رفع يده النحيفة والقوية مثل يد حطّاب، وقال: "الكذّابون يحصلون على كلّ شيء". كان جالساً على أريكة قديمة من الجلد الأسود، وقدماه على سجّادة تركية حمراء غطاها الغبار بسبب الأقدام المتسخة. "ماركس قال هذا..." أردف بصوت خافت وهو يطلق دخان سيجارته في الهواء. يسمّونه الاستاذ، لأنّه كان معلّماً في الأرياف في بلده العراق، في الموصل، وقد وصل هنا طالباً اللجوء السياسي من السلطات، مدّعياً أنه كان شيوعياً في الماضي، وقد تعرّض للاضطهاد، ولكنّه لم يحصل عليه، ببساطة لأنّه لم يثبت أنه سياسي في أي يوم من الأيام، سوى إصراره على تلفيق جمل لم يقلها ماركس بحياته أبداً. وعلى الرغم من أمر الشرطة الصريح بترحيله خارج البلاد إلا أنه لم يغادر وبقي متخفياً بأوراق مزيفة وباسم مزيف هو أمين، مع أنّ اسمه الحقيقيّ هو جورج، لم يستخدم أياً منهما على الاطلاق، بل عرف بالأستاذ، بين أصحابه، وحتى مع المجموعة الغبية التي عمل معها في التهريب. وبسبب عدم قدرته على العمل القانونيّ انتهى به الأمر إلى العمل في التهريب مع عصابة غير محترفة أبداً، وكان يقول لهمإنّه من عشيرة عراقية تدعى التنانين الضاحكة، تقطن قرب الآثار الآشورية في الموصل، وإنّ والده كان مسيحياً جوالاً بلا إنجيل، وأمه كانت بدوية، غير مسلمة، تملك جملاً. وإنه نشأ في منزل قزم عجوز، لا دين له، وإنه عاش بلا اسم ولكن إحدى السيدات البدينات أخطأت ونادته باسم أمين! لا يعرف هو لماذا نادته به، وهكذا سار عليه وأصبح هذا الاسم أسمه، بينما كان يفضل أن يسمونه أي شيء غير هذا الاسم، أست الفأر مثلاً، ذيل الثعلب، خرطوم الفيل! أي شيء. أما عن مهنته فإنها الأكثر سوداوية، فقد قال لهم إنه أراد أن يعمل فيما مضى كمروّض للأسود، إلا أنه انتهى به الأمر أن يصبح لاجئاً.

ــــــــــــــــ

  • روائيّ عراقي مقيم في بلجيكا.

من صفحة الروائي على الفيسبوك.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم