رواية «مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة» للروائي الفلسطيني ربعي المدهون، من الروايات الست التي وصلت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر». وكانت قد وصلت للمدهون رواية «السيدة من تل أبيب» إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر عام 2010. للتعرف أكثر على هذه الرواية ومضمونها وظروف كتابتها ورأيه في بعض الانتقادات التي تتعلق بالجوائز الأدبية، طرحنا عليه بعض الأسئلة.

روايتك التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر، ماذا تمثل لك ضمن مشروعك الروائي؟ - «مصائر»، تعدّ قفزة جديدة في مسار تعاملي مع فن الرواية، ونقلة نوعية على المستوى التقني وبناء السرد، الذي يتدفق في قالب الكونشرتو الكبير منضبطا لحركاته الأربع. وهي مغامرة في حقل التجريب، تصل- اذا ما اضفنا المضمون- إلى «الكتابة على حافة الخطر»، لما تنطوي عليه من متاعب مواجهة السائد وكسر تابوهاته، في محاولتي تشكيل خطاب سردي مختلف ومغاير. وهي أيضا، مرحلة ثانية في مشروعي الروائي، بعد «السيدة من تل أبيب» التي تصدت لموضوع الهوية الفلسطينية وتحولاتها في المنفى، وقدمت صورة بانورامية لقطاع غزة في مرحلة زمنية معينة. مصائر تتابع أيضا، تبدلات الهوية، لكن بين مواطني فلسطين الـ48. وترسم خارطة لمعاناة العيش تحت وطأة «التباس» وجودي غريب، ولّده ظلم تاريخي غير مسبوق: مواطنون يعيشون على أرضهم تحت حكم غرباء. أرضهم فلسطينية ودولتهم اسرائيل، هويتهم عربية وجنسيتهم اسرائيلية. قبل أن تترشح الرواية لجائزة البوكر، كيف استقبلها القراء والنقاد؟ - استقبلت بحفاوة بالغة على المستويين. فالبداية كانت بدراسة قدمها الناقد الدكتور فيصل دراج، في حفل إشهار «مصائر» في عمّان في أغسطس الماضي. دراسة قرأت «مصائر» في سياق تحولات الرواية الفلسطينية منذ الثلاثي جبرا ابراهيم جبرا، وغسان كنفاني، وإميل حبيبي، انتهت الى نسبها إلى «رجال في الشمس»، واعتبارها «الرواية الفلسطينية الشاملة»، التي «أعطت رواية المسألة الفلسطينية بعدا جديدا». وبلغ النقد ذروة أخرى، في قراءة أخيرة مميزة، لطارق امام، غاصت في بنية النص الموسيقية، وتحدثت عن «جدارية تتجاور فيها المحكيات الفلسطينية»، حيث «الشتات هو المجاز الكبير الذي ترسمه». ثم هي نموذج «الكتابة على حافة الخطر» عند الأردنية تغريد شاور، أو «رواية الروايات»، عند الفنانة المسرحية ميساء الخطيب. وهي «عمل متقن مركب وغير عادي من نواح مختلفة» عند جورج جحا في رويتر. القراء احتفوا بدورهم بالرواية بشكل حميم. هناك عشرات المقالات والكتابات النقدية والانطباعية عن «مصائر»، بعضها منشور على صفحتي «رواية» على فيسبوك، وبعضه في موقع غودريدز، ومئات الرسائل الشخصية وطلبات الحصول عليها. وقد أدى هذا الى انتشار سريع، نسبيا، للرواية. وخلال 3 أشهر، سبقت الحديث عن جوائز، نفدت طبعتها الأولى، واصدرنا طبعة ثانية. والآن نستعد لطبعة ثالثة، تحمل إشارة الى وصول «مصائر» الى «القائمة القصيرة للبوكر العربية». حدثنا عن هذه الرواية وظروف كتابتها ومضمونها والمختلف فيها عن رواياتك السابقة. - تعود فكرة الرواية الى حكاية لقريب لي لم يغادر المجدل عسقلان وقت النكبة. كان الرجل ملتبسا في ذهني. فهو مكروه لأنه «يعيش مع اليهود»، ومحبوب ومحسود ايضا، لأنه بقي في المجدل عسقلان التي صارت حلما عند اهلها الذين صاروا لاجئين. وجدت في الرجل الذي اسميته «باقي هناك»، «متشائلا» آخر. له مواصفات متشائل اميل حبيبي، لكن يمكن نقله الى زمن آخر، ليكون امتدادا له. في البحث عن جذور «متشائلي» في المكان (المجدل عسقلان، واللد والرملة)، قادتني قدماي الى يافا، وحيفا، وعكا، والقدس. بدأت الحكايات ترتسم: حكايات الناس الباقين هناك، وحكايات البيوت التي لم تعد تتعرف على اصحابها، بينما لا ينتمي اليها ساكنوها. وحكايات المنفيين الباحثين عن نافذة للعودة. بنيت الرواية على قالب الكونشرتو الكبير من اربع حركات. كل حركة موسيقية (نصية)، تروي حكاية، وتنفرد الحركة الثانية برواية داخل رواية، لكل بطل من ابطالها في الرواية الأولى نظير متخيل في الثانية. البعض ينتقد الجوائز الأدبية ومنها جائزة البوكر، ويرى أنها خلقت حالة من هوس كتابة الرواية من أجل الجوائز. ما تعليقك؟ - وأين المشكلة في انتشار هوس الكتابة؟ في برامج مسابقات الاصوات، يتقدم آلاف المتسابقين من اجل حصول واحد منهم على اللقب. لكن تواصل السباق، يكشف عن مواهب فذة تندفع متحدية من وسط «هوس» التنافس. ماذا لو لم «يجن» محمد عساف، ويصاب بهوس السباق، ويمتثل لوصية والدته «نط يمّه عن الحيط»، وينط فعلا ليشارك في المسابقة؟ هل كان سيفوز لمجرد الهوس بالجائزة، أم لموهبته وامتلاكه صوتا «لم يتكرر مثله منذ 50 عاما»، بتعبير شيرين عبدالوهاب؟ الجوائز أوجدت، للمرة الأولى، حوافز مادية وأخرى معنوية. رفعت معدلات القراءة. حرضت على تشكيل نواد. نشّطت حركة النقد والمراجعات، والجدل في الأوساط الادبية. صارت طقسا يحرص الناس على متابعته ويحتفون به. أما القول بالكتابة من أجل الجوائز، فينطوي على قدر كبير من السذاجة والخديعة. إذ ينبني على افتراض مضلل، بأن ثمة وصفة جاهزة يمكن اتباعها. عن نفسي أقول: عملت اربع سنوات متواصلة. أجريت بحوثا وحوارات مكثفة. قرأت الكثير من النقد. لم أتوقف عن قراءة أساليب الكتابة الروائية الحديثة والحداثية وكأني مبتدئ. قرأت روايات. زرت فلسطين خمس مرات، وحفيت قدماي من التجوال بين أزقة مدن المجدل عسقلان، ويافا، وحيفا، والقدس وعكا، لتوطين شخصياتي. لملمت عشرات الحكايات من افواه الناس العاديين. استخدمت كل خبرات العمر، ولم يكن لدي سوى تطلع وحيد، هو تقديم عمل يترك بصمة على مسار الرواية.

عن صحيفة القبس

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم