارف، في مواجهة الصفحة البيضاء، و"لربما أعطتني حرية في الاختزال والتجريب كذلك، على صعيد الأسلوب والسرد". وتحدث راجح عن منابع ثقافته الاولى قائلا: "أول منبع كان قراءة كتاب قمت بسرقته من مكتبة خالتي وكان عمري سبعة أعوام، وكنت أحارب بهذا فرض النوم الذي كنت مجبرا عليه في فترة العصر، بعد ذلك كانت مكتبة البيت الصغيرة التي لم تزل موجودة حتى اليوم، فأبي وأمي قارئان بكل حال، ومن ثم أصبحت منابع الثقافي تمتد إلى الحياة اليومية وما تحمله من منابع طبيعة ومكوناتها. وذهب الى أن الموسيقى من أبرز المنابع الثقافية مثل "موسيقى تشايكوفسكي، وموسيقى، الروك خاصة تلك من فترة السبعينات، والسينما، من الكتب والصحف بكل أنواعها، من حكايا الأحياء والموتى". واعتبر أن الثقافة ليست هي تلك التي يتم توجيهها إلى الكتلة الجمعية من الناس، في صيغ نشرات إخبارية وبرامج ما كثيرة، وحروب ينتج عنها تضخم الإعلام وتطوره على حساب العقل البشري. وأضاف "يكفي أن نحاول الإبطاء، والبحث، والقلق، حتى نعثر على ما يثري ثقافتنا. منبع الثقافة هو الوجود بحد ذاته".

غلاف الرواية "الصدع" للروائي عاصف راجح - (من المصدر) عن صحيفة الغد

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم