يمكن أن نقول: إن رواية (أوقات عصيبة) تمثل خلاصة روايات وفكر ديكنز، وكما كان يقال: إن الكاتب في الحقيقة يكتب رواية واحدة، وأعماله تفريعات أو تنويعات عليها، والمقصود أن كل كاتب لديه عصب وأساس يدندن حوله دوما بل ربما لا يستطيع الفَكاك منه، يظل هذا العصب أو هذه الفكرة العامة المسيطرة ضاربة في كل ما يكتب وإن تنوع التناول أو تشعب أو تداخلت معه أفكار أخرى.

ومن الملاحظ أن هناك بعض التفكك في روايات ديكنز؛ فبعض الشخصيات يبرز فجأة وبعض المشاهد تبدو غير مترابطة مع الأخرى وربما كان السبب في ذلك أن معظم رواياته كانت تنشر في بدايتها كحلقات في الصحف. ومعروف فكرة أن يكون الفصل الواحد من الرواية بذاته يعطي القارئ شيئا من الفائدة وإشباعا معينا مع ارتباطه العام بالرواية إجمالا، لكن هذا لا يقلل من عبقرية ديكنز ولا من امتلاكه لخيوط القصة في يده..

لقد عاش ديكنز طفولة شاقة وقهرته المدينة ببؤسها وقبحها وكآبتها، وأثر ذلك فيه وفي كتاباته بل وفي سلوكه وتعامله مع الناس حتى قيل إنه كان يلبس الملابس الزاهية ليلفت الانتباه بعد أن عرفت كتاباته وانتشرت. والذي يقرأ أعمال ديكنز يرى بوضوح أثر طفولته، وشخصياته الصغيرة السن أصبحت شهيرة كالشمس مثل ديفيد كوبر فيلد، وأوليفر تويست وغيرها.

ترسم رواية (أوقات عصيبة) صورة قاتمة لمدينة صناعية إنجليزية في العصر الفيكتوري بعيدة كل البعد عن معرفة العواطف البشرية الدافئة واستعمال الخيال أو حتى قراءة الشعر..!

ولكن في قلب هذه القتامة، وفي بيت السيد جراد جرايند الذي يعيش الواقع وبالواقع ثم للواقع تنبت زهرة صغيرة (ابنة جراد جرايند) التي ترفض مثل هذه الحياة التي ليست بحياة وتتمنى لو عاشت حياة أخرى.

إن كاتبا مثل ديكنز بخبرته في الحياة وتقلبه في دنيا القاع يرسم شخصياته بمهارة أصيلة تكاد تكون فطرية ليبرز لنا المأساة التي يعيشها الناس ويلزمون أنفسهم بها فاقدين القيمة الحقيقية التي لا يعاش في الدنيا إلا بها ألا وهي إعمال الخيال والسمو بهذه الأرواح الأرضية لنيل الأفضل..

(ملخص الرواية) في مدينة (كوكتاون) وفي غرفة الدرس في المدرسة التي بناها السيد (جراد جرايند) جلس عشرون تلميذا وتلميذة يستمعون لكلام السيد جراجرايند إذ يقول لمعلمهم: أريد حقائق مادية.. علمهم الحقائق العلمية فقط.. لقد ربيت أولادي على ذلك وأريد لكم أن تتربوا على ذلك.

كانت المدرسة تشبه السيد جراد جريند مربعة الشكل وكان كل ما فيه مربعا أيضا: رأس أصلع مربع، أصابع غليظة مربعة، عيناه مربعان كبيران عميقان.

كانت هناك بنت هي رقم (20) في الفصل جميلة ولطيفة كان لا يعرفها السيد جراد جرايند قالت إن اسمها (سيسي جوب) فقال لا بد أن اسمها هو سيسيليا فإن سيسي ليس اسما. سألها عن صنعة والدها فقالت إنه يدرب الخيول في السيرك. يستنكر السيد ذلك ويسألها عن الحصان ما هو؟ فلا تستطيع الإجابة وينطلق طفل يدعى بيتزر شاحب اللون ليقول: الحصان حيوان من ذوات الأربع يأكل الحشائش أو الحبوب عدد أسنانه أربعون..! قال السيد جراد جرايند: هذه هي الحقائق العلمية التي نريدها. وسألهم المعلم الذي كان لا يتعامل إلا مع الحقائق هو أيضا: إذا أردتم شراء سجادة هل تشترون السجادة التي رسمت عليها أزهار فأجاب كل التلاميذ ﺑـ(لا) عدا سيسي قالت: نعم لأنها تحب الأزهار وتحب أن تتخيل أنها تمشي في حديقة مليئة بالأزهار.. فقال السيد جراد جرايند: إنني أمنعك أن تتخيلي، يجب أن تنسوا هذه الكلمة.. الواقع والواقع ثم الواقع هذا ما أريدكم أن تتعلموه.

يعود جراجرايند لبيته وفي الطريق يرى خيام السيرك منصوبة في البلدة فيستنكر لكنه لدهشته يجد طفليه الكبيرين لويزا وتوماس يختلسان النظر للسيرك فيعنفهما ويقول للويزا: ماذا سيقول السيد باوندرباي.. وكان من المنتظر أن يتزوجها. إن السيد المذكور وهو رجل أصلع غليظ عالي الصوت كان ديدنه أن يتحدث عن نفسه وكيف صار غنيا محترما بعد أن كان فقيرا معدما. يعود الجميع ليجدوا السيد باوندرباي في المنزل الذي يدعى ستون لودج [نُزُل الحجر]. يتحدث السيدان عن خطر السيرك ويقترح باوندرباي على صديقه أن يطرد البنت رقم عشرين من المدرسة لأن والدها يعمل في السيرك ويقرر السيدان أن يذهبا فورًا إلى السيد جوب والد سيسي. وعند الانصراف يطبع باوندرباي قبلة على خد لويزا فتظل لويزا تحك مكان القبلة حتى يشفق عليها أخوها قالت له: لو قطعتُها بالسكين ما تألمت..!!

يذهب السيدان إلى حيث يسكن السيد جوب عابرين شوارع كوكتاون القرميدية الكئيبة التي انشغل أكثر أهلها بأعمال صناعية جعلت من حياتهم صورة مادية بحتة للعيش دون وقت للعواطف. وصل السيدان وبعد أن وجدا سيسي وعرفا أن والدها قد تركها هربا من المسئولية وإشفاقا من أن تنشغل هي بعده بحياة السيرك ولا تحصل على فرصة للتعليم. وبعد نقاش سريع مع أهل السيرك وبعد الحديث مع السيد سليري صاحب السيرك يعرض جراد جرايند أن يأخذ سيسي لتعيش معه في ستون لودج وأن يتكفل بتعليمها مع أولاده.. وانصرف السيدان تمشي بينهما البنت رقم عشرين..!

كان جراد جرايند يسأل سيسي عن القراءة فقالت إنها تتقن القراءة وقد اعتادت أن تقرأ لأبيها قصصا رائعة عن الجنيات الطيبات وروبنسون كروزو وجاليفر..

آه.. كنا نسرح في الخيال..! صدمها السيد جراد جرايند وقال: يجب ألا تسرحي ثانية يا جوب. وكانت لويزا وتوماس يتمنيان أن يتقاربا مع سيسي ولكن كان هذا صعبا وكانت لويزا تقول لأخيها: إنني لا أستطيع أن أفعل شيئا يثير البهجة فأنا لا أجيد العزف ولا أحسن الغناء ولا أعرف أي قصص ثم قالت: أود أن أضع كومة من كل الحقائق في الكون وكل الرجال الذين اكتشفوها وأشعل فيها النار ولكن عندما أذهب لأعيش مع باوندرباي العجوز سأغير بعض الأشياء فيقول توم الذي لم يكن يفكر إلا في نفسه: إنني أعرف سر التعامل مع باوندرباي إنه أنت يا لويزا إنه لا يؤخر لك طلبا ثم شرد ذهن لويزا شيئا ولكن أمها قالت لها إن أباها قد منع شرود الذهن..! فقالت لويزا: كنت أفكر: أية أشياء طيبة يمكن أن نفعلها في حياتنا القصيرة.

باتت حياة سيسي كعاصفة من الحقائق ولم يكن شيء يشجعها على العيش إلا الأمل في عودة أبيها وكان بدهيا أن تكون متأخرة في دروسها، وعرضت لويزا أن تساعدها وقالت لها سيسي إنني لا أجيب الإجابات الصحيحة وقد سألني المعلم وقال إن سكان كوكتاون نصف مليون شخص وكل عام يموت اثنا عشر شخصا نتيجة سوء التغذية فهل هذا شيء سيء أم جيد فأجبت أن هذا شيء سيء جدا بالنسبة لهؤلاء الاثني عشر وعائلاتهم فأجاب بأن هذا شيء طيب فلم أفهم..!! وكانت لويزا تسألها عن حياتها مع أبيها وأمها ولكنها لم تكن تتحدث عن هذا كثيرا كما هي أوامر السيد جراد جرايند لكنها أخبرت لويزا أن أباها كان يعمل مهرجا في السيرك وأنه أصابه الحزن لما لم يعد يضحك الجمهور كما كان من قبل ولم يتحمل ذلك وهرب بعيدا ولكنها تعلم أنه سيعود لأنه يحبها وسيرسل لها رسائل وفي كل مرة كان فيها جراد جرايند يفتح رسائله كان قلب سيسي يخفق بقوة وكان قلب لويزا يخفق معه وهي تسأله: هل هناك رسائل تخصني يا سيدي؟ فيقول: لا يا جوب ليس لك رسائل.

وكان يقول في نفسه: الأمل؛ إنه سم يسري في الدم..!! كان هناك أحد العمال يدعى ستيفن بلاكبول في الأربعين يعمل في مصنع السيد باوندرباي لم يوفق في زواجه وأصبحت امرأته قذرة المنظر سكيرة بلا حب ولا عاطفة، وكان ستيفن يحب امرأة شابة تدعى راشيل وكان يود لو تخلص من زوجته الأبدية ويتزوج من راشيل. يذهب ستيفن للسيد باوندرباي ليأخذ بنصيحته في هذا الأمر فيخبره أن القانون لا يسمح بذلك لمن هو مثلك، فالطلاق يكلف ألف جنيه وربما ثلاثة آلاف، فيقول ستيفن: إنه كان يعلم أن القوانين فيها (لخبطة) وفوضى كثيرة فيغضب باوندرباي ويقول إنها ليست كذلك ولكنك لا تفهمها فيخرج ستيفن من عنده يائسا ويقابل بعد خروجه امرأة عجوزا طويلة تسأله عن باوندرباي وتطمئن عليه وتبدو مهتمة بأخباره وتسأل المرأة ستيفن عن سنوات عمله كم تكون؟ فيقول إنه يعمل منذ 12 عاما في مصنع باوندرباي فتقول ينبغي أن أقبِّل هذه اليد التي عملت في هذا المصنع العظيم اثني عشر عاما.

يعود ستيفن ليجد زوجته قد حاولت الانتحار وراشيل هي التي تعتني بها. ينام ستيفن وتسهر راشيل لرعاية المرأة لكنها تغفل في جوف الليل وبينما ستيفن ينظر وهو بين النوم واليقظة امتدت يد المرأة لزجاجة السم مرة أخرى تريد أن تتناول منها، يسأل ستيفن نفسه: أما زال يحلم، ستموت المرأة لو شربت من هذه الزجاجة.. وفجأة تمتد يد راشيل لتطيح بالزجاجة وتنقذ المرأة.. إن موتها كان سيريح ستيفن ويحقق له ما يريد لكن راشيل بفعلها هذا ذكرته بالخير الذي فيه.. أيقن ستيفن أن راشيل هي نجمة حياته المضيئة..!

مر عامان.. أصبحت لويزا فتاة بالغا وأصبح توماس الابن موظفا في بنك السيد باوندرباي وأصبح السيد جراد جرايند عضوا بالبرلمان عن مدينة كوكتاون (عضو حقائق الواقع) كما كان يعتقد، وأصبحت سيسي كائنا بديعا رقيقا وقد تركت المدرسة لعدم الفائدة منها بالنسبة لها. كان توم يعلم بقرب زواج أخته من باوندرباي العجوز فكان يذكرها بحبها له دوما حتى يستفيد من ذلك فيما بعد. دعاها أبوها للحديث معه في الصباح وحدثها عن تعليمها وعن الحقائق والبعد عن الخيال، ويخبرها أن باوندرباي يتقدم لخطبتها فلا تبدو عليها الدهشة لكنها تسال أباها: هل يعتقد أنها تحب السيد باوندرباي فيقول لها أبوها: ماذا نعني بالحب؟ تحدثي عن الحقائق إنكما متكافئان في الثروة والمكانة وفارق السن لا يمثل مشكلة وهذا معروف هنا في إنجلترا وفي كل مكان. فتسأله: هل تعتقد أن هذه الحقائق يمكن أن تحل محل الحب؟ فيقول: بالتأكيد..!

قبلت لويزا الزواج من باوندرباي (وما كان لها أن ترفض) ولكن اشترطت على أبيها شرطا: أن يعلم السيد باوندرباي أنها لا تحبه وينبغي أن يقبل ذلك فوافق جراد جرايند على إخباره بذلك.. حين سمعت سيسي بهذا الخبر نظرت إلى لويزا بحزن وشفقة، ولكن لويزا تغيرت.. لم تعد صديقة لسيسي كما كانت من قبل.

تزوج باوندرباي العجوز من لويزا، وألقى خطبة في حفل الزواج ولم ينس أن يذكر الناس أنه بنى نفسه بنفسه فهو يستحق مثل هذا الزواج. وكان توم أخو لويزا من السعداء لأنه سيستفيد فوائد جمة من زواج أخته من رئيسه العجوز. وتقرر قضاء شهر العسل في ليون بفرنسا لأن باوندرباي كان يود أن يزور مصانع النسيج في ليون..!!

كانت مسز سبارسيت مدبرة منزل السيد باوندرباي قد سكنت شقة فوق البنك بعد زواجه وكانت تتابع عماله وتسأل عنهم بيتزر ذلك الفتى (الواقعي) الذي كان زميلا لتوم منذ أيام المدرسة. أخبرها عن إهمال توم لوظيفته، وعن دعوة بعض عمال المصانع لإنشاء نقابة لهم. كانت مسز سبارسيت من أسرة عريقة ضاعت ثروتها فكانت تعمل في بيت السيد باوندرباي وكان يحفظ لها نبلها وعراقتها. أخبرها بيتزر عن توم وكيف أنه لا يراعي عمله في البنك وينفق الأموال بإسراف ويشرب الخمر. وبينما هما جالسان طرق الباب طارق، لقد كان جنتلمان يسأل عن السيد باوندرباي وكان قد قابل السيد جراد جرايند في لندن وأراد تقديمه لباوندرباي فجاء ليزوره في بيته إنه جيمس هارتهاوس الأخ الأصغر لعضو برلمان زميل لجراد جرايند..

يزور هارتهاوس السيد باوندرباي وزوجته الصغيرة. تبادلوا الحديث حول العمل والبرلمان ولاحظ هارتهاوس تصلب وجه لويزا وقسوته ولم ينفرج إلا بعد أن وصل أخوها توم. قال في نفسه في نهاية الزيارة: لا بد أنها تعني الوحدة ولكن يبدو أنها لا تحب إلا هذا الجرو الصغير توم..!!

يحاول هارتهاوس مصادقة توم وينجح في ذلك فورا ويسعد توم بصحبة شخص مثل هارتهاوس.. أراد هارتهاوس أن يعلم الكثير عن لويزا وكيف شكَّلها السيد جراد جرايند لتكون مثله تماما..!

ينجح العمال في تشكيل نقابة لتراعي حقوقهم وتتكلم باسمهم لكن ستيفن بلاكبول لا ينضم إليها ويضجر العمال منه ويظنون أنه بعدم انضمامه لهم سيكون مصدر ضرر لهم، ويضجر منه باوندرباي أيضا ويطرده ويأمره بترك المصنع في آخر الأسبوع. ينصرف ستيفن حزينا وفي الطريق يقابل راشيل والسيدة العجوز التي قبلت يده من قبل ويدعوهما لتناول الشاي عنده وبينما هم جالسون يفاجأ الجميع بزيارة مسز باوندرباي وتوم لستيفن وبينما اختبأت السيدة العجوز (كان اسمها مسز بيجلر) منها تحدثت لويزا مع ستيفن وعلمت أنه سيرحل عن كوكتاون للبحث عن عمل فوضعت أمامه أربعة جنيهات لكنه لم يأخذ إلا اثنين فقط.. وعند الانصراف اختلس توم كلاما مع ستيفن بزعم مساعدته قال له: انتظر كل ليلة من الليالي الباقية لك أمام البنك ولا تتحادث مع بيتزر وإذا استطعنا أن نساعدك ونفعل لك شيئا سيحمل لك بيتزر رسالة. فعل ستيفن ما طلبه منه توم تماما وبعد عدة ليال رحل عن كوكتاون.

أقامت لويزا في بيت باوندرباي الريفي صيفا هربا من الحرارة ومعها مسز سبارسيت غالبا وكان باوندرباي قد عرض على هارتهاوس أن يقيم فيه أيضا بعيدا عن صخب المدينة، فكانا (لويزا وهارتهاوس) كثيرا ما يتبادلان الحديث عن توم وعن زوجها، وقد أخبرت لويزا هارتهاوس أن توم أخذ منها مالا كثيرا. جاء توم للمنزل الريفي وكان مفلسا لذا كان فظا بعض الشيء مع لويزا ولكن هارتهتاوس نصحه فيما بينهما أن يكون طيبا مع أخته.. وأصبحت لويزا أكثر ودا مع هارتهاوس..!

في يوم من الأيام انفجر الخبر: لقد سُرق بنك السيد باوندرباي، وكان المتهم الأول في ذلك ستيفن بلاكبول العامل المطرود فقد شوهد مرات في ليال متعاقبة يقف أمام البنك. بل وحامت الشكوك حول السيدة العجوز الغامضة التي شوهدت أيضا تقف أمام بيت السيد باوندرباي.

كان باوندرباي مغتاظا للسرقة لا للمبلغ الذي سرق إذ كان تافها بالنسبة له (150 جنيها) وعندما عاد توم للبيت مساء سألته لويزا وهي لا تصدق أن يفعل بلاكبول هذا الأمر: ألا تريد أن تخبرني عن شيء يا توم فتهرب توم من أسئلتها وعينيها، لكنه حين دخل غرفته أجهش بالبكاء.

ازداد اهتمام مسز سبارسيت بالسيد باوندرباي فازداد مباشرة التقارب بين لويزا وهارتهاوس. وكانت مسز سبارسيت تراقبهما من بعيد وتخمن أن بينهما شيئا وكانت تذهب لقضاء نهاية الأسبوع في البيت الريفي كما هي وصية السيد باوندرباي الذي سافر لبعض العمل لمدة أسبوعين. ركبت القطار وحين وصلت وجدت لويزا وهارتهاوس متقاربين وسمعت همسا منه بكلمات الحب ولم تسمع كلام لويزا كله ولكنها التقطت كلمة: الليلة.. وانصرف هارتهاوس راكبا جواده. ركبت لويزا القطار فانطلقت وراءها مسز سبارسيت لتعلم وجهتها اتجه القطار نحو كوكتاون ولما وصل المدينة نزلت مسز سبارسيت لكن لويزا لم تنزل وانطلق القطار مرة أخرى ووصلت لويزا ستون لودج ودخلت على أبيها مباشرة لتفاجئه بكلامها قائلة: إنك لم تمنحني شيئا يجعل لحياتي مذاقا طيبا. أين الحب الذي يجب أن يملأ قلبي؟ إن قلبي عبارة عن شيء فارغ..!!

وصرخت صرخة مرعبة وسقطت على الأرض وشاهد السيد جراد جرايند كل حقائق أفكاره ساقطة على الأرض..!

استيقظت لويزا في الصباح لتجد سيسي معها.. احتضنتها وأحست بالدفء والحب، وكان جراد جرايند قد بدأ يغير أفكاره حينما رأى أن الحب قد غير أشياء كثيرة في البيت وعلم أن العقل يعجز عن فعل أشياء يقوم القلب بعملها بسهولة..!

وبينما كان هارتهاوس في فندقه ينتظر مجيء لويزا إليه قيل له إن سيدة شابة تطلب رؤيته فتحمس وظن أنها لويزا لكنها كانت سيسي قد أتت لتقول له إنه لن يرى السيدة الصغيرة مرة أخرى وينبغي أن يغادر كوكتاون فورا وإلى الأبد، وبعد حوار يذعن هارتهاوس ويقول في نفسه: إن ما قدر أن يكون حتما سيكون..!

وذهبت مسز سبارسيت إلى السيد باوندرباي في لندن لتخبره أن لويزا هربت مع السيد هارتهاوس. يعود معها باوندرباي ويذهبا لبيت السيد جراد جرايند ويلقي إليه ما بلغه فيقول له إن لويزا هنا فيغضب باوندرباي على مسز سبارسيت.. يقول جراد جرايند لباوندرباي إن لويزا ينبغي أن تبقي هنا بعض الوقت لتسترد نفسها فيغضب باوندرباي ويرسل حاجياتها إلى ستون لودج، ويتفرغ بعدها للعمل مبتلعا الموقف ليحاول الوصول إلى سارق البنك، ويرصد جائزة لمن يدل على بلاكبول. وتذهب راشيل إلى منزل السيد جراد جرايند فتقابل لويزا وتوم بل وباوندرباي وتخبرهم عن اللقاء الذي تم بين لويزا وتوم وستيفن بلاكبول وراشيل في منزل بلاكبول بعد طرده من العمل وأنه لا يمكن أن يسرق وسيعود ليثبت براءته..

لكن ستيفن لم يعد بعد وقد أصبح توم دائم الاضطراب والتوتر.. ظلت الشرطة تبحث عن ستيفن بلاكبول. أما مسز سبارسيت فوجهت جهودها لشيء آخر وبسؤال سيسي وراشيل توصلت مسز سبارسيت إلى المرأة الغامضة التي يشك أن تكون ساعدت ستيفن في سرقة البنك وفي حضور الجميع جراد جرايند وباوندرباي ولويزا وراشيل وسيسي وتوم يعلم الجميع أن هذه المرأة ليست سارقة بل إنها لا تستطيع أن تسرق باوندرباي بالذات لأنه ابنها..!!

ويتضح أن مسز بيجلر لم تكن أما فظة ألقت بابنها إلى الشوارع كما زعم باوندرباي. بان كذب باوندرباي وعلمت كوكتاون كلها حقيقته.

بينما كانت سيسي وراشيل الصديقتان الجديدتان تتمشيان يوم الأحد في الريف خارج المدينة وجدا قبعة كتب عليها اسم ستيفن بلاكبول وبعد البحث عثرا على حفرة عميقة وقع فيها ستيفن وهو في طريقه إلى كوكتاون وبالتحديد إلى بيت السيد باوندرباي ليثبت براءته. استخرجه الرجال من الحفرة وكان محطما لكنه بعد فترة استطاع أن يتكلم وطلب من لويزا أن تسأل أخاها توم فهو الذي يعرف لماذا كان ستيفن ينتظر أمام البنك كل مساء، وسرعان ما فاضت روحه وهو يمسك بيد راشيل الباكية..!

قامت سيسي بتهريب توم إلى سيرك السيد سليري الذي كان يعمل أبوها معه. اختفى توم في ثياب وتنكر المهرج حتى جاء السيد جراد جرايند ولويزا ليخبراه أنه يجب أن يغادر إنجلترا الليلة إلى أمريكا وأحضرا له التذكرة والنقود..

ولكن فجأة يظهر بيتزر الذي تتبع توم ليطالب بعودة السارق ليقدم إلى العدالة ويأخذ هو المكافأة بل ويحصل على وظيفة توم في البنك.

صاح به جراد جرايند: ألا تشعر بالرثاء لحالنا فقال بيتزر: الرجال العقلاء لا يهتمون إلا بالحقائق المادية يا سيدي..!!

لما سمع السيد سليري هذا الكلام قال: لم أكن أعرف أنه لص، لا بد أن يعود إلى كوكتاون لكنه كان يتظاهر بذلك فقط وفي الطريق زعم أن الجواد قد اهتاج وهرب توم ولم يمض كثير وقت حتى كان يركب البحر في طريقه إلى أمريكا وعاد بيتزر وحيدا.

أقام جراد جرايند غداء لأهل السيرك ليشكرهم وظلت سيسي تأمل في عودة أبيها وعاشت في بيت جراد جرايند لتنشر الحب والأمل وتلقى أولاد جراد جرايند الصغار الآخرين تعليما مختلفا عن تعليم لويزا وتوم..

كان البيت مفعما بالحب والخيال والصور الجميلة والزهور..

تزوجت سيسي وعاش أولادها نفس الحياة المفعمة بالحب والخيال وحكاية القصص الشائقة وقراءة الشعر..

أحبت لويزا هذه الأشياء بل عشقتها..

تلك الأشياء التي طالما حرمت منها من قبل.

-انتهت-

(تشارلز ديكنز) هو تشارلز جون ديكنز مولود في 7 فبراير 1812ومتوفى في 9 يونيو 1870.

يعد بحق وبإجماع النقاد أعظم كتاب العصر الفيكتوري.

ولد في (لاندبورت بورسي) لأبوين فقيرين، وكان أخا لثمانية إخوة لذا أحس بالفقر صغيرا.

اضطر ديكنز لترك المدرسة وهو صبي والتحق بالعمل ليشارك في إعالة الأسرة وفي سن العشرين عاد مرة أخرى ليلتحق بالمدرسة وعمل مراسلا لإحدى الصحف المحلية وفي سن الرابعة والعشرين أصدر أولى رواياته مذكرات بيكويك التي كانت سببا في بداية معرفة القراء به وشهرته.

إن تشارلز ديكنز كاتب ثري ويكفي أن تعلم أنه كتب قدرا كبيرا من الروايات والكتب الأخرى والمقالات والقصص القصيرة خلال مدة عمره التي لم تتجاوز الثمانية والخمسين عاما. إن طباعة كتب ديكنز لم تتوقف أبدا منذ تأليفها وحتى الآن..

(أعماله) • مذكرات بيكويك. • أوليفر تويست. • البيت الموحش. • دوريت الصغيرة. • أوقات عصيبة. • حكاية مدينتين. • آمال كبرى. • أنشودة عيد الميلاد. • ديفيد كوبر فيلد.

وله من القصص التي كانت تصدر مسلسلة في الصحف غير ذلك الكثير. وله مقالات ومسرحية أو مسرحيتان وبعض الأشعار..

إن تأثير تشارلز ديكنز في الأدب الإنجليزي بل والعالمي ليس صغيرا، فضلا عن تأثيره الأكبر والأبرز في القراء في كل مكان في العالم.

المصدر: شبكة الألوكة

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم