كان نابليون بونابرت كثير الخيبة مع رغبته الجنسية بالرغم انه قد يكون مارسها بمتعة وغزارة، وهي ( الرغبة ) كان تشغل حيزا شاسعا في محارب اسطوري كل احلامه هو ان ينتصر في ساحة المعركة وفي لهاثه مع امرأة، ولكنه في اي مراجعة للسيرة الذاتية ستجد ان لديه شيئا من الاسى مع شهوة الليل، ولا ادري عندما كان في مصر التي احتلها غازيا وانهى حكم المماليك فيها إن كان قد فكر ان يمارس متعته المفضلة مع سمراء فاتنة من الشرق وقد كان جنوده يتخيلون وهم على ظهر سفن اسطوله البحري متوجهين الى بر مصر، أن هذه البلاد هي بلاد كليوباترا وسحر الفرعونيات المدهونة اجسادهن بشعاع شمس الاهرامات، فيما كان البعض يفضل النوبيات المشعات بالسمرة الافريقية الداكنة أو تلك الجواري المختبئات وراء النقاب وهي يظهرن بفتنة العين الواحدة شيء من الشهية كانت تؤدي بالجنود الى حتفهن يوم تصبح هذه العيون مصيدة لأغراء الجنود المحتلين وجذبهم الى الازقة ثم قتلهم من قبل المقاومين المصريين.

انشغل نابليون بمصر وصعوبة ان يبقى بها محتلا فلم يلتفت كثيرا الى انوثة المكان، لكن الجنرال كليبر كبار قواده والذي خلفه في حكم مصر بعد عودة مستعجلة لبونابرت الى باريس لأمر طارئ قد اقترن بواحدة من بنات اشراف مصر .

أما نابليون فقد ابقى عاطفته لعشيقاته الفرنسيات، بعضهن يخلصن له فلا يتعلق بهن والبعض تخونه مع جنرالات اخرين في جيشه فيتعلق بهن.

عقدة بونابرت هي عاطفته المشتتة والتي هي ربما نتاج مرجعية تعود الى طفولته التي لم يستطع فيها سوى لمس نهود المدمى الخشبية بالرغم من أن الوجه الكورسيكي المدور كان يمتلك خزينا مشعا من الايماءات الحادة وذات القصد الواضح من الصرامة والشهوة.

واعتقد ان نابليون عاش هاجس ايروتيكا خفية قد سكنته ولم يحصل فيها على متعة الجسد الكاملة، فعوض تلك الايروتيكيا المخفية بمتعة ما كانت تسكنه من صور تعوض عن عدم نيله لمتعة السرير عندما اسس لرغباته طموحا اخر تحقق في الكثير من مفاصله وهو ماكان يحرزه من انتصارات في ساحات المعارك عبر حروب وغزوات وقيادة اساطيل بحريه ليذهب الى الشرق الذي كان يحلم من خلاله امساك رقبة انكلترا عدوه اللدود .

قراءة شخصية نابليون بونابرت تتم في اغلب فصول حياتها من خلال حكمه لفرنسا وحروبه التي انتصر فيها او خسر، ولكن الكثير من رواة التاريخ والسيرة الذاتية انتبه الى حياته الخاصة وخصوصا تلك التي تتعلق بغراميات الليالي الباريسية التي كان يعاني في ارقها من خلال كوابيس نهايات معارك لم يكن يتوقع نتائجها كما في حربه على قيصر روسيا، او تلك التي يتمنى فيها واحدة من نساء المجتمع المخملي لمدينة باريس فلا يحصل عليها، حيث ترينا قراءة ملامح نابليون من قبل قارئ طالع او طبيب نفساني أنه يريد النصر كما يناله الاسكندر المقدوني او يوليسيس قيصر ويتمنى ان يتمتع بالجنس بمتعة ذلك القائد المنتصر وفي اوضاع خاصة تلبي ما يسكنه من هيجان وشهوة خفية وجامحة لا تظهر سوى في نظراته الى صدور النساء ذوات الاثداء البارزة وما يسكنه من هوس صبياني من ذكريات طفولية قديمة في كورسيكا عندما كان يتأمل مؤخرات اللائي كن يسبحن في النبع أو اللائي يحصدن في حقل الشوفان، وربما اراد ان يعوض عدم حصوله على رغباته المكبوتة من خلال صرامته العسكرية ليراه جنوده وضباطه متجهما في وقفته وهو يتأمل افواج جيشه وسراياه في معاركه البرية في اوربا ومصر. يعوض ذلك اثناء عودته الى خيمته الكبيرة المحاطة بحراسه ليعيش على سريره مغطى بالستن الاحمر لحظات استذكار لياليه الحمراء وغرامياتها وكيف توصله جوزفين الى متعة التأوه المشترك بعد ان تشعر بثمالة الواين قبل ثمالة شفتيه..

اجمل وجه نابليون وغرائبية غرائزه التي افترضها من خلال غيب القراءة لملامحه عبر اكثر من لوحة شاهدتها بمتاحف نمساوية وباريسية واخرى وجدتها معلقة بحانوت للأنتيكات في مدينة آخن الالمانية حيث تعود حلم القائد الفرنسي العبور من خلال هذه المدينة المحاذية لبلجيكا من الولوج الى الاراضي الالمانية والوصول الى كولونيا وجميع مدن الراين الساحر.

اشعر بما يتمناه في مطارحة الإناث واتخيل ما يود من التي تتوسد معه الفراش الدافئ للقائد العسكري والامبراطور وفي ذات اللحظة عليه ان ينسى تلك الرعشة فوق الستن الاحمر عندما تصيبه خيبة المعارك بهزيمة قاسية جراء الصقيع الروسي او من بارجات مدافع السفن الانكليزية، ولا أدري أن كان الامبراطور الذي خسر معركة واترلو ونفي الى جزيرة البا النائية في المحيط قد حصل في منفاه على امرأة يمارس معها ما كان يتمناه في نرجسية الوضع الغرامي مع النساء اللائي كان يطارحن، وربما بعض كآبة وحزن نابليون في منفاه أنه لم يحصل على تلك اللذة التي كانت تمتعه ايام كان سادن البلاط الفرنسي وقائد الجيوش .

لم تعد المرايا تلاصق وجهه وهو يتأمل هندامه وبنطاله العسكري الضيق الملتصق على كل عضو بارز في جسده ليشعر بتبختر الاسد في انتظار لبوته. ولهذا ابقى على وجهه الصارم وحزنه وكبرياؤه وهو يتأمل نظرات جنوده في ذات المرايا التي كان يتخيل بها لحظات السرير الدافئ وسط نظرات حذره من حراسه الجنود الانكليز الذين صاروا اكثر يقظة حتى لايهرب مرة اخرى من سجن المنفى كما فعل قبل ذلك.

وحتى تتخلص لندن من هذا الهاجس القلق والمتعب والخطر على هيبة الامبراطورية البريطانية والذي اسمه ( نابليون ) وضعوا له مادة الزرنيج في طعامه وقتلوه .

وربما فعلوا ذلك لشعورهم أن بعض سيدات المجتمع الانكليزي المخملي من زوجات قادة ووزراء واغنياء كن يفكرن بالذهاب الى الجزيرة التي نفي اليها القائد الفرنسي وممارسة الغرام معه .

فقد كانت الكثير من نساء بلاطات اوربا يعتقدن أن فراش القائد الكورسيكي هو اجمل والذ واشهى فراش للمتعة الجنسية في هذا العالم.

غير اني في مرات اعتقد أن نابليون بونابرت توفي وقد ابعد تماما عن رأسه تلك الرغبات الملونة التي كان يتمنى فيها تقليب جسد جوزفين على الفراش الاحمر بما كان يتمنى من اوضاع تثير فيه جبروته واحساسه انه يصلح للغرام والحرب تماما كما اولئك الابطال الاسطوريين في ملحمة طروادة .

وفي ذات الوقت كان يخلط متعته مع جوزفين بكوابيس وقلق انها ليست له فلقد كان جسدها معه وروحها في مكان آخر.

تصور موت نابليون بدون غار الامبراطور المنتصر وبيده الصولجان وبجانبه على عرش فرنسا تجلس من تستطيع ان تمتع فيه بهجة روحه العسكرية من خلال ليليها الساحر، هو تصور للخيبة المريرة التي تصيب الدكتاتور في حظه المرتقب عندما يتزامن هاجسان ابديان في كل حياته، الحرب والنساء وكأنه يصر على استعادة روح باريس وهيلين واجممانون واكليس وباتركلوس ابطال حرب طروادة، ولكنه نقلها من الاوديسة والالياذة اليونانية والإغريقية الى ليل باريس وأحلام جيوشه التي يدفع بها كل عام الى جهة ما في اوربا ثم فكر بالشرق واراد لمصر ان تكون بوابة الوصول الى ما صوره له قادته بلاد القمح والشعير والزيت وجواري الف ليلة وليلة.

مشهد استعادة طروادة بهاجسها الجنسي والعسكري لم يتكرر كما تخيله الامبراطور ولم تتكرر فيه صورة الحصان الخشبي، بل ان نابليون ادرك ان الحصان الحقيقي هو من يقود الجيوش الى انتصاراتها .لان لعبة الحصان الخشبي صارت مفضوحة ومكشوفة. لكن الانكليز في نهاية الامر حولوا القائد الفرنسي الى حصان خشبي من دون اي فائدة ، وبالرغم من هذا على جدران الكثير من المتاحف الفرنسية والاوربية هناك لوحات زيتية تظهر نابليون ممتطيا جواده الابيض امام جنوده وهو يكرر عبارته لهم : النصر انتم من يصنعه وليس ليل وسائد المخمل، وفي ذات الوقت يسكنه التفكير أن من أمانيه الدائمة ان تكون هناك معه امرأة يتحسس نعومة جسدها في كل الليل.

قتل نابليون بجرعة من سم الزرنيخ، وتلك نهاية مأساوية ارادها اعداءه لتكون خاتمة لقلقهم منه. وكان الاكثر انصافا له ولتاريخه المجيد أن يموت القائد الفرنسي في ساحة المعركة بين جنوده أو في أحضان امرأة يعشقه .

هذا ما قالته لي سيدة ذات مساء في نزهة نهرية بمركب سياحي على نهر السين حين مررنا تحت جسر ميرابو ورددت قصيدة ابولينير الشهيرة عن الجسر ثم اعدت استذكار نابليون حين قلت. فرنسا عبرت للعالم من خلال جسر ميرابو وحصان بونابرت.

قالت: اعشق نابليون لان الرجل بدون فروسية وشفاه ملتهبة، لن يستطيع ان يتمتع الانثى بما تتمناه.

قلت لها: ماذا سيحصل لو أن باريس بدون بونابرت وروسو وهيجو ورامبو وبريفر والن ديلون وبرجيت باردو وسارتر ؟

قالت: توقف ستتعب من العد، أي واحد من تلك القائمة الطويلة لو لم يولد او يعيش في باريس لفقدت هذه المدينة طغمها الساحر. ولكن مجد فرنسا يرتبط دوما بقبعة نابليون لأنه عرف تماما ان يمازج بين قنبلة المدفع المدورة ونهد المرأة التي يرتمي ليلا في احضانها.

غير ان شهيتنا وامنيتنا لهذا الرجل لن يتفوق ابدا الى ما كانت جوزفين ان تمنحه لبونابرت .

وربما وصف الكاتبة كيت وليامز في كتابها عن السيرة الذاتية لزوجة نابليون الاولى جوزفين قولها: جعلت صوتها أكثر رقّة، كما تخلصت من لكنتها التي تعود الى جزر المارتينيك، وتمرنت على فنون الإيحاء بالهمس، واكساب صوتها بحّة جذابة، والتحدث بصوت خفيض وبطريقة بطيئة وهو أمر تحوّل الى احد جوانب جاذبيتها. كما تعلمت إخفاء فمها بالمنديل عند الضحك وذلك لإخفاء أسنانها التي تضرّرت من كثرة تناول السكريات أثناء طفولتها وقد أنقصت وزنها، واكتشفت كيفية ابراز ما لديها من مفاتن عن طريق الملابس الضيقة واخفاء عيوبها باستخدام الشالات....

قلت: واين اجد هذا الكتاب ؟

قالت: سأعيرك اياه .

فرحت بهذه الهدية، وقلت :حتما سأكتشف مفاتن اخرى لجوزفين غير تلك التي شاهدتها في احدى الافلام السينمائية التي تتحدث عن حياة بونابرت وحروبه ومغامراته الغرامية.

صورة نابليون وهو مرسوما بين نهدي امرأة بيضاء مثل ثلج ليل موسكو وقت جزعه من حصار هذه المدينة التي احرقها القيصر الروسي حتى لا ينالها بونابرت .

تلك الصورة تمثال رغبة الامبراطور والقائد العسكري ان يكون هذا المكان ( النهد ) مؤى راحة الليل بعد فصل من المعارك ورسم القطط وتوبيخ قادة جيشه وامراء السرايا وهم يقفون امامه بانضباط وخوف وفي ذات الوقت يدركون تماما ان خيمة الإمبراطور حين تكون خالية من امرأة، يتم تعويض ذلك بمناديل حمراء من حرير معطر هو ذات عطر النساء اللائي واقعهن في فراشه السري عندما يتعرف عليهم في احدى حفلات الرقص الباريسية الشهيرة.

وكانت الهمهمات تصل الى جوزفين عن غزل نابليون واشارات رموشه الى واحدة تعجبه، فترد :المهم اني حصلت على الامبراطور .ولكنه في النهاية خيب املها بحجة عدم انجابها للأطفال وماتت معتزلة الحياة الاجتماعية في قصر مالميزون.

تلك الفنتازيا المتخيلة عن هاجس بونابرت مع الجنس، هي فصل لأول قراءاتي الافتراضية للحياة الخاصة للقائد الكورسيكي ــ الفرنسي الذي أدرك أن الحروب وفرنسا نافذتان تطلان على جهة واحدة هي المرأة.

فأعود الى رؤى المرأة الفرنسية التي اهدتني السيرة الذاتية لجوزفين، وأتخيل رومانسية اللحظة مع امرأة خمسينية تلتقي معي بشهية النظر الى وجه القائد في بعض خطوطه الانثوية فتسري في اوردتنا بهجة التخيل وتغمض عينيها بمتعة غريبة وهي تتخيل انها تقضي ليلة حمراء بعطر منديل جديد يشمه الامبراطور ثم يواقعها بحنان ويتركها هي لتختار الوضع التي ترتاح له ، فتهمي: احب ان تكون فوقي لتكون شفتاك ملتصقة بشفتي.

يفعل نابليون ماتريد المرأة المغرمة وتبقى مغمضة العينين ولم تتمتع كباقي متنزهي نهر السين وهم يستمعون الى اغاني شارل ازنافور، فتقول: الغرام مع نابليون اجمل اغنية.

أضحك واهمس لها: انت تريدين بونابرت وانا اريد برجيت باردو.

فترد :وكللانا لايحصل على مراده، نابليون لن يكون لي، وباردو لن تكون لك .فلنتقاسم الفراش الليلة .لا تخيلك انت بونابرت وتخيلني انا برجيت باردو .

أقبل بعرضها، وافرح وانا اهمس مع نفسي :يا الهي كتاب عن جوزفين وجسد امرأة مشتهية ، تلك هدية باريس الرائعة في اول زيارة لها.

تقول جوليان، التي انتظر مع ليلها طقوس تثول انها تشبه بهجتي في تخيل ان برجيت باردو كانت تتعرى من اجلي في افلامها السينمائية ايام صباي :

ــ نابليون كان غازيا للجسد ولا أراضي اوربا، وفي الحالتين خسر اللحظة الاخيرة التي كان يتمناها التي بدت له اشبه بخيال ملائكة في ضباب صباحات باريس او وسط الدخان الابيض لفصيل مدافعه المفضل الذي كان يوجه مدافعه بمنظاره الراصد وادواته الهندسية التي لم تفارقه كعدة حرب.

ذلك عندما فقد متعة جوزفين الى الابد ولم يعد يسمع تأوها الموسيقي يوم استطاعت ان تغريه وتسكن قلبه، وفي النهاية رموه في المنفى، وبقيت وراءه احلام الاف النساء على عموم اوربا في يتم لان وجه نابليون كان بالنسبة لهن البهجة التي تطفي نار الاشتياق الى ذكورة الجندي الذي يحلم بالنصر دائما ، وربما هو من قال: الهزيمة تولد يتيمة، والنصر له الف أب.

هو مهزوم الان، وجعلوه يتيما ينتظر صحن العصيدة التي خلطوا معها الزرنيخ ليموت.

مات نابليون لكن فرنسا لم تمت .

ماتت جوزفين في حزنها وغربتها ووحدها ـ ولكن عطر النساء لم يمت.

لقد بقيت باريس من بعده تؤرخ لحاجة الجمال في شتى اشكاله ، فستان امرأة او قنينة عطر أو علبة مكياج او صوت رومانسي لأديث بياف.

وهذا ما كان الامبراطور الفرنسي يشعر فيه وهو يهمس للكاردينال الذي عمده امبراطورا لفرنسا: بعد هذه البهرجة الاسطورية ، سينتظرك هاجسان سيشغلان كل حياتك يا بونابرت :

ساحة المعركة وجسد المرأة.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم