بين "عزف منفرد على البيانو" و"خطوط النار" خطّ الروائي السوري فوّاز حدّاد تجربة سردية مميزة لاقت صدى كبيرا لدى القراء والنقاد، لتصل روايته "المترجم الخائن" إلى القائمة القصيرة لبوكر العربية 2009، وتجد روايته "جنود الله" طريقها إلى الترجمة بالألمانية وتصدر تحت عنوان "سماء الله الدامية".

رُشح الأديب السوري للقائمة القصيرة لجائزة روكرت الألمانية لهذا العام مع ثلاثة كتّاب سوريين آخرين هم نهاد سيريس وسمر يزك وروزا ياسين حسن. وهو يرى الترجمة جسرا للتواصل والتفاعل، وأن إقامة الجسور بين الشعوب تعني التفاهم على العيش المشترك.

والرواية بالنسبة له تكشف عن الكثير من الجوانب الغامضة في الحياة والمفاهيم والتقاليد والأفكار وتنوّع أساليب العيش وما يحفّ بها من آلام وآمال. الجزيرة نت التقت فواز حداد وحاورته بمناسبة ترشيحه للجائزة الألمانية المرموقة.

ما أهمية ترجمة روايتك بالنسبة إليك في هذه المرحلة الدقيقة، لا سيما أن روايتك تعالج مواضيع تشغل بال الإعلام العالمي؟

كتبتُ هذه الرواية تحت ضغط تساؤل مقلق، لماذا أنجب الجيل اليساريّ جيلا متأسلما ينحو إلى تغيير العالم بالعنف، وكأنّه ورث منه وسائله الثورية، ولم يرِث أفكاره التحررية؟ ليس من العسير وصم الأيديولوجيات القومية واليسارية بالمهزومة، لهذا استعادت التيارات الدينية مواقعها بقوة، برز من بينها التدين الجهادي الطامح إلى استعادة أمجاد الفتوحات الإسلامية، لكن من دون استيعاب المبادئ الأساسية للإسلام التي صنعت عظمته الحقيقية وكانت وراء ازدهاره وتوسّعه وأمجاده. الجماعات الجهادية أحد جوانب الرواية، وهو موضوع يؤرق العالم، لا سيما أنه قد رأى مفاعيله في تدمير برجي التجارة، وكان لامتداد نشاطاتها إلى الكثير من البلدان أن تستأثر باهتمام الغرب ومخاوفه، بسبب وجودها السرّيّ الفعّال، وإن كانت مطارَدةً في البلدان التي لها فيه مصالح إستراتيجيّة.

هذه الرواية لم تكتب لهم، كتبتها لنا نحن. وهي محاولة لتفكيك مشهد ترتدّ سلبياته علينا، إذ يقدّم للعالم صورة غير صحيحة عن الإسلام والمسلمين، ويعقّد العلاقة بيننا، وكأن هناك تناقضا لا حلّ له إلا بالصدام، أو وضع كلّ طرف للآخر تحت مظلّة الرعب. إنّ إقامة الجسور بين الشعوب تعني التفاهم على العيش المشترك، ولا يمكن تحقيقه إلا بتوخّي العدالة، لا تغليب المصالح. هذا كفيل بحلّ الكثير من الأزمات التي تهيمن على عالم يفتقد للأمان ويعيث فيه الظلم فساداً وإفساداً.

هل يمكن أن تشكل هذه الترجمة عاملا مساعدا لفهم دوافع الجهاديّين وأسبابهم بالموازاة مع الطرف الآخر؟

ربما كانت الترجمة إسهاما في هذا الجانب، لكنّه ليس كافيا على الإطلاق. الرواية مجرّد محاولة تتوجّه إلى البشر العاديين. لا تنحو إلى حل مشكلة، بل التبصّر فيها. وقد تساعد في النظر إليها عن قرب، لا اعتماد الغموض بشيطنة الجهاديّين، ولا بشيطنة الغرب. الدخول إلى عالم الجهاديّين الرهيب والبريء، المرعب والنقيّ، خطوة لا بدّ منها، مثلما هو عالم الغرب الديمقراطي الذي يستأمن على مصالحه في بلادنا حكّاماً طغاة.

"الرواية مجرد محاولة تتوجّه إلى البشر العاديين. لا تنحو إلى حل مشكلة، بل التبصّر فيها"

الجهاديّون بشرٌ لديهم إحساس بالظلم والمهانة، ولديهم من الكرامة ما يدفعهم للذود عن معتقداتهم بأرواحهم. عالم يحتوي على النقائض، ولديهم الحقّ في رفض هذا الواقع، ورفع راية العصيان ضدّ الغرب الجشع والحكومات الجائرة، والدين لا يمنحه المشروعيّة في القتل الأعمى.

الإحساس بالظلم يشوّهه العنف واستدعاء الفهم المتطرّف والخاطئ للإسلام. ولا يمكن الانزياح عنه إلا بإزاحة الدكتاتوريات التي تضاعف الإحساس بالظلم، وإعادة النظر بالصيغة غير المعلنة التي تربط بلادنا بالغرب، والتي تبيح للغرب النهب لمجرّد أنه متفوق تقنيّا، بالتواطؤ مع الطغيان المحلّي.

في عملك "المترجم الخائن" الذي رشح ضمن القائمة القصيرة للبوكر العربية 2009 تحدثت عن "الخيانة البريئة الواجبة في الترجمة"، هل تكون هذه الخيانة جسراً ووسيلة أدبية لرأب الصدع بين الشرق والغرب في "جنود الله"؟

في الحقيقة لا يخلو الاقتراح -الذي طرحه المترجم- من وجهة نظر قوية، على الرغم من سذاجته، الاقتراح هو إرفاق الترجمة بهوامش وتفسيرات وإحالات تساعد القارئ على الدخول إلى أجواء غربية مختلفة عنا من حيث البيئة والمناخ والأفكار والتقاليد والأعراف.. وأيضا التدخل في السياق، ممّا يستدعي التصويب والتعديل والتبديل، مما يؤدي كمبرر ضعيف إلى أن يحظى القارئ بكتابين بدل كتاب واحد.

الترجمة على هذا المنوال ناهيك عن أنها ترهق النص وتشتّت انتباه القارئ، تعتدي على الكتاب رغم أنها تغنيه. وهذه ليست خيانة بقدر ما هي مبالغة فجة في الأداء غير مألوفة، في النهاية هي إساءة للنصّ وإخضاعه إلى تفسير محدد.

إنّها مجرد فكرة، لكنها تفتح في الرواية نوافذ وإضاءات على عالم المثقفين وانحرافاتهم، وعلاقة المثقّف بالسلطة. بالنسبة للخيانة المقترحة، يمكن الاستعاضة عنها بمقدمة مطوّلة تضع الكتاب في عصره وبيئته، وهذا كثيرا ما تلجأ إليه دور نشر كبيرة. مثلا، لا يمكن أن تقرأ شكسبير وتستمتع به من دون مقدمة تكون دليلا إلى عالم شكسبير.

هل تعتقد أن الترجمات يمكن أن تهيّئ أرضية للحوار والتفاهم لإمكانية التعايش بعيداً عن الصدام؟

"اختيار لجنة جائزة روكرت الألمانية تخصيص جائزتها لهذا العام للرواية السورية تقديرٌ وانحياز للثورة السوريّة المنادية بالحريّة"

لا يمكن للشعوب أن تتفاهم من دون تعرّف كلّ منها على الآخر، قطعا لسوء الفهم والجهل بالآخر والخرافات. عموما الثقافة تذلّل العوائق، والرواية تساهم في ذلك، فهي الأكثر قدرة على القيام بهذا الدور، قراءة الرواية عبور إلى حضارة أخرى وعالم مختلف.

تكشف الرواية عن الكثير من الجوانب الغامضة في الحياة والمفاهيم والتقاليد والأفكار وتنوّع أساليب العيش وما يحفّ بها من آلام وآمال. من خلالها نحس بالمشترك الإنساني بين البشر، نحن لا نتعرّف فقط على الآخر، بل نحسّ به ونتشارك عالما جوّانيا، هو بالضرورة واحد.

تفسح قراءة الكتب والرواية مجالا للتأمّل والتفكير، تعرّفنا بأنفسنا أيضا، وهي دليل غني لعالم ليس مضادا لنا، يسمح لنا باكتشاف عوالم، هي نحن على الطرف الآخر. هل تعتقد أن لجنة تحكيم جائزة روكرت الألمانية ستمنح الجائزة للرواية السورية احتفاء بالثورة السورية أم بالرواية أم بهما معا؟

بلا شك يعد اختيار لجنة جائزة روكرت الألمانية تخصيص جائزتها لهذا العام للرواية السورية تقديرا وانحيازا للثورة السورية المنادية بالحريّة. الثقافة الألمانية أسوة بالثقافة الأوروبية، بصرف النظر عن السياسات الغربية، تقف إلى جانب الشعب السوريّ في نضاله العادل.

وقد وقع الاختيار على روايات نهاد سيريس وروزا ياسين وسمر يزبك وفوّاز حدّاد، أي الروايات المترجمة إلى الألمانية، وفي هذا فائدة لا تنكر في تأييد الثورة والتعريف بالرواية السورية. ــــــــــــــــــــــــــــ الجزيرة نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم