الناشر حلقة وصل بين المؤلف والمجتمع، وهو أيضا صاحب رسالة، إذ يحوّل أفكار المؤلف إلى قضية اجتماعية من خلال نشرها. وإلى جانب صناعة النشر، تنشط مهن وحرف وصناعات، في محيط اجتماعي واسع، منها التأليف وتصفيف الحروف والإخراج الطباعي والتصحيح وبرامج الحاسوب والطباعة والتجليد والرسم والتغليف والشحن والتوزيع والمكتبات عامة وخاصة، والصحافة، وما يرتبط بالنشر من نشاطات ثقافية؛ ندوات ومؤتمرات ومعارض. “العرب” التقت بالروائي الأردني وصاحب دار أزمنة للنشر إلياس فركوح للحديث حول مكانة دور النشر اليوم، ودور معارض الكتب في العالم العربي، وعن عدّة محاور أخرى فكان الحوار التالي.

بدأت صناعة الكتاب في الأردن منذ العام 1923 إذ تأسست أول دار نشر باسم المطبعة الوطنية، وبعد عقود من الزمن وصل عدد دور النشر في الأردن إلى 140 دار نشر. وهناك اتحاد للناشرين يرأسه الناشر فتحي البس صاحب دار الشروق الذي أخبرنا بأنه في آخر انتخابات جرت بتاريخ 22 - 8 - 2015 شاركت 176 دار نشر لانتخاب رئيس وهيئة إدارية جديدة للاتحاد. وذكر محمد القبادي مدير عام المكتبة الوطنية الأردنية، أن دور النشر الأردنية أنتجت في العام 2014 ستة آلاف عنوان، ومنذ مطلع العام الحالي حتى الوقت الراهن وصل عدد العناوين الجديدة للكتب إلى أربعة آلاف وسبعمئة وأربعة وستين عنوانا.

ولادة الدار

الروائي الأردني إلياس فركوح صاحب “الزبد” و”أرض اليمبوس” و”أعمدة الغبار” ودار أزمنة للنشر، يرى أن صناعة الكتاب اليوم في تراجع ملحوظ، نظرا لقلة الإقبال عليها، وحتى عدد القرّاء في العالم العربي ما فتئ يشهد تقلصا ملحوظا، وهذا راجع إلى عدّة أسباب منها الهجمة التكنولوجية وانتشار الإنترنت التي ساعدت على النشر السهل.

ويواصل فركوح حديثه عن سبب اختياره لمهنة النشر بقوله: أزعم أني من الذين تتنافى طبيعة شخصيتهم والإنتاج تحت إمرة أحد، والمتمثّل عادة في العمل الوظيفي. أن أكون موظَفا يعني، بأكثر من شكل وأكثر من معنى، نقصا في الحرية. الحرية في اتخاذ الموقف المناسب في لحظته كما أرتئيه. الحرية في اختيار الذين أتعامل معهم بما يتفق وطبيعة شخصيتي. الحرية في أن أكون أنا كما أنا بعيدا عن أي ضرب من ضروب القَسر، وبالتالي الإكراه.

ومن بين الأسباب التي شجعت فركوح على إنشاء دار نشر هو ولعه بالكتب والقراءة والكتابة، وهي عوامل تضافرت لتكوّن لديه شخصية الأديب الشامل، الممارس لفعل الكتابة وصناعة الكتب، يقول فركوح: أنا شغوف بإنتاج الكتب على مستوى الإخراج الداخلي والعناية بمستواها الطباعي. فالكتاب، بالنسبة إليّ، عالمٌ جميل أجد ذاتي في رِحابه. ولعلّ أسبابا أخرى كامنة أيضا في الظروف التي مررت بها، حين أنهيت دراستي الجامعية وعدت إلى الأردن. وقتذاك، ولأسباب أمنية، مُنِعْتُ من العمل في أكثر من مؤسسة، رسمية وأهلية، لكوني كنت منتميا إلى أحد الأحزاب المعارضة.

كان الأردن في منتصف سبعينات القرن الماضي يخضع لوجوبات الأحكام العُرْفية المتشددة، وكان حصول جميع المنتمين إلى أحزاب وتنظيمات سياسية ليست موالية على عمل، يقارب المستحيل، وكذلك السماح لهم بالسفر. ويتابع : كان لزاما عليّ إيجاد عَمَلٍ اعتمادا على مواردي الشخصية. لم تكن بالموارد الكبيرة، لكنها كانت كافية كحِصّة معقولة ضمن شراكة مع الصديق الشاعر طاهر رياض في دار نشره منارات. كان هو صاحب الترخيص، بينما كان محظورا عليّ الحصول عليه؛ وهكذا أصبحتُ شريكا من الباطن. وإثر حصار العراق الطويل بعد حرب الخليج، الذي يشكّل السوق الأكبر للكتاب العربي، اضطررنا لوقف العمل بالدار إلى حين حدوث انفراج ما، وكانت هذه وجهة نظر طاهر، صاحب الترخيص. غير أنّ الانتظار طال وطالت معه مدة العطالة التي لا أطيقها، فعدت أفكّر في محاولة الحصول على ترخيص لدار نشر خاصة بي. تقدمت باسم زوجتي، فأجازوا ذلك، ذاكرين لها تغيّر موقفهم مني وموافقتهم لو أني تقدمت مباشرة، كنا نعيش مرحلة انفراج ديمقراطي، وهكذا ولدت دار أزمنة، لتصبح بيتا ثانيا لي أمارس فيه مع أصدقائي من الكتّاب والمثقفين حالات ثقافية متنوعة، إضافة إلى عملية النشر بكافة خطواتها.

معارض الكتب

عن شعوره وهو يمارس مهنة النشر، يقول فركوح “نشر الكتاب يشكّل لي متعة، ويضفي على أيامي معنى. وهذا يكفيني، رغم النكسات المالية وأزماتها المزمنة”. وحول موضوع معارض الكتب العربية، اليوم، وهل حققت أهدافها، وعن آفاقها، يرى فركوح أن المعارض السنوية المقامة في البلدان العربية تمثل فرصة كبيرة وهامة لتوزيع الكتاب العربي، والتعريف به، وتسويقه على نطاق واسع.

ويعتقد فركوح أن الجميع يعرفون أنّ السوق داخل البلد العربي الواحد تعجز عن تغطية تكاليف إنتاج الكتاب، وذلك إما بسبب صِغرها من حيث عدد سُكّانها، أو عدم احتلال الكتاب مكانة متقدمة في سلّم أولويات المواطنين فيها، أو للقدرة الشرائية المتواضعة لقُرّائها، أو لافتقارنا شركة توزيع ذات قدرات كبيرة كفيلة بمهمة توزيع الكتاب العربي في كافة البلدان العربية.

لهذه الأسباب مجتمعة، يذهب فركوح إلى أن معارض الكتاب تشكل الرئة والمجال والفرصة لجميع العاملين في صناعة الكتاب العربي. ولكنه يستطرد ويقول “غير أنّ أحداث ما سُمي بالربيع العربي، خلال السنوات الخمس الماضية، المتسمة باختلال الأمن وتخلخل الحياة الاقتصادية السارية في بلدان الربيع وتأثيرها على سواها أيضا أدت إلى تراجع الكتاب عن صحيفة العرب

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم