كتابة الأدب عمل حر إذ لا قيود على الإبداع ولا شيء يحد حركته وطاقته الخلاقة، لكن للكتابة معاييرها وشروطها كشرط اللغة والوعي والمعرفة والجهد، وهذه شروط ساهم التطور الإعلامي وزخم الحياة المتسارع في خفوتها ما أنتج نمطا من الكتاب والأدب التجاري الخفيف، بات يمثل خطرا على الأدب وحتى على العقل البشري.

يعتبر الروائي والصحافي البيروفي ماريو فارغاس يوسا الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 2010، من أبرز القامات الأدبية، لتجربته المثيرة التي تعد مرجعا في عالم الأدب الذي انطلق فيه بقوة منذ روايته الأولى “المدينة والكلاب”، التي نال عنها عدة جوائز منها جائزة “ببليوتيكا بريفي” عام 1963 وجائزة “النقد” عام 1998. وقد ترجمت إلى أكثر من عشرين لغة أجنبية. وتتالت أعماله الروائية، وتعددت الجوائز التي حصل عليها، وقد كان من أشهرها حصوله على جائزة ثيرفانتس للآداب عام 1994، والتي تعد أهم جائزة للآداب الناطقة بالأسبانية. مطلع العام الحالي، أصدرت دار “غاليمار” ضمن سلسلة “البلياد” الشهيرة المخصصة لعظماء الأدب والشعر والفلسفة من مختلف العصور، ومن جميع الثقافات واللغات، الروايات المعروفة للكاتب الأميركي الجنوبي ماريو فارغاس يوسا مثل “المدينة والكلاب”، و”البيت الأخضر”، و”حرب نهاية العالم”، و”من قتل بالامينو موليرو”، و”عرس التيس”. وقد علق هو على هذا الحدث الكبير قائلا إنه شعر بسعادة لم يشعر بها حتى عندما حصل على جائزة نوبل للآداب.

وكان ماريو فارغاس يوسا قد تعرف على سلسلة “البلياد” في سنوات شبابه، حيث كان يكثر من التردد على المكتبة التي كانت تديرها سيدة فرنسية في ليما، عاصمة البيرو. وباللغة الفرنسية التي تعلمها في نفس هذه الفترة، قرأ من السلسلة المذكورة أعمال كبار الكتاب والشعراء الفرنسيين أمثال فيكتور هوغو وبالزاك وستاندال وجيل فارن وألكسندر دوما وفلوبير وبروست وغيرهم.

غزو القراء

يعتقد يوسا أن الأدب لا بد أن يلفت انتباه أوسع عدد من القراء، لكن من دون أن يتخلى الكاتب عن مهارته الفنية واللغوية والأسلوبية. ويضيف قائلا “غير أنني لا أعتقد أنه على الأدب أن يتقلص إلى ناد خاص بالموهوبين الذين يتفقون في ما بينهم، ويشعرون بأنهم متفوقون على القارئ العادي. صحيح أن أعمالا مثل «البحث عن الزمن المفقود» لمارسيل بروست، و«أوليسيس» لجيمس جويس، لم تتمكن من غزو عدد واسع من القراء إلا ببطء شديد، غير أننا نعيش زمنا استثنائيا صعبا ومعقدا للغاية حيث يجد الأدب نفسه مبعدا من قبل التلفزيون وحيث يفرض على الكتاب أن يشنوا معارك لكي لا تقوم الشاشة بدفن الكتب. وأنا أرى أن كل هذا يجرّ الكتاب إلى ضرورة كسب القارئ العادي وذلك باستعمال تقنيات وأساليب لغوية تقترح نصوصا سهلة من دون التخلي عن العمق الفكري ومن دون التخلي عن الابتكارات الشكلية التي يقتضيها العمل الأدبي. وهذا ما قام به المعلمون الكبار منذ هوميروس، وحتى فلوبير، ومن دانتي حتى كافكا، ومن مونتاني، حتى فوكنر. وإذا ما كتب على الأدب أن يموت، فإنه يتوجب على الكتاب ألا يساهموا في قتله”.

لذة النص

متحدثا عن مضامين مجمل رواياته، يشير ماريو فارغاس يوسا إلى أن مواضيعها غالبا ما تكون ثمرة تجارب مهمة، أو لعلها ناتجة عن أسباب قد تكون غامضة، وغير محددة الملامح. وجميع أعماله اقتضت منه مجهودات جبارة، وأبحاثا مضنية، وعملا مجهدا طويل المدى. وفي بعض الأحيان، وجد نفسه منساقا إلى اتباع أساليب خاصة بالروايات البوليسية. وهو يعتقد أن الشخصيات والمواضيع هي التي تحدد شكل العمل الروائي. إذ يقول “إن من أفظع الأخطاء التي يرتكبها بعض الكتاب هي اعتقادهم أن اللجوء إلى الغموض هو الوسيلة الأرقى لإقناع القراء بعمقها وعظمتها”.

ويرى يوسا أن بارت كان محقا في الحديث عن “لذة النص”. فقراءة مقالة لمونتاني، أو فصل من “مدام بوفاري”، أو قصيدة “المركب النشوان” لرامبو، يمكن أن تغذي القارئ والمبدع روحيا، تماما مثلما هو الحال بالنسبة إلى علاقة حب أو صداقة عميقة تتيح لنا استكشاف ثنايا الحياة، وتضاريسها الداخلية، ولا يخفي الكاتب إعجابه بأندريه مالرو.

وعن ذلك يقول “مالرو هو واحد من عظماء الكتاب في القرن العشرين، لكنه لم يحظ بالشهرة التي يستحقها بسبب خلفيات سياسية. ومن جانبي، أنا أضع روايته «الوضع البشري» في مصاف الروايات العظيمة التي ظهرت في القرن الماضي. فالأناقة والصفاء اللذان كتب بهما أعماله حول الفن والسياسة والأدب جعلا منه «كلاسيكيا» وهو على قيد الحياة”.

ويرى فارغاس يوسا أن مسيرته الأدبية ارتبطت منذ البداية بالصحافة ذلك أنه لا يمكن للكاتب أن ينغلق على نفسه مستسلما لأوهامه وكوابيسه. ومنذ سنوات المراهقة، كانت الصحافة بالنسبة إليه وسيلة لملامسة الواقع، والالتحام بالتاريخ، ومتابعة الأحداث عن كثب. والعديد من التجارب التي عاشها من خلال الصحافة، كانت مادة للبعض من أعماله الروائية إذ أن خياله لا يتغذى فقط من قراءة الكتب، بل من الواقع المعيش، ومن حياة الناس من مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية.

الإرهاب الكوني

وعن الإرهاب الذي يروع العالم راهنا، يقول يوسا “الإرهاب ليس جديدا، بل كان دائما موجودا، غير أنه أصبح مختلفا عن أشكاله في الماضي. فقد سمحت الأسلحة المتطورة للإرهابيين بارتكاب مجازر مروعة ورهيبة. غير أن الخبر السعيد هو أن الإرهابيين الإسلاميين لن ينتصروا أبدا في حربهم، ذلك أنهم سيظلون دائما أقلية من المتزمتين، محبوسين في حصن ثقافة بدائية تفرض عليهم أن يظلوا دائما وأبدا مهمشين. إلا أن الخبر السيء هو أنه ليس باستطاعتنا أن نقهرهم بصفة نهائية، وبالتالي فإن العالم المتحضر سيجد نفسه حاملا دائما لمثل هذه الظواهر التي تقود إلى مآس وكوارث ناتجة عن التزمت الذي كان دائما وأبدا يلاحق الحضارات مثل شبح مخيف”.

حسونة المصباحي

عن صحيفة العرب

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم