حظت رواية الكاتبة السعودية سالمة الموشي «يهودية مخلصة» باهتمام كبير، وحققت مبيعات عالية، إذ بيع منها حوالى 900 نسخة في معرضي جدة والرياض للكتاب. وتأتي رواية الموشي بعد كتابين نقديين «الحريم الثقافي» و«نساء تحت العرش». الموشي، التي تخصصت في التاريخ والحضارة في جامعة الأميرة نورة بالرياض، عملت في الصحافة ثم توقفت لممارسة الكتابة اليومية في عدد من الصحف. لدى الموشي كتاب عن سياسة الملك فيصل الخارجية لم ينشر بعد وعدد من الدراسات في مجال حقوق المرأة. وهي أيضاً مهتمة بالأدب النسوي، وقدمت في هذا المجال ورقة عمل بعنوان «ذهنية الحريم في السرد وغياب القضايا الكبرى»، في النادي الأدبي بالرياض، وكذلك ورقة عمل عن الحركة النسوية وغيابها في السعودية. وحاصلة على تدريب في دعم وتعزيز قدرات المرأة في حقلي الإعلام الإلكتروني من المعهد العربي لحقوق الإنسان ومؤسسة كونراد اديناور في الأردن، وتعمل حالياً في مجال الاستشارات والتدريب ومتفرغة للكتابة في صحيفة الوطن... «الحياة» التقتها وحاورتها عن روايتها ومواضيع أخرى، فإلى نص الحوار: > حصلت رواية «يَهودِيّة مُخَلِصة» على مبيعات عالية بحسب الدار الناشرة، هل كان لجدلية الاسم دور؟ - قد يكون عنوان الرواية «يَهودِيّة مُخَلِصة» له دور، إضافة إلى أن لي قراء ومتابعين، كما أن هذه الرواية الأولى بعد كتابين نقديين سابقين، فكان هذا بمثابة مفاجأة مختلفة، ويظل الحكم على الإقبال على أي عمل أدبي عائداً إلى المتلقي والقارئ وتوجهه وليس إلى الأكثر مبيعاً. > روايتك تمثل مأساة إنسانية يمكن أن تتكرر في أي مجتمع، لماذا اخترت أن يكون اليهود هم المسرح الاجتماعي لقصتك؟ - الرواية ليست تاريخية ولا تتحدث عن هولوكوست اليهود، وإن كان هناك إسقاط لمعنى هولوكوست، فهو إسقاط على حياة الإنسان والألم الإنساني في بعده الكلي، وليس حصراً على شعب بذاته. الفردي وليس الجمعي هو محور الرواية وليس اليهود بوصفهم جماعة بل شكل وسياق حياة البشر داخل الديانات، وفيها أطرح حياة شخوص مختلفين عاشوا التيه الروحي وسقطات الإنسان في العدم واللامعنى. > هل تنطوي الرواية في المجمل على صرخة المرأة الناقمة على منتقصيها من كل جانب؟ - لم أتطرق إلى هذا المعنى بالمعنى الحقوقي للمرأة، فالرواية تدور في سياق روحي وحكائي للغوص في عذابات الروح، التي تتوق إلى الخلاص والحقيقة والحرية والحب، وهي مطلب للروح الإنسانية وليست حصراً على رجل أو امرأة. > ما الذي تأملين به لروايتك «يَهودِيّة مُخَلِصة» في المرحلة المقبلة؟ -إنني قبل كل شيء أثق بذائقة القارئ والمتذوق للفن الروائي، وأترك للمتلقي أن يجد في الرواية ما يلهمه وآمل بأن تصل روايتي إلى العالمية. > قلت مرة إن كتابك «الحريم الثقافي» لم يجد ما يستحق من الاهتمام وتمكينه من الإسهام في الفعل الثقافي، لماذا؟ - بداية هل بإمكاننا أن نتصور الكم الهائل من النتاج الأدبي النسائي أين أصبح وهل أحدث تأثيراً في الحركة الأدبية؟ ولماذا رضي بمكانته على الهامش ولم يتمرد عليها أو يغيرها؟ هذا التساؤل كان حاداً ومباشراً في كتابي، فليس من طريقة لتفاديه إلا بتجاهله، وهذا ما حدث. ولكن على الجانب الآخر فإن الكتاب «الحريم الثقافي» وجد اهتماماً كبيراً من الباحثين الجادين سواء بالمشهد الثقافي المحلي أم بالوطن العربي، ولكننا نحتاج إلى كثير من التحرك النقدي الجاد ليحدث التغيير وتلقي النقد على أنه فعل موازي لكل حركة ثقافية. > هل كان اتجاهك إلى الرواية بعد عملين نقديين، هو البحث عن حضور وشعبية الروايات بعد تجربة الكتابة البحثية النخبوية؟ - بالتأكيد لا، لم يكن هذا هدفاً لي ولا الحضور والشعبية مطلباً من مطالبي. بل أجد أن لدي الإمكانات لكتاب الرواية وفي العمق أنا روائية بشكل ما، فقط كانت مسألة وقت لتظهر الرواية وذكرت أنه تنمو في ذهني حكايات كثيرة كل ما تحتاج إليه هو الورق لتتجسد واقعاً روائياً، فالرواية هي مسرح الحياة وفيها يُظهر الكاتب فكرته عن أشياء كثيرة في هذا العالم وكيف يموت ويحيا العالم في داخلنا. > كيف هي حال الإنتاج الأدبي والثقافي للسعوديات، وهل الغياب يأتي من ضعف الكفاءة الأدبية أم تغييب ذكوري وسيطرة الرجال على الذهن والواقع الاجتماعي والثقافي؟ - الإنتاج الأدبي والثقافي للسعوديات إنتاج غزير وحاضر تماماً وليس غائباً، والضعف يكمن في النوعية وليس في الكم، كما أن فكرة أن يكون السبب هو تغييب ذكوري وسيطرة من الرجال ليس حقيقياً، فالرجل لا علاقة له بما ينضج ويحدث في ذهن ووعي المرأة الكاتبة إذا كان الناشر ورئيس التحرير ومن يمرر العمل الأدبي رجالاً، فهذا لا يعني أنهم أخذوا أو أضافوا إلى العمل الأدبي إلا في حركته الخارجية، انتشاره أو ظهوره، وهكذا، أما المضمون والقيمة الفكرية فهي تخص الكاتبة ذاتها، وهي من تمتلك الاستيقاظ في مواجهة عبثية حتمية المكان والزمان الذي تحيا به. > البعض يعتبر سالمة تمثيلاً لجيل السعوديات اللاتي استخدمن الصحافة بوابة إلى الأدب، هل توافقينهم بذلك؟ - إذا كان الإنسان جاهزاً ومهيئاً فإنه ليس في حاجة إلى أي بوابات ليعبر للمنطقة التي تتوافق مع توجهه. نعم عملت بالصحافة وكانت هوايتي وليست مهنتي، في الوقت نفسه كانت سالمة الكاتبة تنضج بشكل ما على الجانب الآخر من هذه المسيرة، ولم أكن في حاجة إلا إلى أن أكتب وكفى بالكتابة بوابة كبرى، كلنا نعبر من خلال بوابات عدة في حياتنا ويظل الرهان كيف نعبر هذه البوابات. في عالم الصحافة ثمة بوابات ومقابر وطرق ملتوية وفخاخ عدة, وكل يعبرها على طريقته. > أنتِ كاتبة مقالات في عدد من منصات الصحافة، هل الكتابة الصحافية هي مجرد تسجيل حضور يومي والاحتفاظ بموقع متقدم من الحراك؟ - ربما تكون الكتابة الصحافية مجرد تسجيل حضور للبعض، ولكنها بالنسبة إلي لم تكن كذلك مطلقاً، كانت ومازالت الكتابة الصحافية هاجساً، ورسالة مهمة، وصوتاً لمن لا صوت له، ووجهت مقالاتي لفترة طويلة لخدمة حقوق الإنسان والمرأة والطفل وقضايا المجتمع، وتبنيت الكثير منها، كما إن الحراك الثقافي ليس على صلة واضحة بالحراك الصحافي، فالصحافة المجتمعية تختلف عن المشهد الثقافي والدليل أن هناك صفحات ثقافية في كل الصحف لتمثل هذا الحضور. > تنشطين غالباً في قضايا المرأة، ويقول البعض إنها قضية من لا قضية له؟ - إذا لم أنشط أنا بصفتي امرأة في قضايا المرأة فمن سيهتم؟ بالتأكيد كل امرأة تمتلك قدرة الكتابة ومنبراً وصوتاً عليها أن تكتب وتطالب وتسهم في كل قضايا النساء، ولكن مقولة أن قضايا المرأة قضية من لا قضية له تنطبق بشكل عملي على كل رجل «نسونجي» لا أكثر، وكل مستشرف، وكل مدعٍ حماية الفضيلة، وكل المتسلقين المتزلفين للتقرب من المرأة، وليس لتبني قضايا المرأة أو نصرتها، لأن هؤلاء، الذين ذكرت، هم في حقيقتهم من لا قضية لهم باستثناء خدمة أسمائهم والاشتهار على حساب قضايا النساء. > ثمة جانب يثير سخرية البعض، وهو أن ملف المرأة عندنا في عهدة الرجال، هل هو استمرار لسيطرة الرجل أم ظروف المجتمع الخاصة؟ - من سخريات القدر أنه بالفعل كذلك، وحقيقة أن ملف المرأة يديره ويسيطر عليه الرجل هو استمرار حقيقي لسيطرة الرجل في مجتمعنا وللمنظومة الاجتماعية، التي أباحت له كل الأدوار وخلقت خصوصية ظالمة حرمت المرأة من المشاركة في القرارات المصيرية أو حتى توجيهها، والأمثلة كثيرة وما عليك إلا أن تنظر حولك لترى أن كل ملفات المرأة صاحب القرار فيها هو الرجل، ولعل من المضحك المبكي كمثال على هذا ما حدث قبل أيام في الدورة الـ60 المنعقدة في الأمم المتحدة، إذ إن اللجنة، التي تمثل المرأة وملف قضايا المرأة السعودية، كان المتحدث فيها رجل على رغم وجود وفد نسائي، كما أن الوفد النسائي أيضاً كان من اختاره هم رجال ليشكل فئة خاصة تخدم توجههم، الذي يبدي تحفظات كبرى في شأن أدق تفاصيل حرية المرأة لدينا. > ما هي الحاجات الملحّة للمرأة في واقعنا؟ - واقعنا هو حياتنا والحياة لها متطلبات حقيقية وليست مجرد حاجات، ولن يكفي أن أضع قائمة بهذه المتطلبات لحصرها لأنها في الواقع شكل حياة كاملة، وطريقة حياة، وأسلوب حياة والكثير الكثير من التغيير الحقيقي ليس في الخارج أو المظهر أو الصورة الكلية لنمط حياتنا بل في العمق، وفي التفاصيل، وفي كل ما يتلقينه النساء من تعليم، وكل ما يحصلن عليه من امتيازات وحقوق المشاركة في صنع القرار، وفي التمكين الحقيقي للتغيير، فهي ليست حاجات ملحة بل مطلب حياة كاملة تليق بكل امرأة في هذا الوطن. > في رأيك، من هم خصوم قضية المرأة في المجتمع العربي: الذكورية، أم التقاليد، أم الفهم الخاطئ للدين؟ - الذكورية والتقاليد والفهم الخاطئ للدين نعم كل هذا الثالوث أحدث جروحاً عميقة في حياة النساء وحكم حياتهن بشكل قاسي، كأنما صٌلبن عليه بتهمة كونهن إناث، فجردن من الكثير من الحقوق ومن الإنسانية، وضُيق عليهن قسراً وحوصرن بكل طريقة وبمباركة المجتمعات والأنظمة، التي سنت القوانين لخدمة هذا الثالوث المريع. فالنساء على امتداد الأوطان العربية يعشن الواقع ذاته بطرق مختلفة. > هل ستبقى المرأة طويلاً في خانة المدافع والمتظلم؟ ألم يحن الوقت لتشارك وتبادر من موقع الريادة؟ - نعم هي تبدو وكأنها في موقع المدافع المتظلم، ولكن الحقيقة أنها في موقف صاحب الحق فكثير من الحقوق سُلبت وغُيبت. ولكن اليوم لم تعد المرأة في خانة المدافع والمتظلم، ففي السنوات الأخيرة تغير كل شيء ولم تعد المرأة داخل الكهف، والكهف هنا بالمعنى المجازي لحجب المرأة عن الحياة ومظاهرها بل أصبحت خارجه تماماً تحت الشمس وفي قلب الحياة، تشارك بكل ما أتيح لها، وتقلدت مناصب، وأصبحت رائدة في مجالات مختلفة، لأن هذا ما يجب أن يحدث. عن صحيفة الحياة

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم