جلس روبير سوليه في قاعة الندوات في المركز الثقافي الفرنسي في القاهرة، للتحدث عن روايته الجديدة «فندق مهرجان»، يجادل في السياسة حول الشأن المصري والعربي، ويستفيض في الكلام عن الأدب واحترام الآخر والحنين إلى سنوات الطفولة والشباب المبكر التي عاشها في مصر قبل أن ينتقل إلى فرنسا ويعمل صحافياً في جريدة «لوموند». أي شخص يرى روبير سوليه للوهلة الأولى ويكون على معرفة بطباع المصريين وطريقتهم في التحدث ولغتهم الجسدية في التواصل، يمكن أن يستنتج أن هذا الرجل ما هو إلا مصري صِرف يتحدث الفرنسية، وعلى ما يبدو أن السنوات الطويلة التي قضاها في فرنسا لم تغير من طبيعة الميلاد.

هنا حوار معه على هامش زيارته القاهرة. * تحدثت في كتاب لك عن أن المشاكل التي تعانيها مصر الآن لها جذورها في حقبة السادات، ماذا تعني بذلك؟ - في الحقيقة لم تكن هناك حقبة «ساداتية» على غرار الحقبة الناصرية. لقد التزم مبارك نهج السادات سواء في السياسة الخارجية أو في الاقتصاد. كذلك كان لعملية السلام مع إسرائيل أثر في ما حدث في مصر والشرق الأوسط منذ عام 1981، أيضاً لم يتم تعديل ما استحدثه السادات من إقرار للشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع في مصر. أستطيع القول أن جزءاً كبيراً مما يحدث في مصر اليوم سواء كان ذلك جيداً أم سيئاً يرجع في الأساس إلى سنوات حكم السادات. *أشرت قبل ذلك إلى تولد صحوة في ممارسة النشاطات السياسة في مصر إلى جانب انخراط الشباب في تبادل الثقافة والوعي على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، هل ما زلت ترى أن هذه الصحوة مستمرة إلى الآن، وما مدى تأثيرها في الواقع؟ - إن أحداث السنوات الخمس السابقة حثَّت المصريين على التفكير. لقد تأكدوا تحديداً من أن الانقلاب على نظام سلطوي لا يكفي لخلق نظام ديموقراطي، لكنها عملية طويلة بطيئة ومؤلمة وتتطلب إعادة فحص شاملة للبنية المجتمعية وتعلم روح النقد. يجب أن نتعلم كيف نشُك. وللغرابة أن هذا هو ما يصنع قوة أي أمة. * هل تتوقع أن يكون المستقبل القريب في مصر مصحوباً بصعود نفوذ «داعش» كما حدث في بلدان عربية أخرى؟ - يوجد في مصر قوتان إسلاميتان مهمتان: السلفيون والإخوان المسلمون (وهذا لا ينفي أنهم ضحايا الاضطهاد)، وقام بعض الحركات الجهادية في سيناء بإعلان ولاء للدولة الإسلامية؛ وقد حوربوا من الجيش والشرطة، وعلى العكس تماماً مما حدث في ليبيا، والعراق، وسورية واليمن؛ فإن الدولة في مصر لم تتفكك، ولا أعتقد أنها ستسقط تحت ضربات «داعش». *صرحت من قبل بأن توسع إسرائيل في عمليات الاستيطان داخل الأراضي الفلسطينية يُفشِل أي محاولة لإتمام عملية السلام في المنطقة، إلى جانب ذلك، هل ترى أن الحكومات العربية تتحمل بعض المسؤولية تجاه الوضع هناك؟ - ما يحدث من احتلال تصاعدي للضفة الغربية من جانب إسرائيل يجعل إعلان الدولة الفلسطينية أمراً صعباً يوماً بعد يوم. وقد أهملت غالبية الحكومات العربية الفلسطينيين. أما الآن فقد انتقل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلى الخطة الثانية، والغريب هو أننا نتكلم فقط عن الإصلاح من دون أمل في إيجاد حلول قصيرة أو متوسطة الأمد. * هل ما زلت تشعر بالحنين لمصر، أقصد بالتحديد مصر التي عشت فيها سنوات الطفولة؟ - نعم، أشعر بالحنين؛ أشعر بالحنين إلى مصر التي تعداد سكانها كان أقل ثلاثة أضعاف منه الآن، لمصر التي لم يكن يحتل الدين هذه المكانة المهمة في الحياة الاجتماعية فيها؛ حيث يتم احترام الإنسان للإنسان من خلال صفاته، اهتماماته، ونجاحه على المستوى المهني والعائلي وليس فقط تدينه الظاهري، أشعر بالحنين لمصر المجتمع الكوزموبوليتاني الذي فيه المسلمون والمسيحيون واليهود يعامَلون بمساواة، ويتواصلون مع العالم الخارجي. *هل كانت مصر بالفعل أجمل وأفضل في ذلك الوقت عما هي عليه الآن، أم أنه مجرد الحنين الذي تشعر به هو الذي يجعلك تقول ذلك؟ - بلا شك، نحن نتعمد دائماً تجميل الماضي، ونتناسى الظلم، فمصر هذه التي تحدثنا عنها لم تكن جنة للجميع، وقد قيل إن الحنين هو أيضاً حنين الطفولة، لكن هذا لا يعني أنني أغرق في الحنين للماضي، لو كانت تلك هي حالتي لما اهتممت من قريب أو بعيد بمصر والمصريين في وقتنا هذا. * هل ترى أن المجتمعات العربية إذا انخرطت في صورة الكوزموبوليتان التي رسمتَها في روايتك «فندق مهرجان»، ستصبح على طريق الحل لأزماتها الثقافية المعاصرة؟ - نحن لا نعيد كتابة التاريخ، فالماضي هو الماضي، يجب على هؤلاء الذين يعيشون في البلاد العربية اكتشاف طرق جديدة للتعايش والانفتاح على العالم الآخر، تلك العزلة ليست قوة، بل هي ضعف يسيطر على عقول هذه الشعوب. *تحدث بعض النقاد عن روايتك «مزاج» باعتبار أن قراءتها تغني عن هضم عشرة كتب عن التحليل النفسي، هل يسعدك مثل هذا الإطراء؟ - أشعر بسعادة طبيعية لمعرفة أن هذه الرواية تلمس عقول القراء وتجعلهم يفكرون. «مزاج» هي قصة عن رجل يقدم خدمات من طريق المتعة، ويشترط الحصول على أنواع أخرى من الخدمات مثل إيجاد وظيفة أو سكن، ليس له بل لأناس آخرين والذين يقومون بدورهم بمساعدة أناس آخرين، وهكذا. إذاً، لا بد أن تكون معطاء ولكنك أيضاً يجب أن تتعلم كيفية الأخذ. كان من الممكن أن تسمى «مزاج» باسم آخر مثل «بهجة الدين». *كان آلان هاو؛ وهو من المفكرين المنحازين إلى ما يُعرف بالنظرية النقدية، يقول ان التحليل النفسي أصبح مهماً بالنسبة إلى كتابة الرواية، من حياكة القصة، هل تتفق معه؟ - يقول سومسرت موم: «هناك ثلاث قواعد لكتابة الرواية... لا أحد يعرفها». وفي الحقيقة؛ لدى كل شخص الحرية في رواية ما يريد، كيفما يريد وبالهدف الذي يرغب فيه. بالنسبة لي، عندما أكتب رواية، أتمنى دائماً أن أرى هذه النتائج: جذب القارئ، إثارة مشاعره، تشتيت انتباهه، إدخال السرور عليه، مساعدته في تعلم شيء ما ومساعدته في التفكير. *هل تعد نفسك قارئاً جيداً للأدب العربي؟ لو كنت كذلك، فما هو تقييمك للرواية العربية المعاصرة؟ - إن للروائيين حرية أكثر قليلاً من الآخرين وهم يجيدون استخدامها، ذلك لأن الأدب يصبح في كثير من الأحيان متقدماً على المجتمع ذاته، يستطيع أحياناً استباق ما سيحدث؛ أنا أقرأ باللغة العربية لأن ذلك يصب لمصلحة عملي، أنا أحتاج لفعل ذلك، لكن بالنسبة إلى الأدب فأنا كسول، وأقرأ الروايات العربية المترجمة إلى الفرنسية، وتكون تلك الروايات هي الأفضل في أغلب الأحيان وأستحسن كثيراً كُتَّابها ومنهم من أصبحوا من الأصدقاء. عن صحيفة الحياة

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم