"انفجار المسرح المتشابك" تمهيد: حين أشرع في سرد قصة الكارثة الغريبة التي وقعت في المسرح الملكي، فإنني أجدني مضطراً إلى أن أتقهقر إلى الوراء قليلا، فأبدأ بذكر بعض التفاصيل عن الرجل الموهوب العبقري مؤلف العرض المسرحي الذي انتهى بكارثة. إنه رجل قصير منحول الشعر، غاية في النحافة، لديه عينان جاحظتان، خضراوتان كذلك، تُطلقان الشرر وتُثيران القلق بتحركهما السريع والخاطف. كأنهما تبحثان عن شيء مفقود في هذا العالم لكنه لا يمكن العثور عليه. ولقد كان شديد الشغف بالمسرح. وفيما يُقال إنه ظل يؤلف مسرحيته، التي انتهت بكارثة، خمسة عشر عاما، بدأت منذ كان خارج البلاد. وقد اشتهر بأنه اشترك فيما مضى بأعمال ثورية وتخريبية وإنه كان من ضمن المشاركين في حرق مبنى الحزب (الذي أنشئ على أطلاله المسرح الملكي، الذي وقعت فيه الأحداث الغريبة) لكنه تاب وصالح السلطات ثم انزوى إلى ركنه الخاص ليؤلف ويُدبر عملاً مسرحياً عظيماً. وقد راسل السلطات فترة طويله حتى حصل على تصريح إقامة عرضه المسرحي في المسرح الملكي، فهو المسرح الأكبر على الإطلاق. ثم بدأت الدعايه، وقد نقلت مجلة الصيحة أن المؤلف قال: "لقد اخترعت فنا جديدا يُضاهي اختراع الرواية والقصة القصيرة، وسيصبح فيما بعد فناً مستقلاً تماما عن المسرح. إن المسرحية ستشتمل على طبقات متوالية من الجماهير، سنبدأ بمشهد يُشاهده خمسة مشاهدين يجلسون على كراسٍ مرصوصة على خشبة المسرح، ثم نكشف فجأه عن وجود جمهور يُشاهد العرض المسرحي ويُشاهد كذلك المشاهدين الخمسة الواقفين على المسرح. وفي النهاية نكشف (باستخدام الإضاءة) عن وجود جمهور حقيقي يُتابع الخشبة الضخمه التي تشمل كلا من: العرض والمشاهدين الخمسة وجمهورهم (الذي سيكون قطعا من الممثلين أيضا). حينئذ سيندهش المشاهدون الحقيقيون وربما ينتابهم شك أنهم كذلك جزء من العرض، وينظرون في كل الاتجاهات بحثاً عن الخشبة التي يقفون عليها وعن الجمهور الأكبر عددا الذي يشاهدهم، فيستوعبون شيئا هاماً عن الحياة، شيئا عن التشابك المؤلم بين الحقيقة والخيال." كذلك عمد المؤلف إلى ترويج شائعات عن أن العرض سيشمل على فقرة علاج نفسي حقيقي لثمة مريض بالصرع، بل وبثمة مرض نفسي أشد خطرا أيضا، ثمة سيكوباتيه أو توحد. وقد استخدمت هذه المعلومة في الدعايه للعرض المسرحي باتقان، فالمريض سيُعالج فعليا امام الجمهور على خشبة المسرح. وهأنذا أؤكد كاشفاً لما دار في الكواليس (كما أتى في شهادة احد الممثلين فيما بعد) أن المؤلف قد عهد لمدير المسرح بتحمل أية نفقات يتكبدها المسرح اثر اي تخريب يؤديه هذا المجنون. اما مدير المسرح، فهو لم يطلب هذا التعهد اصلا، لانه كان فخورا اشد الفخر بتنفيذ فكرة المؤلف الرائعه: استضافة حلقة علاج نفسي حقيقيه على المسرح. هذا حقا رائع ويستجلب المزيد من المال. وقد قيل ايضا ان المؤلف اشترى هذا المريض من مورستان حقيقي. وعُرف فيما بعد ان واحده من الممثلات كانت طبيبه بتلك المستشفى وقد قبضت ما يكافئ مرتبها لمدة عام في سبيل أن تأتي بالمجنون إلى خشبة المسرح. لكن هذا كله ظل مكتوما عنه لا يُفصح به إلا في هيئة شائعات تجنبا للسلطات والرقابه. ولقد حققت الدعايه نجاحا مبهرا. فقد وصل صيتها إلى الخارج، وقيل إن ثمة سفراء ونقاداً من أعلى الطبقات سيحضرون العرض المميز. وكذلك أرسلت السلطات الكثير من مشرفي الرقابه الفنيه إلى المسرح. لكنهم ابتلعوا رشاوى كثيرة كعددهم فغضوا البصر عن بعض التفاصيل التي كانت ستحمينا من الشر العظيم الذي جرى في يوم العرض الأول. وختاما لهذا التمهيد، أذكر التصريح الذي ادلى به المؤلف في تمام ليلة العرض: "كل ما سيجري في يوم العرض هو شيء رائع، حسب ما أرى، وسيتعلم منه الجمهور كثيرا جدا والدوله كذلك ستفهم دروسا كانت تغض البصر عنها تماما... ان كل شيء سيجري بنظام حتى النهاية، ولا اتوقع اية خيبة."

المشهد الأول: بناية صفراء في الركن الايمن من خشبة المسرح، يصدر عن مدخلها صوت قرقعة شيشة البواب الذي يدخن المعسل في احضان زوجته. يمر بجوار المدخل ثلاثه اشخاص، رجلان في مقتبل الشباب وامرأة، هي ارملة عامل بمصنع البارود. ترتدي قميصا وجيبونه صفراء. وحذاء جلدي ذي رقبه. وكانت عرجاء. وكانت تخفي عرجها بان تتباطأ في المشي. متصنعة دور السكر. لكنها لم تكن تسكر أبدا. بخلاف الشابين. خصوصا الطويل منهما، والذي احمرت أنفه فصارت مثل برقوقة. فلقد راهن نديميه على "قربعة" زجاجة براندي كامله "على بق واحد" ففاز برهانه. وكان هو الآخر يرتدي قميصا وبنطالاً لونه بني (مائل إلى الصفرة مثل كل شئ في هذا المشهد) لكنه لم يكن أعرج، بل على العكس تماما، فقد عرف عن هذا الشاب تميزه الرياضي الفائق. الذي جلب له تلك المنحة الجامعيه التي ستتيح له ان يصبح شيئا ما حسبما يكرر على اقرانه. أما الفتى القصير، البدين بعض الشيء، مشعث الشعر... فقد كان هندامه غايه في القبح، حتى أنه يستحيل على المرء أن يصدق أنه يساير الارمله والطالب المتميز رياضيا. وكان كذلك دميم الوجه متفلج الأسنان. وله بطن عظيم. اكتسبه من إدمان الخمر. كان يكسب رزقه من التسكع مع الأصحاب والاحتيال. لكنه لم يصرح بهذا لاحد قط. وكان يدعي أن ثمة وظيفه تدر عليه نقود السهرات وكل شيء. صرخ الطالب فجأة (وتبدلت خطواته فتعرقل وكاد يسقط للارض): - ان العالم مكان قاس جدا، وشديد البرودة. لماذا لا أستمر في العيش المستقر دون أن يقتلني الملل. لماذا علي أن اترك عالمي طموحا في مكان افضل؟ ما هذا الحلم الوسخ الذي حلمت..؟ لماذا أخاف أن أفني عمري في وظيفه! فعقب الموظف السمين وهو يبتسم ابتسامه ساخرة وينظر بطرف عينيه إلى الأرمله العرجاء: - تخاف ان تفني عمرك في وظيفه رتيبه! ماهذا.. اين تعلمت تلك الاقاويل..؟ لا بد انك آت من المستقبل حتما هأ هأ هأ التهمت العرجاء فرصتها لتتهكم على الطالب الذي اسهب في مدح نفسه طيلة السهرة فارهق هؤلاء المحبطين بطموحه الواسع: - فكرة رائعه... انه آت من المستقبل من الزمن الذي لن يكون فيه عمل... فقط دعه وكسل... هأ هأ تابع السمين وهو لايزال يحتفظ بابتسامته الزاخره بمعاني الاستهزاء: - تماما يا عزيزتي... إن الانسان يهول من قدر نفسه تهويلا رهيبا حتى ينتفخ. ثم يندم ويتحسر لان نصيبه في الدنيا ضئيل... أترى لو ادرك منذ البدايه انه بسيط وان مثقاله مثقال حبة من الذرة... لما اهتاج حين تضيق عليه الظروف... أتدري، لقد قال النبي محمد عن نفسه إنه ابن امرأة تأكل القديد.. اأقصد أنه كان رجلا عمليا وسياسيا محنكا.. لكنه لم يفخم ذاته مثلما يفعل مراهق من مراهقي هذا الزمان، الذين يظنون انهم جميعا سيحصدون نوبل مثلا. هذا مثال ويمكنني أيضا أن أقول... قاطعه الطالب عامدا إلى تغيير محور الحديث: -يالك من محبط. لكنني سمعت أيضا انك كذلك.. يساري، تميل إلى الفقراء. ياله من أمر لا يتفق مع كونك موظف... اُستُدرج الموظف إلى الدفاع عن نفسه فاستطرد يقول، وقد تحولت ابتسامته الى قناع يرتديه على وجهه تماما... كأنها جزء من ملامحه... فمن ينظر اليه يستطيع ان يقرأ امتعاضه إلا انه اصر ان يصبغ كل تعبيراته بالابتسامه الساخره امعانا في اذلال الطالب المتغطرس الواقف امامه. الذي اصيب بدوره بتوتر شديد، قال الموظف: -انا شخصيا منحاز لطبقتي، منحاز للفقراء، وانا لا اغالط روحي ولا اتملق احدا، القضية واضحة ولا تتحمل الاجتهاد. الفقراء هم الذين يموتون، وهم الذين يسجنون، وهم الذين يعانون المعاناة الحقيقية. اما البورجوازيه ومظاهرها فخدعه لا تنطلي على رجل في مثل ذكائي.... عسى ان.. هنا قاطعه الطالب وقد نفذ صبره، ولم يعد قادرا على ابتلاع المزيد من الاهانه: -ها قد وصلنا إلى عمارة المؤلف، كيف سنشتكيه؟ علينا ان نرتب اوراقنا كي نظفر باي انتصار على ذلك الوغد. صمت الموظف ونظر للطالب محتفظا بابتسامته التي صارت ثقيلة تماما وغير مبررة، فخاطب الطالب نفسه بان الافراج عن ابتسامه خبيثه والاستمرار في التكلم بنبرة استهزاء لسلاح يغني ان توثق كتفي خصمك إلى اخمصي قدميه. وأنه الآن موثوق إلى اخمصي قدميه يبحث عن ملاذ من هذا الخصم العنيد. هنا، انقطعت قرقرة الشيشة. وسُمع دبيب خطوات هزت الارض الخشبيه هزا. وخرج من مدخل العمارة رجل هائل الجثة. يرتدي عمامه. وله شارب كث. "ينكشف للناظر اليه انه من سكان الصعيد. فجسده الهائل لم يخلق لترف المدينه بل خُلق ليحمل صخور المحاجر عبر الضفه الشرقيه، خلق للبناء والشغل اليدوي الجدير بالاحترام." هذا ما قالته الارمله لنفسها، ثم اضافت: "ان هذا الرجل حين يعمل في ثمة محجر يكون اطهر من هذا الطالب الغر. لانه حينها لن يكون سارقا ولا بورجوازيا كسولا" كانت تقول هذا كله بنبرة مسموعه بغير قصد منها. فلكزها الموظف في كتفها كي تصمت وكذا لانه كان يظنها مخمورة مثله، فخشي ان ينفضح امرهم امام البواب. ثم قال يخاطب البواب: -هيه... انت عبيد الله؟ أومأ البواب برأسه، وشرع في الكلام، لكن الطالب انتهز الفرصة التي سنحت له ليثير السخرية من شيء آخر غير ذاته: - بماذا يشعر هؤلاء الذين يحملون اسماء مثل عبيده ومعاذ... انها اسماء شيطانيه! - اخرس ايها السكران الاهوج (صرخ فيه الموظف السمين دفاعا عن البواب الذي صُعق مشدوها) وقرعت الارملة الارض بحذائها احتجاجا وتمتمت: إلا البروليتاريا ايها الخنزير! -سكران واهوج؟! ثم خنزير! لقد ابدع المؤلف اذ يختار لنا لفظتان كسكران واهوج هأ هأ هأ (في تلك اللحظة، اطلق المشاهدون موجة ضحك خافته مستهزئة) دُفع البواب من ظهره، فتنحى جانبا، ليكشف عن المؤلف القصير النحيف ذي العينين الخضراوتين سريعتا التحرك. فانحنى اول ما ظهر للجمهور الذي احتد تصفيقه، فلقد اصيب المشاهدين بنوبة هائله من العجب والفرح حين رأوه يظهر في مسرحيته، لان هذا الحال جديد عليهم تماما ومثير للعجب ايضا. انهى تحيته للمشاهدين واعتدل مواجها الجمع الثلاثي الذين دُهشوا اشد الدهشه، (هنا علي ان استبق الاحداث قليلا، فاذكر ان استهزاء الطالب بالفاظ المؤلف كان خروجا على النص، مما جعل المؤلف يغتاظ ويهتاج... فدفع البواب واخترق خشبة المسرح كما جرى) فقال: -انتهى الفصل. ثم صاح بصوت مزعج اشبه بصفارة قطار: فليسدل الستار، لن يحظى واحد منهم بلحظة اخرى على الخشبه! (بهذه الكلمات قام المؤلف بحذف الجزء الباقي من المشهد، والذي يشمل على عراك بين الطالب والموظف، ينتهي بان تدس الارمله العرجاء قلم احمر الشفاه إلى عنق الطالب البورجوازي، فيصرخ الطالب بان القلم رخيص جدا ولا يليق ان يُقتل رجل نبيل باحمر شفاه رخيص. ثم يُعتَقل الموظف المحتال)

المشهد الثاني: في هذه اللحظة حدث الامر الذي ترقبه الكل... لقد انكشف فجأة ان المشاهدين لم يكونوا جمهورا تماما، بل كانوا مجموعة ممثلين كذلك، يجلسون على مقاعد معدنيه مرصوصة في الركن الايسر من خشبة المسرح... بحيث يكونون في مواجهة البناية الصفراء القائمه في الجانب الايمن من الخشبة... وكان هناك جمهورا كبيرا، يختلف عن الجمهور المكون من خمسة ممثلين يجلسون فوق خشبة المسرح. اما الجمهور الكبير فكان ينتشر على مدرجات امام الخشبه وليس فوقها، فهم اذن في حالة مشاهده طبيعيه مقارنة بالخمسة الممثلين. وبعد صرخة المؤلف، اسدلت الستار على الركن الايمن من خشبة المسرح، الذي يشتمل على البناية الصفراء والجمع الواقف في مدخلها. اما الركن الايسر من الخشبة، والذي يشمل الجمهور المكون من خمسة ممثلين يجلسون على كراسي معدنيه مرصوصة في صف واحد فقد ظلوا مكشوفين امام الجمهور الكبير الجالس على مدرجات امام الخشبة. فانتشرت همهمات بين الجمهور الكبير (الذي يجلس قبالة الخشبه وليس فوقها). تبعتها صرخة واحد من الممثلين الخمسه (الجالسين على مقاعد معدنيه مرصوصة فوق الخشبه)، الذي ارتمى إلى الارض واخذ يتلوى ويعول عولا شديدا. انتصب الاربعة الآخرون في اللحظة ذاتها. وقال واحد منهم كان يرتدي معطف طبيب ونظارة، ويضع في فمه ثمة سيجار: -أنا الطبيب، طبيب نفسي... ثم اشار إلى رجل شديد الطول والوسامه يُشبه الطالب إلى حد كبير (وقد كان معروفا لدى الجمهور الكبير انه شقيق الممثل الذي قام بدور الطالب) فقال: -وانت... انت صديقي الذي يعمل محاسبا في شركة ضخمه، ويكره الكتب. (وأشار بعدها إلى الثلاثة الباقيين وكن سيداات ترتدين ازياء ممرضات) وانتن طبعا الممرضات... هيا قيدوا وثاق مريض الصرع الذي يتلوى في الارض حتى انهي حديثي مع الصديق المحاسب الذي لا يقرأ كتابا، ثم آت إليكم. (ثم نظر تجاه الجمهور الكبير) ولاحظوا انني طبعا اذ اجادل صديقي الذي لا يقرأ لا يكون لدي ثمة علم بصراخ مريض الصرع نهائيا. و.. اووه كدت ان انسى ان اوضح لكم، ان هذا المريض هو ذاته الموظف الذي تشاجر مع الطالب البورجوازي فاعتُقل... انهم عذبوه بالكهرباء والماء في المعتقل، ثم اودعوه مرستان فقد اصيب بالجنون من جراء ذلك. (هنا توقف المريض عن العواء واعتدل فوق ركبتيه ونظر إلى الممثل الطبيب، فلمع بعينيه ثمة بريق... كانه تذكر شيئا كان قد مُحي من ذاكرته... لكنه انتكس في اللحظه ذاتها وعاد يصرخ ويتلوى إلى الأرض). هرول الطبيب والمحاسب الذي لا يقرأ إلى الطرف الايمن من خشبة المسرح مجددا، وقد رفعت الستار عنه. فبدا المشهد مثل عيادة تماما، لكنها كذا عيادة مصفرة اللون جدا. فجلس الطبيب مباشرة إلى مكتبه وعقد ذراعيه حول صدره ووجه بصره ناحية المحاسب الذي عمد إلى دستة اوراق ضخمه فحملها بذراعيه ووقف ينظر إلى الطبيب: -أهذا هو الارشيف كله؟ ليتك تكون متأكدا، فنحن في حاجة إلى اتمام المكاشفه الضريبيه السنوية في اسرع وقت كان. -نعم نعم طبعا هي هي... ليتك تقرأ كتبا مثلما تقرأ ارشيف عياده -ما حاجتي إلى قراءة كتب... ما هذا الديالوج السخيف... (وكاد الممثل المحاسب ان يلوم المؤلف على ديالوجاته الكليشيهيه مثلما فعل شقيقه الممثل الطالب منذ قليل) -هيه.. انه ديالوج رائع، سيكشف للجمهور عن اهمية القراءة... اهمية التثقف والعنايه بقراءة كتب ذات مغزى (انهى الطبيب جملته وقد تحشرج صوته تماما لخوفه الشديد من ان يطرد من المسرح مثلما جرى مع من سبقوه) -لكنني لا اظن ذلك، (هنا، بدت معالم ارتياح على وجه الممثل الطبيب، لانه تاكد ان زميله المحاسب عاد يلتزم بالنص، وعدل عن ازدراء المؤلف) -لا تظن ذلك! دعك من الظنون، عليك ان تقرأ لدوستويفسكي مثلا، وحينها ستتبدل حياتك، تماما، بدون مبالغه! - ان قول احدهم بين طيات كلامه "بدون مبالغه" يعد دربا متطرفا من المبالغه! -هأ هأ... معك حق. رغم انك تكره القراءة وربما الكتابه إلا ان كلامك منمق مثل الكتاب -لا اهتم للكتابه... المهم انني شجاع مثل طفل، فدعني انا انصحك.. كف عن القراءة وكف عن الكتابه، وايضا دعك من التفكير وعش حياة ظريفة.. عش حياتك بدل من ان تسرف في التفكير فيها اسرافا.... انتبه الطبيب، ثم طرق بنظره إلى الارض، وعدل فورا لهجته من الازدراء إلى التحبيب والترغيب وقال: -رائع! رائع!... لا اذكر اين قرأت ان الكبار يجهلون ان طفل يستطيع ان يسدي بنصيحة رائعه! فها انت تقول انك طفل فقط، لكنك رغم ذلك اسديت لي نصحا ممتازا.. اووه تذكرت لقد قرأتها لدى دوستويفسكي، في روايته التي تحكي عن رجل بسيط عامي رغم كونه امير... اووه اين سمعت ان دوستويفسكي يعرف كل شئ؟ لا اذكر... لكنني اثق بكل حواسي ان هذه المقوله سليمه كل السلامه... اووه لقد قالها البيرت كامو... نعم قالها في حوار اجري معه بمناسبة تصميمه لمسرحية... مسرحية تحاكي رواية الشياطين... اووه انني احفظ كل هذا فقط لانني اقرأ. نفخ المحاسب وقد نفذ صبره، فهم ان ينصرف من العياده، واذا هو اقبل ان يخرج من الباب، استدار وعاد يقول: -اعتذر لك، لكن كلامك عن المؤلفين الكبار لا يفتنني البته! وتأكّد أن كتبك هذه كلها لا تساوي شيئا، وأن معانيك مُفتقَدَة مهما بدا غير ذلك، وأن الضمير الإنساني والصدق شيء لا يتعلمه الناس من الكتب، بل بالتجربة التي تُنهِك أمثال هؤلاء ”البسطاء“ ويستمرون في صدّها بشجاعة لا يُجيدون وصفها.. مثلك ! فتبقى كامنة لا تنجلي إلا لمن يُدقق النظر، أو يهتم. فحم الطبيب واختنق، ففك رابطة عنقة ونفث عدة انفاس من سيجاره، وقال: - انت.. انت تعرف كيف تستهزئ بالحياة وبالثقافة، وانت تفعل ذلك لتفوز بكل شئ... نعم نعم، انت مثلما قال عنك الكاتب المصري، نجيب محفوظ: إن الحياة لا تحترم إلا من يستهين بها . قفز المحاسب خارجا من العيادة وهو يتأفف، وما هي إلا لحظات حتى عاد ثانية إلى العيادة وقد تبدل لونه بشحوب شديد وقال بصوت مرتعش: -يا دكتور، هلم، إن مريضك الذي يعاني الصرع يتلوى في الخارج.

المشهد الثالث: انتفض الطبيب، وهرول إلى الركن الايسر من الخشبة ليجد مريضه يتلوى، والحق انه كان يتلوى طيلة المشهد السابق، إلا ان الممرضات الثلاث كن يكتمن فمه باقمشه حتى لا يغطي صراخه على الحوار الذي دار بين الطبيب والمحاسب. وعلي هنا ان اذكر القارئ بان هذا المريض كان مجنونا بحق، وان صراخه وتلويه طيلة الحوار السابق كان يصحبه الما نفسيا كبيرا، اذ تظهر له اشباح من الماضي وتقوم ذاكرته بمحاكاة الم فظيع قد مر به في حياته البائسه. وأود ان أؤكد كذا انه وإن كان يُكمل دور الموظف الذي قتل الطالب في المشهد الاول، فهو شخص آخر تماما. فمن المستحيل ان يؤدي هذا المجنون دورا مسرحيا يشتمل على نص وتلقين ببساطة لانه تقريبا بلا عقل. مالت احدى الممرضات على المجنون (وقد عُرف فيما بعد انها هي ذاتها الطبيبه التي تعمل بالمورستان، التي احضرت المجنون إلى خشبة المسرح نظير الكثير من المال) وحقنته بشئ ما، فهدأ تماما. فالتقطنه الممرضات الثلاث من الارض، وحملوه إلى مقعد معدني، في وسط الخشبة تماما. ثم تكاتف بقية الممثلين في حمل مكتب الطبيب وأتوا به إلى الوسط كذا. لان اضاءة المسرح، الصفراء، كانت متمركزة في الوسط. وقد قيل ان الاضاءه القوية ستمنح الجمهور شعورا بالرهبه، وهذا الشعور مطلوب لاستحضار جلالة خطوات العلاج النفسي كما صرح المؤلف امام طاقم العرض في الكواليس. تكلم الطبيب بلهجة فاتره: -يجب ان تتكلم حتما. يجب ان تخبر العالم بما هو في الحقيقة يؤرقك ويؤلمك. قل لي لماذا انت تتالم ولماذا انت مرهق الى هذا الحد؟! -انه الضجر او الملل... لم اعد اتوقع شيئا (قال كلمته الاخيرة تلك ثم مال براسه إلى الامام واحاط جبهته بكفيه. واطلق تنهيدة حارة)... ولا اريد ان اتوقع... في الماضي كنت واحدا من هؤلاء المتحمسين للقضيه، كنت على استعداد لبذل اي شئ في سبيلها... عدت من الخارج، فاعتقلوني... عُذبت عذابا... اااه (هنا بدا انه على وشك الدخول في نوبه جديده، فهرولت الممرضه تجاهه، لكنه اشار لها بكفه انه لا يحتاج للمهدئ). -أفهم حالتك، لكنني اؤكد لك انه ما من ثمة عذاب الآن وانك اصبحت حرا تماما، فقط لا تُنصت إلى وسواسك. -لا عذاب (تحول المجنون تماما فجأة، وبدا انه لم يعد يفهم شيئا) لا افهم... انا فقط أنشد الموت، ولقد وُعدت به.. هي وعدتني (واشار بيده تجاه الممرضه التي هي اصلا طبيبته في المورستان) انا لا افهم نفسي، لماذا اخاف دائما من الانتـ..ـحار لماذا لا ادس سكينا في عنقي فانهي على كل شئ. لقد حملت طبنجه في ذات مرة، ووجهتها إلى عنقي في وضع مائل بحيث يكون اكيدا ان تفتك الطلقة بالمخ، فاموت بلا ألم تقريبا.... بقيت ساعة اصوب السلاح بدون ان اضغط الزناد... ثم.. ثم شدت الاجزاء، وبقيت ارتعد خوفا من التنفيذ... ثم القيت بالطبنجة إلى ارض الحجرة وبصقت عليها. لماذا لم انتحر ولماذا لا انتحر الان وانا اتحدث اليك؟ -جيد، حقيقة انا لا ارى سببا يمنعك من ان تفعل... لكنني كذلك لا ارى سببا يدفعك لان تنتحر؟ -هأ هأ ... معك حق... مادام كل شئ يستوي، فلماذا ننتحر... علينا ان نسأل المؤلف هذا السؤال قبل اي شخص اخر... -تماما.. كلنا سنموت، انها فقط مسألة وقت... ويجب ان نعيش في شئ من سلام حتى يحين ميعاد الواحد منا. حينما سمع ما قاله له الطبيب، من ان المسألة تختص بالوقت، نصب راسه باعتدال مجددا فوق جسده ثم اخذ يجول بعينيه سابحا في الخيال دون ان يعرب بوجهه عن اية انطباعات.. فقط ملامح جافه... كانه يتامل العالم ولا يستوعب اين يكون وما دوره. -امم لكنني لاحظت انك مازلت تغضب وتتاثر.... فلست مصاب بالملل إلى هذ الحد مادامت مشاعرك تتفاعل مع العالم. ادهشه هذا الاقتراح. كما بدا من تبدل ملامحه. فثارت براسه تساؤلات شتى. ما هذا الحوار؟ من هذا الطبيب وما هذا المكان. ومن هؤلاء المنتشرون في المدرجات الذين يحملقون باتجاهه. وكيف يقول الطبيب انه يتاثر، انه حين يرى قريب يُغلى بالزيت، فانه لا يشعر بثمة شئ... لكنه قرر ان يُجاري الطبيب، فقط ليتسلى بعض الوقت بالكلام معه... لانه يكره الصمت. -لكن يا سيدي لماذا هنا ودون اي وقت او مكان اخر... لماذا هنا فقط اتاثر لما تقول؟ تبين للطبيب فورا انه سحق مريضه. وانه بات على وشك رده إلى حالة جديده، والاهم انه حصل على اذنيه. فله الآن ان يقول ما يشاء. هنا عدل جلسته، وداعب خصلات شعره قليلا، ثم عقد يديه حول ركبته وبدأ يتكلم بنبره علميه فيها الكثير من التعال: -حالتك معروفه وقد سُجلت هنا عدة مرات... وسُجلت في الخارج ايضا... يؤسفني انها قد تودي بك إلى الانتحار... لكنني مع ذلك (هنا رأى الطبيب شبح ابتسامه على شفتي المريض، وتبين له ان المريض يكتم ضحكا مجلجلا يكاد ينفجر ليرج المكان) ... احم... لكنني مع ذلك اؤكد لك يا سيدي... أن ... اننا قادرون هنا في المصحة على علاج ايا من الحالات التي ترد إلينا... شعر الطبيب بان جزءا كبيرا من ثقته المسلوبه قد ردت اليه بعد تصريحه الاخير... فاطلق صيحه خافته، وعدل رابطة عنقه ثم طقطق رقبته... وزاغ ببصره قليلا تجاه الجمهور.. فحدث هنا ان اختلط الامر اختلاطا رهيبا.... فالطبيب كما في نص المسرحيه... يستعيد ثقته في نفسه بعدما يصرح بان العلاج ممكنا، لانه بهذا اصاب يأس المريض باليأس، فهو بقدرته على العلاج، يقول للمريض انت ليس ميئوس منك... فلم تيأس مادامت الحالة كذلك... والحق ان المؤشرات العلميه تشير إلى ان مثل تلك المعرفه لدى اي مريض (انه ليس بميئوس منه تماما) تُساعده مساعدة خاصه على تخطي ازمته النفسيه ايما مساعده... لكن الممثل الذي يقوم بدور الطبيب، قد نظر إلى الجمهور الكبير فلم يجدهم ساجدين... لقد قرأ في عيونهم انشغال وتململ... وهذا يقتل، والممثلون يعرفون هذا ويخشون الكلام عنه.. لانه مرعب كالموت.... ان لا يسجد الجمهور امام مشهد درامي يشتمل على مرض نفسي.... فارتبك الممثل وفقد ثقته التي يحتاجها الطبيب... فرفع الطبيب منديله يجفف عرقه فسقط المنديل من يده لانه غاية الارتباك... وهنا، استوعب عدد من الجمهور الكبير ما يجري تماما... فضحكوا.. لكن الضحك الذي بدأ خافتا اُتبع بموجات من الضحك توغلت في المسرح. وتحركت في كل الجهات. مما اجج نيران الارتباك لدى الممثلين.

المشهد الرابع: تكرر هنا ما حدث منذ قليل، فخرج مؤلف المسرحية مرة اخرى محمر الوجنتين من اثر الاغتياظ، من نفس الركن الايمن الذي ظهر منه اول مرة. ثم قرع ارض الخشبه بحذائه... مما تسبب في إثارة فوضى هائلة لدى الجمهور الكبير فزأر المؤلف: -ما انتم إلا مجموعة فاشلين! وكان يلوح مهددا باصبعه تجاه الممثلين. ثم دار براسه صوب الجمهور الكبير المتكون من خمسة عشر شخصا تقريبا: -وانتم جميعا مطرودون من مسرحي... لأنكم تضحكون... ولانني الآن غاضب تماما! فعلت همهمات تُليت بنحيب من امرأة من الجمهور (ظهر انها هي ذاتها الممثله التي ادت دور الارمله في بداية العرض)... هرولت تجاه الخشبه. ولدى وصولها إلى اقرب نقطة من المدير، سجدت وبدات تصرخ: -عفوك ورضاك... فلا نطرد... آسفين على الضحك، وحتى آسفين على خطأ الممثل... اقصد الطبيب... لانه طبعا ممثل بارع وقد افلح في اقناعنا بالدور لدرجة عجيبه. جعلتنا ننسى انه ممثل. هنا تعالت عدة صيحات: -وهو كذلك -نحن جميعا سجود امامك ان لا تطردنا -مسرحك هو المسرح العظيم الجدير بالجمهور حقا -لن نبرح حتى ينتهي العرض الرائع فرد المؤلف بلهجة زاهيه: -تماما، لن يبرح احد... اننا الآن سنودع كل شيئا ونرحل رحيلنا الاخير... اننا الآن نخرق سفينتنا لان السفر اصلا بلا معنى! وفي تلك اللحظة تماما... حدثت ثلاث امور متزامنه... بحيث يستحيل علي ان اقص المشهد كما دار بالفعل... فاضطر إلى تصوير كل حدث على حده... شريطة ان يستوعب القارئ هول ان تحدث الامور الثلاثة في آن واحد... ان اول ما جرى... هو ان الهمهمه سرت بين الجمهور الحقيقي الذي يشاهد خشبة المسرح الضخمة التي تسع المدرجات الوهميه التي ينتشر فيها الجمهور الكبير المكون من خمسة عشر شخصا، وتسع ايضا الخشبة الصغيرة المكونه من ركن ايمن وركن ايسر، والتي يقف عليها المؤلف الساخط وبقية الممثلين والمجنون. (هنا يجب ان اوضح ان هذا الجمهور الحقيقي كان موجودا منذ البدايه، يشاهد الجمهور الصغير والجمهور الكبير وجميع تفاصيل المسرحية على حد سواء)... لانهم، الجمهور الحقيقي، لم يفهم شيئا مما يجري. واثارت الهمهمه الكبيرة من عدد الجمهور الضخم (الذي يقترب من الالف، كلهم من كبار الموظفين والمثقفين) اثارت تلك الهمهمه، فيما بعد ارتباكا رهيبا... ارتباكا سرى إلى نفس المؤلف الذي كان لتوه غاضبا، والجمهور (المنتشر في مدرجات وهميه موجوده فوق الخشبه الضخمة) الذي ينتمي اصلا إلى العرض وخصوصا إلى المرأة الساجده (لانها دونا عن البقيه لا يتاح لها ان تختلس النظر إلى الجمهور الضخم الذي يهمهم باستياء)... هذا هو الامر الاول، اما ماجرى في تزامن مذهل مع هذا الحدث، ان المريض، الذي قيل في دعايا ذلك العرض انه مريضا حقيقيا، ان هذا المريض اطلق سراح ضحكاته المدوية. فرج المسرح رجا. واحمر وجهه احمرارا شديدا. ثم ارتمى إلى الارض واخذ يتلوى ضاحكا وقد امسك بحذاء الطبيب (الممثل). كل هذا جرى في لمح البصر. فلا احد يستطيع ان يؤكد يقينا ما الذي دفع المريض إلى تلك الحالة. اما الحدث الثالث، فهو اشتعال النيران في ستارة المسرح... الستارة الخاصة . وقبل أن افيض في وصف وقع اشتعال النيران وما تسببت به من خسائر بشريه وماديه... علي ان اؤكد ان الاحداث الثلاثه من همهمة الجمهور وهستيريا المجنون والحريق، قد جرت في آن واحد... مما يثير الشك في ان الاحداث الثلاثه مرتبه ترتيبا معنيا. فربما نتهم المجنون والمؤلف معا بانهما قد دبرا لك الكارثه سويا. وعلينا كذلك ان نخضع للقول الرائج بان المريض عمد إلى صب الريبه في نفس الجمهور الضخم، كي يربكهم وكي يهمهموا. وإلا فنحن نضع انفسنا امام التصديق بان يكون الحريق وتزامنه مع الضجر الذي أربك الممثلين وطاقم المسرح ارباكا كبيرا حال بينهم وبين انقاذ ما يمكن انقاذه امرا تلقائيا.. اي ان علينا اذن ان نصدق بان الاقدار قد تكاتفت كي تحرق المسرح حرقا بكل ما فيه. اما فيما بعد فقد جرى الامر كما يلي... احترق الستار فسقط إلى خشبة المسرح الضخمة التي تضم الجمهور الكبير (المكون من خمسة عشر ممثل كما ذكرت من قبل). ثم دوى انفجارا هائلا... طرقعه مفجعه. لكن شظايا الانفجار لم تكون حقيقيه. فقط اقمشة ونتف قطنيه تناثرت في كل جهه. وكان الهدف فيما يبدوا من كل ما جرى حتى تلك اللحظة هو ارباك الجمهور الحقيقي وارهابه ارهابا. فلقد احتد صراخهم، واصيب العديد منهم بنوبات عصبيه حادة دفعتهم إلى التشاجر. وتحرك الجميع بسرعه لكن في كل الجهات. اي ان احدا لم يخطر بباله ان يغادر المسرح فورا... وظل الممثلون حيث كانوا... مرتبكين لا يدركون ان ما يجري يجري بالفعل. وقد علت الجلبه علوا شديدا.. حتى انه يقال (ولو اني لا اصدق كل ما يقال) ان اطفالا ماتوا من هول الفاجعه (اي ان الفاجعه قتلتهم قبل ان تقع الكارثة الكبرى). ويقال كذلك ان جمعا كان يحتفل عند الاستاد الذي يبعد ميلين عن المسرح قد سمعوا الجلبه التي ثارت بالمسرح فظنوا ان الجمهور مبتهج للعرض او متاثر. وحتى يومنا هذا لم يتبين ان لدينا شهودا عما جرى في داخل المسرح فيما بعد... فالناجون حتى الآن هم فقط من استطاعوا النفاد من المسرح في تلك اللحظة ذاتها. فقد انفجرت عبوات الديناميت في أرجاء المسرح فور خروجهم تماما... حتى انهم اول ما خرجوا للشارع ورأى الناس من وراءهم انفجارا.. ظنوهم مجرمين، فاعتقلوا كلية... وكانوا تماما خمسة اشخاص ليس منهم المريض الذي ظل يضحك حتى كُتم ضحكه بانفجار الديناميت.

خاتمه: واتماما للقصة اروي ما نقله واحد من الناجين اثناء التحقيقات التي اجريت معه حول انفجار المسرح الملكي، الانفجار الذي قتل زهاء ألف نفس، بعد ترويعهم اشد ترويع بمسرحيه غريبه كل الغرابة. فقد صرح الناجي بانه كان واحدا من الممثلين، وانه كان سيؤدي دور جلاد يضرب المريض فيما بعد ضربا مبرحا في ثمة مشهد يغذي النزوة الساديه لدى الجمهور. وقد حكى الكثير من الامور عن كواليس العرض وتفصيلات الاعداد، ومما اعتبره مهما جدا ان انقل نصا ما نقله هو عن لسان مؤلف العرض، الذي احترق مع أفكاره الغريبه والهائله في اليوم الاول لعرض مسرحيته التي ظل يتخيل ويؤلف فيها طيلة خمسة عشر عاما: " اقترحت ان تظل المسارح هكذا في تتابع بحيث يزداد عدد الجمهور من خشبة صغيرة إلى خشبه اكبر عشرة افراد في المرة، فنبدأ بخشبه صغيره جمهورها خمسة افراد كما فعلنا، ثم نكشف عن خشبه اكبر جمهور ها يبلغ خمسة عشر، ثم في المرة الثالثة ينكشف عن جمهور اكبر يبلغ خمسه وعشرين، حتى نبلغ الف مشاهد يكونون هم الحضور الحقيقي اخيرا، فيشك حينها المشاهدون الحقيقيون. لكن اقتراحي لم يُنفذ، لاننا سنحتاج على عدد هائل من الممثلين. ثمة حسبة رياضيه تُقدر عدد الممثلين بما يفوق الالف، وهذا كله مكلف جدا.. فلم يجد مدير المسرح داعياً إلى ذلك" وكان هذا من حسن الحظ، والا لتضاعفت اعداد الخسائر... اما في وقتنا هذا، الوقت الذي اكتب إليكم فيه، فقد عُرف فيه ان للمجنون والمؤلف ثمة علاقة ببعضهما البعض... ففيما ورد في التقارير الرسميه أن المؤلف التقى بالمواطن ج... في الخارج. وقد عادا معا بافكار تحرريه جدا وغريبه. وقد صرح المواطن ج... ببعضها في ثمة مقال صحفي فاعتقل وعُذب تعذيبا رهيبا بالكهرباء والماء. فلما افرجوا عنه كتب قصيدة ملأى بالسباب، لعن فيها النظام والحاكم والله. فاتهموه بالجنون واودعوه المرستان. اما المؤلف ففيما يبدوا انه كتم افكاره وعبر عنها في مسرحيته. وقد راجت شائعه تستغل هذا الخبر بشكل لا يليق. ففيم قيل ان المؤلف صنع مسرحيته كحفل انتحار صارخ، وانه هو والممثلين جميعا عدميين. وقد ذهب البعض اكثر من ذلك، فقالوا ان المؤلف والمواطن ج... قد رسما تفاصيل حياتيهما رسما بالخارج. وان اعتقال وتعذيب ج... تم بارادتهم المطلقة. فعلوا ذلك حتى يُقال في نهاية الامر ان مجنونا قد فجر المسرح، كي تُنفى التهمه عن المؤلف... وفيما يتراءى لي أن اشتراك المؤلف في تنفيذ التفجير لهو امر أقرب للتصديق من ان يكون التفجير من صنيعة المجنون وحده. أما الدوافع وراء الجريمة... فهي لا تزال غامضة إلى هذا اليوم..

ــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب وقاص مصري

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم