الفصل الأول

( المدينة الواقع ...الطين والغبار والحروب )

(( نموذج للترف الأعلى مسلمٌ به ..جسد امرأة ــ دورة قمرية ــ وللمدينةِ الخالية من العاج ، أسمكِ الأنثوي أيتها النبيلة ..)) سان جون بيرس ــ منارات

ـــ 1 ـــ

كلْ صباح تشرق الشمس هنا . منذ الأف السنين وهي تحمل كسلها بشيء من لذة الضوء في مشاعر النعاس المعتاد ويستقبلها وبحوافز من أمل وتفاءل البشر المستيقظين على سطوح بيوت الطين وموسيقى صياح الديكة وورد الحدائق الصغيرة وبيادر القمر وأشرعة زوارق الصيادين وايقاع السيرُ المنتظم لمناوبةِ جنود برج المراقبة فوق قصر الملك. وكان هناك شيخ أعتاد سوق المدينة على أن يكون صرير أبواب حانوته المبكر لتسمعه النساء اللائي يبدأن من الفجر في كنس طرقات السوق من بوابة التمر حتى سوق الصفارين وكان غناءه بشهوة رخامة حنجرته الكهلة يجعل مؤخرات النساء المنظفات تستدير بسعادة ودوران راقص من دون شعور وقصد. يوم المدينة هو ذاته ما اعتادت عليه عدا تلك الايام التي يتغير فيها شكل المدينة وإحساسها عندما تبدأ الأبواق الصباحية تطلق لحظة الإيذان ببدء ارتال من الجنود بالتحرك جنوبا أو شمالا لخوض حرب يأمر بها الملك طموحا بأراض جديدة او ردا لكيدِ معتدٍ. يختلط الرمل بضوء خضرة البساتين .ويجف طين الألواح ، ويصعد صانع السيوف من النفخ في مجمر النار ليصبح أقوى في صهر الحديد وتلينه ليكون سيوفا وخناجرا وتروسا ومباخرَ عطر، فيما يفاخر بائع الحبوب لزبونه الأكدي أن قمحه حصاد العام ولم تختلط فيه حبة شعير واحدة . للإلهة حصة في يوم المدينة ، وهي في الليل تكون أكثر تواجدا عندما يهجع الناس الى اغفاءتهم بعد نهار القيظ هذا لتبدا هي في ممارسة بعد مهارات غرامها مع أجفان عذارى تختارها هي من بين حشد لا يحصى من صبابا المدينة الساحرات أو من جواري الملك اللائي جيء بهن مدن أخرى ...آرانجا ، بابل ، آشور ، أرمينيا ، دلهي ، وأرض التتار ، عيلام وفينيق ، أراض يجهل الكهنة مسمياتها ولكن إناثها بسمرتهن الداكنة وحليهن واقراطهن النحاسية وأجسادهن النصف عارية ينبئن من يبحث عن اصيلهن انهن آتيات من ارض الغابات الغامضة التي تعيش على لغة بدون حروف وعلى نبؤات العراف وليس لديهم ملوكا او مدجننا حجرية بل كل حواضرهم عبارة عن قرى تتفرق بين الغابات وبعضهم من اكلة لحوم البشر. لكن الجارية السوداء تتميز بأنها أكثر طاعة وأكثر حرارة والاكثر غضبا حين يمس فيها شيئاً لا ترغبه ، ولكنهن في مخدع الملك حتى قبلاتهن ممتلئة بالخمر والغموض والشهوة الجمر. في الليل تسكن اطياف الالهة الأسرة والحانات والامكنة المنزوية في ظلمة الحقول والحدائق ، ومرات يقيم بعضهم شوقه مع النديم الذي يختاره على ضفاف النهر أو في العراء خارج اسوار المدينة عندما يكون هناك بدرا مكتملا وساء صافية ...وفي النهار تتكدس الالهة في المعابد تتلوا الصلوات بأفواه الكهنة وتلب بعضا من امنيات الفقراء في الرزق والسعادة وضمان عودة ابناءهم سالمين من جبهات الحرب. في المدينة أربع حانات ، الجنوبية ، والشمالية ، والشرقية ، والغربية ، ووفي كل جهة لها اريع مقاه واربع معابد ، وأربع مدارس ، واحدة لتعلم الموسيقى ، وواحدة لتعلم الشرائع ، وواحدة لتعلم الكتابة والقراءة ، والرابعة لتعلم النحت في الطين . وكل واحدة بجهة ، لهذا زائر المدينة من أي جهة سيؤم في أول دخوله السور الى حانة تستقبله وشرابا من الكروم المعتقة لنال راحة تعب الطريق وأذا كان اتياً من جهة الجنوب ستشعرهُ دروسَ الموسيقى المنبعثة من آلات التلامذة العازفين بشيء من راحة الذهن وسيعرف أنه أت الى مدينة لتعيش جفاف الصحراء والخوف والحذر كما المدن الواقعة في اطراف الصحراء او تلك التي لايعرف امراءها سوى الشغف بالحروب والتسلي بإهانة الكهنة امام الرعية. تسور غابات النخل من جهة النهر ، وعدا ذلك فالصحراء والرمل يذران دهشة الريح في شوارعها ولهذا فأن للمدينة مزاجين ، الأول تسكنه عاطفة الريف والقرية وتختفي فيه أي هاجس لطموح أبعد من قطاف السنبل وتسويقه الى المدينة ، والمزاج الثاني هو المزاج الاكثر حرارة ومشاعرا وتقلب ، مزاج الكتابة والحجر والبيوت التي تتحدى الجهة المفتوحة صوب الكثبان لتحيا على أمل أن تعيش في تحولات جديدة وتكتشف أو تغزو الواحات البعيدة. لهذا تفقد العلاقة بين امكنة النهر وامكنة الرمل حميميتها ويتسلى تجار المدينة ببراءة وفطرة الفلاح ويخدعونه في المعاملة والوزن ليعود الى بيته بسعر اقل مما كان يتوقعه لكيس القمح وبالرغم من هذا تسكنه القناعة أن الآلهة هي من تعيد اليه الفرق بالسعر من التاجر المتعجرف .ويبقى الى لحظة الموت يؤمن ان ما له سيعاد اليه حتى لو في الحياة الثانية. بالرغم من جمال امكنة جهة النهر حيث الخضرة والحقول ومشاتل الوردة وقرى الطين وإسراب العصافير والبط إلا أن أحساس المدينة بجعتها الخلفية حيث الرمل والعطش والزقورات المدهونة بطلاء قائم من موزائيك الرمل والزفت والصوان يمثل رغبة خفية لدى ساكني المدينة بأن القوة والمجد والشهرة لا يمكنها أن تصنع بغير هكذا بيئة وجغرافيا ، لهذا يفضل الملوك والامراء والكهنة والتجار قضاء متعتهم والنزهة في الصحراء حيث يحملون غيامهم وهوادجهم وفرق الموسيقى الى هناك .وفي الليل المتسع مع شهوة النجوم ولمعان ذرات الرمل يتسع الحلم والطموح بالوصول الى ابعد مكان مبتهج في امكنة الالهة السماوية ليصافحوها ويطلبون البركات في مشاريع غزواتهم الجديدة . وطوال عمر المدينة منذ أول السلالات وحتى تنصيب لوكال زاكيزي ملكا للجهات الاربع لم يفكر أحدهم أي يتجه صوب اماكن الريف ليمارس تضرعه الى الالهة ..فهم يعتقون أن اعناق النخيل تمنه بهجة النظر والتواصل مع السماء . وأن الآلهة خلقت أهل القرى الزراعية فقط من ان ان يحشوا بطون أهل المدينة بالخبز والفاكهة والخضار . لايعرف الملك أن كانت الولاء يأتيه من جهة النهر اولا أو من سكان الجهات الاخرى ، لكنه بفطرة ما يعشق بيئة الاماكن التي ينبت فيها النخل فردا وتطير في سماواتها اسراب القطا والصقور ، أنهم يعتقدون أن سر القوة واكتسابها كامن في تلك الامكنة وهي وحدها من تمنحهم القدرة ليكونوا حكماء وصارمين واصحاب حظوة ومنتصرين . يعتقد الملوك أن الصحراء تؤمن الراحة والسلامة لوجودهم أكثر من الأمكنة الزراعية حيث التفكير أن الخيانات والمؤامرات تأتي دوما من الأماكن التي يحسن الاختباء وراءها مثل الاكمة والبساتين حيث الشجر الكثيف ليأتي الخنجر الغادر في الخاصرة دائما ، ولهذا يأمر الملوك دوما أن لا يكون الشجر المتسلق في حدائق القصر قريبا من غرف نومهم .ولهذا يبقى الملوك يمسكون الارق دوما ويفتحون ابواب غرفهم الملكية مشرعة صوب السماء وخلسة يتفحصون السير اليقظ لجنود الحراسة فوق الابراج ، وحين تأتيه غفوة ما مع حلم مزعج ينادي فورا على عرافه الخاص ليفسر له سر ما أراه فيكون التفسير المخادع جاهز .ليطمئن قلب الملك ويأخذ له غفوة أول الفجر بعد ان يعبئ في جوفه آخر كأس خمرة. ثلاث لا ينامون في ليل المدينة .الحانة . وحراس ابراج القصر . وغرفة نوم الملك. الحانة تبقى يقظة كل الليل وآخر ما يبقى نائما على ارائكها ، العزاب ، والمشردين ، والشعراء والذي يشعر أن زوجته تتدفأ الآن بأحضان غير أحضانه بعد ان سأمت وملت من عودته المتأخرة وعدم تفاعله معها وتبوله المتكرر على الفراش وعجزه عن القيام بأي شيء.. وحين نصحتها جارتها باللجوء الى حانوت العراف في المدينة ليصنع لها تميمية او يرشدها لطريقة ما ..نصحها العراف العجوز ان حالة زوجها ميؤوسا منها والآلهة وحدها من تستطيع أن تخلصها من ذلك. وحين سألته بسعادة ولهفة : وكيف ..؟ أشار لها الى غرفة معتمة في نهاية الحانوت لتتدخل اليها وتتعرى..! شعرت بنشوة أن تكون مع الآلهة بالرغم من إحساسها أن شيئا ذابلا وهرما وانفاسا مرتعشة من تديم معها المودة ، وبالرغم من هذا ابقت نشوة أغماضة عينها في المتعة المنتظرة واعتبرتها بديلا مقدسا عن هجر زوجها لها وانغماره في الادمان والمجيء اخر الليل ليبلل فراشه ويملأ المكان بشخيره. أدمنت في زيارة حانوت العراف ومع كل يوم تشعر بأن الاصابع المرتعشة والفم الذابل في الطقس المظلم لا يمتعها بشيء ولأن جارتها قالت لها ذات مرة :أن الآلهة في مودتها مع الإناث تظهر قوة وحماس وتشتعل نارا وشهوة . ساورها الشك بمن يلامسها في هذا المكان المعتم وحين اشعلت شمعة في وجه ذات وجهه تفاجئت بأن العراف هو من كان يرتعش بين شفتيها متعبا ومتلهفا . أبتسم بوجه مخادع ليقول : اليوم كانت الآلهة منشغلة بأمر ما لتندبني لأكون بديلها . دفعته عنها بعيدا ليتهاوى مثل جذع شجرة هرم الى اطراف سرير .ارتدت ثيابها وهربت من المكان وهي تندب حظها باكية :هذا ثاتي حظ عائر في حياتي .زوجي وهذا العراف المخادع. ؟ّ! أبراج المراقبة فوق القصور هي المخافر التي تأوي اليها ذاكرة الملوك في الليل لتأمن من شيء أسمه المؤامرة والانقلاب. وعادة ما تكون غرفا صغيرة مربعة الشكل تتقدمها فتحة صغيرة للمراقبة . وهي وحدها من تحسن صداقة النجوم وتصنع للجنود خواطر ذكريات ما يمضي من أيامهم .وربما هي المكان الأول في التأريخ الإنساني من دفع صمتها وأمنها للجنود الذين لم تقترب من شفاههم لهيب قبلة الزوجة والحبيبة وليمارسوا هنا وفي الآخر الليل عادت الاستمناء السري ليتخلصوا من حزن ان يكونوا هنا من دون نساء ، وليكملوا بشوق ساعات المناوبة حيث لا رقيب يراقب طقسهم الميكانيكي هذا سوى النجوم ولم يسمعوا يوما ما أن النجوم وشتْ بحارس برج عما كان يفعله بيديه مع رغبة يريد إخراجها من باطنه بعد ان تخيل الجسد الذي يتوسده عاريا وعلى الفراش الدافئ. تطل الأبراج على العالم الذي تحتها وامامها ، وفي جهات اخرى من القصر لن يكون امام البرح سوى مساحة من الارض المفتوحة والعراء وتموج الرمل ، ومن هكذا جهات ينبغي ان تكون الابراج اشد يقظة وحذر لأنها الجهات التي يأتي منها الغزاة دائما. لهذا يسمح جنود الجهة المقابلة للمدينة وبيوتها أن يتسامروا مع بعضهم أثناء المناوبة ام في الجهة الاخرى فالعيون مفتوحة دوما والأفواه مطبقة إلا عند الشعور بما يعتقده الخفير جسدا غربيبا وحركة غير اعتيادية لخيول قادمة بأتجاه سور القصر حيث يفضل الملوك دائما ببناء قصورهم اقرب لجهة الصحراء بالرغم أن الغزاة يأتون منها ولكنها في جانب آخر تمثل منفذا للنجاة للهروب والمنفى حين يثور الشعب من داخل المدينة فتكون طرق النجاة من ذات الطريق الذي يجيء منه الغزاة، ولهذا يكون الحرس الأكثر ولاء للملك هم الذين يضعهم في ابراج المراقبة التي تواجه المدينة كي لا يتواطؤوا او يسهلوا فتح البوابات لعامة الشعب في ثورة جوعهم التي يشعر أنها على الأبواب بعد أن امتنعت عيلام ومدن الشمال الجبلية عن توريد القمح للمدينة بعد أن قلة غلته أثر موجة الجراد القادمة عبر البحر من زنجار ومَكان ( عُمان ) والهند. رؤية الأبراج تمنح هيبة النظر وفزع القلوب وبعض فقراء المدينة يتخيلونها مناجم للطوب الذي سيعمرون فيه بيوتهم يوم تقرر الالهة منح مشاعر الثورة لهم وسيتهدم القصر على رأس الملك ،وسيحظى اللصوص بتاجه والصولجان وخواتمه وملابسه الحرير فيما هم لا يرغبون في القصر سوى الطابوق والرخام ليعيدوا بناء أو ترميم بيتوهم المتهاوية .. ولأن الملوك يعرفون ذلك ، تندراً أو خيبة أو احتمالات غد يسمون قصورهم بيوت الشعب. هي شواخص الخوف والشموخ معا لكنها أيضا الامكنة الحصينة لليل الجنود واشتياقاهم الخاص، ويتذكر أهل المدينة كيف تم صلب أحد قادة الحضائر في ابراج المراقبة لأنه ادخل حبيبته سرا الى قصر واسكنها في واحد من الابراج وبقي لأربعين يوما يمارس مودته معها وحين ضجرت من المكان هربت ليلا ومسكها الحراس وافتضحت قصتها مع عشيقها الضابط فصلبت هي وهو في ساحة عامة بعد ان اتعقد الملك أنها بداية مؤامرة ، ومنذ ذلك اليوم صارت الابراج وجنودها تفتش من قبل عسس معينين من قبل الملك لهذا الغرض...وصار الجنود بفضل مغامرة الضابط العاشق يخافون حتى من ممارسة عاداتهم المفضلة لحظة يتخيلون اجساد نساءهم. الابراج لمن يسكنها موطنا للخوف والحذر وانتظار مجهول ما وأناس بلثام الصحراء وخوذ لامعة ورماح طويلة وجياد توحد\ خبباها مع مسافات الرمل ومتى تلوح الابراج للغزاة يشد حماسهم ليصلوا اليها ..فلا يمكن سقوط مملكة أو أن تهدم ابراجها . أهل المدينة في نظرتهم اليها يتعاكسون بمشاعرهم مع مشاعر الجنود ، فهي تشعرهم بمناعة وجبروت وقوة وعناد من يسكن محتميا بها ولكنهم لحظة اعدام الضابط وحبيبته التي اسكنها معه في واحدة منها اكتشف الناس من خلال محاورة قبل قطع رؤوسهما أن الابراج ليس مجرد حصنا للمراقبة ومشاغلة الغزاة في هجومه من خلال اتخاذها ممكنا لرمي السهام وماء النار على رؤوس من يريد اقتحامها ، لقد اكتشفوها ايضا تصلح لمحاورات الغرام وطقوسه. والذين سمعوا الهمس الغرامي بين الضابط وعشيقته كتبوا هذا على لوح واستنسخوه ليباع كواحد من اشهر قصص الحب .وربما حكايتهما هي أول قصة حب مدونة وهي من حفزت الالهة عشتار لتختار انماطا غريبة من العشاق وممارسة الغرام معهم واجملها ما كانت تمارسه من عشيقها الفلاح في بيدر محصود وتحت ضوء القمر وعندما انهت روعة غرامها معه امتصت كل الهواء من فمه ورئتيه بقبلة طولها ساعة لينتهي جثة هامدة ولتصعد هي الى السماء تفكر بحبيب الليلة الواحدة : قالت له : الغرام حين يتكرر بذات المكان وذات الانفاس وذات الكلمات عمره ليليتين فقط وباقي الليالي يصبح مملا ..ولهذا هربت .انت تريد شهوة ليل الابراج وأنا اتمنى شهوة ليلة الوسادة .فكان علينا أن ندفع الثمن القاسي هذا. سأقول للآلهة أني لست مستعدة لأموت هكذا موتا جراء غرام اجبرت عليه. ــ وأنا سأطلب رحمتها لتبقى معك في العالم الآخر.. ــ ليس لنا عالما آخرا لأن من يقتل بمقصلة يعاقب حتى بعد موته عندما يدفنوا اجسادنا في اماكن منفصلة عن رؤوسنا التي ستدفن في مكان آخر. ــ أنا ضابط في الحرس الملكي ولا اعرف ذلك... ــ أنا سمعت الكاهن يأمر بذلك ...حتى يتعظ الاخرون في ممارسة هكذا غراما مجنونا في امكنة ارادها الملك لتحميه لا تكون امكنة لتعري العشاق وملاطفاتهم. ــ لم اقدر خطورة الأمر لأن شغفي اليك كبيرا .وبسبب هلع الملك من غزو قادم ينتظر المدينة منع علينا الاجازات . وليل من دون امرأة لن يتسنى لن أن نعده من أعمارنا . ــ ولكن ليس بمكان كهذا .سمعت أبي يقول : الفقير عندما يرى طائرا أو الصباح سيأتيه الرزق حتما وعندما يرى برجا يحس أنه سيساق الى الجندية في هذا اليوم فلا يبارح مسكنه حتى لو جياع عياله. ــ أريد أن أعتذر لك ، ولم لا أعرف أن كان الاعتذار خفف من ألم السيف على رقبتك ، عندما أشعر أني كنت مغتصبا وليس عاشقا . ــ عندما أقبل باعتذارك حتما سيكون الألم خفيفا وربما لن أشعر فيه ولكني لا أستطيع أن أقبل اعتذارك .ما زلت أشعر بأنانيتك أن أكون أسيرة برج شهواتك . لقد كنت طاغية غرام وليس صانع حب ، أنك مثل الآلهة عشتار في رغباتها تريد وتشتهي وتنال وتقسو . لا تختلف عن قسوة أنو كبير الهتنا في الاصرار على النيل من اللائي يختارهن ويخطفهن من اسرتهن واحلامهن ويذهب بهن الى امكن نائية في الصحراء لينال كامل رغبته ويتركهن عاريات عرضتن للوحوش المفترسة ونهم قطاع الطرق الجائعين الى النساء دوما . ــ كنت مخطئا ، وعلي أن أعتذر وأتألم وأندب حظك قبل حظي . ــ اندب حظك أنت اما حظي فلا أريد أن يتأسى عليه أحد غيري وأمي التي اشاهد نحيبها الأن بين الجمع الواقف وسواي من يعرفها أمي. ــ أريني اياها لأعتذر منها أيضا . ــ لا وجهها لي وحدي وأنا من سيعتذر اليها وأودعها . ــ أنا ليس لي من يودعني في هذا الجمع ، فأهلي في لارسا ولا أحد يعلم أني سأذبح هنا لأني خطفت حبيبتي وارغمتها لتعيش معي اربعين يوما في برج مراقبة .وجهك فقط من اودعه ، وسأودع ايضا نافذة ذاك البرج الذي كنا نعيش فيه ليلنا السحري بمودة شفتيك. لم تكن تنتبه الى كلماته ، فقد ذهبت اجفانها الى اجفان امها ،لتختلط دمعتها بدمعة والدة تنحب بصمت بين صخب الناس المتفرجين. وعلى خيال اللحظة المصيرية يقترب السياف من رقاب الضابط وزوجته . كان الملك من غرفته يراقب الموقف ويتخيل بحسد تلك اللحظات الجامحة التي كان يقضيها واحدا مع عساكره في برج من ابراج قصرة. لم تسكنه رحمة وعطف اتجاه هذا العمل بالرغم من ان الضابط يمتلك سيرة شجاعة في ساحات المعارك ولكن الدرس ينبغي ان يتعلمه جميع الحراس كي لا يفكر الجميع ليجعل الابراج الملكية حانات وسرير غرام الى اللحظة التي يدخل فيه الغزاة الى باحة القصر ولايعلم بهم أحد. بهدوء يتقدم السياف .وبهدوء تهبط دمعة الفتاة على خدها .وبهدوء ومتعة الملك يراقب المنظر وأمامه اتوا بالواح ذكريات الليالي الاربعين التي كان يدونها الضابط بعد نهاية كل ليلة مع حبيبته ومن اول السطور شعر الملك بسعادة لان اربعين لليلة سيقضيها بعيدا عن القلق والارق وهو يتمتع بقراءة متعة الليالي الحمراء في واحد من ابراج قصره وحتما سيختار لكل ليلة جارية من بلد ما ليمارس معها ما كان يدونه الضابط في جمال تمارين الحب مع المرأة التي اختطفها وارغمها لتكون له طوال هذه المدة وكان يطعمها من ارزاق الجند حتى أن الملك تندر على ذلك وقال ينبغي ان نرقيك الى آمر حضيرة لأنكِ كنت تحرسين مع الجند وتأكلين من ارزاقهم ولكن بدلا أن تمسكي سيفا وتضعي درعا على صدرك كنت تمسكين شفتي حبيبتك وانت عارية .والجنود لا يتعرون ابدا ينبغي أن يكونوا في كامل عدتهم لهذا حل عليك الموت ولن تنالِ أي ترقية. ذاتها الالواح تعمد الملك استنساخها وارسالها الى الملكة لتمتع بها ليلها . لكن الملكة ونكاية بوقاحة الملك من اجل اشعال النار فيها بسبب رومانسية ما يصفه الضابط مع عشيقته .ولأنها تعلم ان مليكها سيطبق كل ما يصفه الضابط في الالواح مع جواريه وليس معها ..ذهبت بعد منتصف الليل الى الزنزانة التي سجن فيها الضابط وارغمته على أن يقيم معها ودا يشبه في حماسه حماس واحدة من الليالي التي كان يشعل فيها الغرام في برج المراقبة . ومثل الملك تقف الان انان النافذة من غرفتها الملكية وتراقب المشهد وهي تكلم بعينيها وجه مليكها لتقول له :لقد سرقت ليلة من الليالي الاربعين وكانت ليلة رائعة. نسخة ثالثة من الالواح استنسخها كاهن القصر وباعها الى مكتبي والمكتبي استنسخها لاف المرات وصار يبيع كل اربعين لوحا بكيس قمح وكيس شعير وكيس ذرة وجرة زيت . وقد اشترى الاغنياء والفقراء تشاركوا كل اربعين فقير ليشتروا الالواح ويتبادلونها في القراءة كل ليلة لواحد. شاعت القصة المدونة على الالواح وتعاطف الجميع مع العاشقين ورفع الكهنة والملكة والقادة وحكام المدن القريبة والشعراء وثملي الحانات استرحاما الى الملك ليعفوا عن الضابط وحبيبته .لكنه كان مصرا على تنفيذ الحكم قائلا : لو كان الاربعين يوما كلها على سريري لعفوت عنهما ولكنهم قضوها في مكان يفترض أن نراقب فيه قدم الغزاة والغرباء والاعداء وهذا من اكبر المحرمات . حتى لو فعلوها على دكة معبد لغفرت لهم لكن ان يفعلوها في برج مراقبة فهذا ما اعفو به عنه. الآلهة سمعت قصة غرام الابراج ووصلت اليها نسخا من الالواح الاربعين وتفرقت في مهاجع الالهة ليتخيل واحد شكل ما كان يحدث ولتغضب عشتار كثيرا عندما اشعرها الالهة ان الضابط الشاب مارس في مودته كما في الوصف المدون اجمل مما كانت تقصه على زملاءها من الالهة في وغرامياتها الارضية ...ومثل الملكة ..انسلت في غفوة حراس السجن لترغم الشاب ان يقيم معها مودة تشبه تماما مودة الليلة الاولى التي قضاها مع حبيبته ..لتعود ولتعترف امام جمع الالهة لحظة تمتعهم بقراءة الالواح وشرب الخمرة ان الضابط الشاب كان ممتعا في فحولته ورومنسيته وقبلاته. الليلة الثالثة المسروقة من سحر الليالي الاربعين والتي شاعت بين اوساط الشعب كانت من حصة زوجة الجلاد الذي كلف بأنزال السيف على رأسي الحبيبين .فتلك الزوجة تتحين لانتقام من فرط قسوة زوجها في انزل السيف على رؤوس ضحاياه ، وتمتع الشاب بلحظة غرام تمتع بها كثيرا عندما عرف أن زائرته الثالثة هي زوجة من سيقطع رأسه غدا ، وليتخيل قارئ الالواح الان بعد مرور اكثر من خمسة الاف عام على الحدث اللحظة التي يجد فيها المرء المهيأ غدا ليعدم أن تكون زوجة من سينفذ فيه الحكم تنام بين أحضانه وعلى كومة قش بارد لتستعر لحظته معها ولتغيب هي في مودة ما يمنح ولتهمس له : سأخبر صديقاتي وجاراتي ، أنك كنت تماما مثلما تتحدث في لياليك الاربعين وعلى حبيبتك أن تفتخر بهكذا دهشة يستحق من اجلها الموت.! اقتربت اللحظة الحاسمة ، الفتاة تنظر الى امها وهي تطلق نحيبا وترسم حزن العالم كلها في عيون ابنتها التي أذرفت دمعا صافيا ابكى المدينة كلها .. الشاب سكنت فمه ابتسامة وشهوة لوجوه ثلاث كانت حاضرت لترى المشهد وهي ذاتها اللائي سرقت من لياليه الاربعين ثلاث ليال .الملكة والآلهة التي تنكرت بزي صبية صغيرة وزوجة الجلاد . ضرب رأس المرأة اولا ... شاح بوجهه عن الوجوه الثلاث ليودع حبيبته بدمعتين ..ثم هوى على رأسه السيف لتذرف في شهقة واحدة دموع الملكة وعشتار وزوجة الجلاد ، فيما اغلق الملك نافذة غرفته وقد سكنه الضجر والحنق والخسارة عندما رأى دموع زوجته تضيء خدها وهي واقفة تودع من عرف انها أقامت معه قبل ثلاث ليال مودة غرام لم تمنح له مثلها حتى في ليلة زفافهما ...!\ ليس بعيد عن برج الغرام ومنصة الصلب توجد غرفة الملك .حيث يعيش المجد جنبا الى جنب مع الخوف والقلق وانتظار طلوع الفجر ليبدد الليل وظلمته ومفاجآته لتسود الطمأنينة قلبه ويبدأ في استقبال الوزراء وحاملي اختام السر والكهنة ويسمع موجزا لتدريبات الجند ويوقع مراسيم واوامر ملكية اغلبها تهم نفقات مطابخ القصر وقسائم شراء مجوهرات الملكة وقناني عطورها ومراسيم اعدام لصوص وخونة وجواسيس وكهنة متمردين عن طاعة الالهة والكاهن الاكبر . لا يعيش قلق في أي مكان في العالم بحجم ذلك القلق الذي يعيش في غرف الملوك حيث يفضلون النوم منعزلين فيما تنام الملكة في اغلب الاحيان في غرفة منفصلة وبجناح غير جناح الملك ، ويلتقيان لحديث أو مودة في اوقات متباعدة تأتي بناء على طلب بيد مرسال بيد جارية إذا كان من قبلها أو بيد غلام خصي اسود من غلمان الملك واهم تلك المناسبات هي في قاسم مشترك بين الأثنين من أجل أنجاب ولي العهد أو تلك التي ينبغي أن يتقاسما فيها المودة في الاحتفال السنوي لزواجهما ليشعر كل من في القصر ان المودة قائمة بين الملك وملكته ، وغالبا ما تحمل الملكات شكواهن الى الالهة من خلال الكاهن الاكبر ويذهبن خلسة الى المعبد في آخر الليل يقدمن النذور والهدايا الى الالهة المفترضة لكي يعود الملك الى مضجعه ويترك النوم وسط أجساد جواريه ، وعندما يصيب الملكات اليأس من أن الالهة لا تفعل شيئا يقمن بمزاولة لهو العلاقات الغرامية مع مفتولي العضلات من قادة الجيش أو كاهنا جميلا تسحرها انحناءته عندما تزور المعبد وبعضهن انتقاما من برود الملك يقمن علاقتهن الغرامية مع بستاني حديقة القصر أو مروض النمور حديقة الحيوان الملحقة بالقصر.. غرفة الملك لا يدخلها سوى الملك . ويسمح ايضا لمن يريدها ان تكون معه في تلك الليلة وهن يعرفن ذلك بإشارة اصابعه على الارمنية والاغريقية والحبشية أو أي واحدة يشعر انها تمنح ليله بهجة ومتعة وتبعد عنه الضجر والقلق ، ويحب الملوك الجواري الجميلات واللائي يحسن العزف بالقيثار في ليالي السمر التي يصل صدى نغمها الى غرفة الملكة التي تلعب بقيثارتها وحيدة وحزينة ومتهيئة للحظة انتقام من ملكها الذي يهجرها ويوزع رغبته على نساء من شتى الامكنة. اللحن الحزين من قيثار الملكة وتحت ضوء القمر المنسل من خلال النافذة يثير في الحرس المساكين تمني نوم ليلة خالدة مع صاحبة العزف الحزين وهي تتأمل ان يكون شريكها تائهاً بين شفتيها بعد ان يخلع تاجه وخوذته ويضع بدلا عنها نهدي ملكته او طوق غار تشمه قبل أن تشم شفتيه . لكنه يحمل طوق الاس الى غير صدرها فتكون اشواقهن مرتبطة بقادة الجند اكثر من أي عشيق آخر بسبب ان الجنود كتومين بسبب مبادئ الجيش وانضباطه وحتى انهن يفضلن بستاني الحديقة على النوم مع الالهة لأنه البستاني خجول وكتوم ولن يصدقه أي واحد عندما يتحدث عن غرامه الذي يزعمه معها فيما الآلهة غير مأمون لها فطالما تفاخرت بعلاقاتها الغرامية . ولكن كل هذا لن يكون بالضرورة علاقة جسدية تلك التي تشعر بها الملكات أتجاه قادة الجند أو أطياف الآلهة الذكورية أو الكاهن الجميل ، فبعضهن يرفضن مبدأ خيانة الملك حتى في نأي الملك عن الفراش فثمة اعتقاد مقدس في الحياة الملكية يقوم على أساس :لا يمس الملكة سوى الملك ... فيعوضن هذا الفقدان بجلب من يعجبهن في فتوته العضلات او الوجه او الكتمان ويعزفن أمامه الحانا حزينة وينشدن اشعارا ويتأملن في الرجل ما هو جميل فيه دون ان يكون هناك غرام .واولئك حتى ان أحس الملك بهم فسوف لن يراقبهم ويؤمر في خلسة ليل باغتيالهم .ولكن الذين يشعر بهم يتأخرون في مخادع الملكات تنتظرهم الخناجر في الازقة أو مخادع نومهم أو حتى وهم في ساحات القتال في مواجهة العدو. ياوي الملك الى غرفة نومه في الليل فقط .تحظر له المائدة وتجلب له الخمرة بآنية من ذهب وكؤوسا مرصعة بالأحجار الكريمة . خمرة اصلها من كروم الغابات الارمنية غالية الثمن ، تعصر هنا في اقبية القصر حيث يجلب الكرم في الشتاء ليحافظ على طروادته بالرغم من طول المسافة بين ارمينيا و أور . وحين يختمر في مذاقه النهائي يعين احد الغلمان ليتذوق ما يحتسيه الملك كل ليلة ولكن قبل ليلة ليرى تأثير السائل عليه فربما دس السم في الجرة ويموت الملك . مع الخمرة يرتاح جسد الملك وتغيب عنه الكثير من هموم النهار وشؤون المملكة الوفود والسفراء وخطط المعارك وجباية الاموال وتوقيع المراسيم الملكية وتعيين حكام المدن التابعة للملكة وتفحص النادر من بضاعة القوافل القادمة من الممالك البعيدة أو تلبية دعوة المعبد لإقامة طقوس تقديم النذر السنوي لأله المدينة ( سين ) أله القمر . بين غرفة الملك والبرج والحانة تعيش المدينة ايامها مؤمنة ان الاله سين يحميها قبل الملك بالرغم انه رفض التماس بعضا من ابناء الشعب للتدخل والطلب من الملك العفو عن الضابط وعشيقته .ووحده من رفض قراءة الالواح الاربعين ، فقط شعر بالغيظ حين رأى الضابط يصر تماما ان يمارس وده مع من يحب تحت ضوء القمر المنسل الى داخل البرج من النافذة .وعندما يكون القمر غائبا كان الشاب يشعل قناديل خافتة رغبة منه ليكون الضوء موجودا دائما في طقس غرامه .وكان سين يقول :انا وحدي من يمتلك شهوة الضوء وأنا من يقررها ويوزعها على البشر وليس اولئك الذين يخطفون النساء ويذهبون بهن الى ابراج الحراسة. وربما تشجع الملك في رد كل التظلمات عندما اخبره الكاهن الأكبر" ان الاله سين مستاء جدا من هذا العمل ، وأنه يخشى ان تكرر الأمر فسوف تهجم الجيوش الغريبة مع الهتها وتنهب المدينة ويهدمون كل تماثيله وهياكلهم ومعابده وسيصبح ذليلا بين الالهة . فثمة شعور يسكن الالهة انها بدون الجنود لا يمكن ان تحمي نفسها حتى لو كانت الهة .لهذا كان الملوك يشعرون بامتلاكهم لعدد كبير من الجنود أنهم يحمون الالهة ويمتلكون الفضل عليها . وعليه على الالهة ان تختار أي انثى ترديها من اناث المملكة عدا اللائي يعشن في القصر واولهن الملكة والاميرات ومحظيات الملك .وكانت الالهة لا تقترب من تلك المخادع إلا حين يطلب منها وخلسة. هذا الثالوث ( الغرفة ، البرج ، الحانة ) يكون صورة الليل عندما تسكن كل البيوت الى غفوتها ويهجع الجميع الى غفوة لا تستيقظ إلا في الصباح ..يربطهما تفكيرا واحدا وهاجس مشترك أنهم وحدهم من يستيقظون وكأنهم حراس المدينة يقدمون خدمة غير مقصودة ومعلنة لجعل الناس تنام بهدوء وأمان وهي مطمئنة بأن الملك بسبب خوفه على التاج سيبقى يقظا ومعه سيبقى حراس الابراج متيقظين وتلك الضريبة على الملك أن يدفعها مادام يريد أن يطيعه الشعب ويقدم له اموال الجباية والطائعة والهتاف بحياته . ولأن الجنود يأخذون معاشاتهم من الملك والملك يأخذ من الشعب ، فضلا في جعل نوم ابناء الشعب هادئا ...ولكن الحانة لا تشغل بال الناس حين يهجعون الى نومهم .فهي لا توفر لهم الأمان ولكنها قد توفر في بعض الليالي اجمل من الامان حين تقود الثمالة المتأخرة لواحد من الشعراء ليكتب اغنية او قصيدة تشاع بين الناس وتصير موروثا رائعا لجمال اللحن والكلمة والقول المأثور ، لهذا ينتظر المارة الى الحانات المغلقة في النهار وهم يهمسون : هنا كان الليل منشغلا بالترنح وكتابة الاغاني فيما كان ليل الملك والبرج منهمكا في فرضية أن العدو سياتي عندما يختبئ القمر بين الغيوم ويحل الظلام ، وبالرغم من هذا فأنهم ينامون مطمئنين فواجب الملك وجنده هو ليحميهم وهو في قرارتهم لا يمتلك الفضل في ذلك لان الجنود هم من ابناءهم .وحده هو يقول الكاهن انه من ابناء الالهة لهذا عليهم ان يطيعوه وينحنوا له ...ولا يحترموا ليله وليل البرج وليل الحانة لأنها مستيقظة معه بالرغم من أن الثمل لا يصلح ان يكون حارسا ويقظا مقاتلا لهذا كان اجتماع غرفة الملك والبرج مع الحانة في زمن واحد لا يمتلك الصلة التعوبية والمعنوية سوى ان الليل بالنسبة للملك هو موطن الحذر والخمرة وانتظار الفجر فيما ليل الحانة هو ليل خمرة القصيدة والشكوى والتخلص من هموم الحياة الصعبة والتجارب الفاشلة. لاتؤم الآلهة الحانات ، فهي تعبئ الخمرة في مهاجعها . ولكنها تشعر أن الحانات امكنة نبيلة للبوح ، ووحدها من تتجرأ على سب الآلهة والشكوى من سطوتها ، وأيضا في الحانة وبحجة الثمالة المفرطة يتم شتم الملك ويتمنى البعض النوم مع جواريه واميراته . وهو كما يصيب صاحب الحانة بالهلع والخوف ولكن قلما يبعث الملوك مخبريهم وجواسيسهم الى الحانات لمعرفتهم انها لا تؤثر في ردود أفعالها سوى مساحة الارائك التي يجلس عليها الشاربون .وعندما يغادروها يضربهم هواء ليل المدينة البارد فيعودون الى شيء من وعيهم يشعرون فيه ان شتم الملك او الالهة يقودهم الى المقصلة فيقللون من ترنحهم ولا يهذون سوى بالأغاني والقصائد العاطفية . وهكذا يكون هناك خيطا رفيعا موصلا بين الحانة والبرج وغرفة الملك ويضاف اليه مكانا اخرا هو مهاجع الآلهة حيث تنظر الى الحانات على انها امكنة سفلية ويائسة لايؤم اليها سوى من اتعبته الحياة ولم يعد مؤمنا بقدرة الالهة على تغيرها. وهكذا تعيش الحانة حتى في رؤى القادم من ازمنة المدينة بعد الاف السنين دون غيرها لنها وحدها من بقيت تلازم وجود المجتمعات حيث بدأت تختفي غرف الملوك شيئا فشيئا بفعل تتابع ثورات الشعوب فيما اختفت الابراج من القصور لن القصور الملكية احتفت بالنمط العمراني والهندسي الجديد وحملت الابراج من القصور لتشيد في مخافر المناطق الحدودية .لهذا تسكن الحانة هاجس الزمن من غير متغير ويصبح التعبير عن وجودها حتى في الزمن الحاضر عندما عاشت ذات المدينة غزوا عسكريا من اقوام اتوا من جهة الاغريق ولتستعيد الحانات ظلال الترقب في ثمالة الكؤوس يم شعر الجميع بأن جيوش العيلاميين تقترب من أسوار المدينة . هو هاجس المدينة تتعاقب فيه الازمنة وتتداخل فيها الحكايات بصور تحمل الكثير من اسى البشر الحالمين بالجنة القابعة في سماء أو ارض دلمون . الحكايات التي تتشكل كفضاء لرواية عن المكان واحلامه وليشعرك السكان هنا بانهم خليط متجانس من شتى انتماءات الروح والتأليه .تشتغل على هاجس ما أصفه انا الرواية الذي يسكنه نبض وجسد المدينة متخيلا كل الذين يعيشون على هذه المساحة المربعة من الفضاء المحصور النهر وبساتينه والرمل وصحراءه . تقبع المدينة في جنوب يسكنه الماء والقصب وبساتين النخيل والرمل . بيئات تختلف في تفاصليها وتتوحد في هاجسها أنها جنوبا تقسمه الآلهة الى اغلبية واقلية ..وكليهما يحلم .الاكثرية تحلم بفردوس والخبز والأمان ، والأقلية تحلم بالذهب والخلود والمرح .وبين الخبز والمرح تكون المدينة جغرافيتها وتزف مواكب اعراسها وقناعتها بالحياة الاجمل في دنيا دلمون ، تزف احياءها لمشاركة الموتى حياتهم الثانية في الاقبية المظلمة ، انها الصورة الاكثر مأسوية في طقوس توديع الحياة على نغم القيثارات الحزينة ونفاذ الهواء من داخل القبو حيث يرغم اكثر من سبعين فردا على مرافقة الميت في رقدته داخل القبو مع قليل من الامتعة جرار الماء وارغفة الخبز وسلال الخضار ، وعندما ينتهي الزاد والماء ويقل الهواء يسود الذعر والخوف والصراخ والتدافع داخل مساحة القبو الضيق وشيئا فشيئا يختنق الجميع ويموتون بأوقات متقاربة . الذين يموتون خنقا داخل تلك الأقبية المظلمة هم بعض من حكايات المدينة وربما هي وحدها التي تحمل التفاصيل الادق للمشاعر التي تسكن الاحياء واغلبها مبهوتة بسبب الخوف من الملك والعسس والكهنة حيث تتحرر الأفكار في الظلمة ولايشعر ساكني القبر من رهبة العالم الاعلى لكن هلع نقص الهواء في العالم السفلي يسكنه ويشعرهم أن الحياة على الارض بالرغم من مساوئ العيش فيها في ظل ملك لا ينام ليله ولاتخلوا مقصلته في نهار ما من معارض او لص او عاشق او غريب عابر أتهمه العسس بالتجسس لأنه تأمل أبراج القصر بإمعان. تدب الحياة على الأرض ويتخيل ساكني القبو خطوات الذين يمشون بين القبور انها ايقاعات موسيقى الحياة الجميلة وعبر اخيلة الذكريات وعندما تنطفئ القناديل التي اتوا بها من الارض لتنير ظلمة العالم السفلي وتكون دليلا للمرات والشوارع المؤدية الى جنائن دلمون .لكنهم يجدون الوهم والخداع عندما تنطفئ القناديل ولا يتحسس السكان القبو سوى الجدران المطلية بالجص الرطب وبداية انبعاث الرائحة من جسد الميت الذي اصطحبهم معه على امل أن يستيقظ ويعيش مع ندماءه الحياة الخالدة الاخرى. صرخ أحدهم من داخل الظلمة : يامن تدب خطواتهم فوق رؤوسنا متمتعين بالحياة والشمس والخضرة ، الفقراء ، والاغنياء وكارعو الخمرة في الحانات ، اصحاب المهن وجنود الابراج والشعراء ومعلمي دروس الموسيقى وبستاني الحدائق لا تصدقوا ما يقوله الملك والكهنة لكم أننا هنا في سرمد النعيم .نحن هنا في الجحيم وسنموت بعد لحظات.! لكن أحد لم يسمع صوت الحقيقة القادم من الأسفل ، وكل الذين يتنزهون في متعة الذكريات مع من دفنوا في الاقبية يحسدون اولئك الذين يتصارخون اختناقا ويأساً في ظلمة الروائح الكريهة والجوع ونقص الماء والهواء.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم