ليس هناك ما يسرّ القلب أفضل من المشي صباحا في شوارع وهران مع بزوغ الفجر، وأنت ترتدي المانطو الذي ورثته عن أبيك، منذ أن توفي قبل عشر سنوات، هناك إحساس بالدفء و أنت تلبسه و تتبختر به في شارع خميستي، بعد رقدة حارّة بين أحضان غانية في حانات عيون التّرك، عليك بحانة المنارة أو حانة الجوهرة، ثم خذها الى أوتيل التركي القريب من بارادي بلاج، والذي يترجم في قاموس العربية بشاطئ الفردوس... هذه المدينة التي تحتكرك في فصل الغواية  والألبسة الفاضحة، والغانيات، لترميك في أحضانهنّ في فصل الشتاء، بين صخب الهدوء وموسيقى الشّاب عبدو وهوّاري دوفان بين أنامل يد علي عازف السانتي.

عيون الترك صيفا منارة لأبناء الصّحراء من المدن والمناطق الحارّة والجافّة، تجدهم عطشى للبحر والعري ، للسكر وللفضح المباشر حيث تجدهم يصطفّون حول اللواتي يلبسنّ مايوهات البيكيني من قطعتي قماش مزهرة ومنورة مثيرة.

هذه المدينة الغريبة التّي تشتهيها و تشتهيك بعريها وجلبابها، بسروال الجينز المحصور على أجساد إناثها و النّقاب الذي يغطي عريهنّ أحيانا، مدينة الملائكة والشياطين، الأئمة والمخنّثين..

سبحان الله لهذا التناقض في مجتمعها !.

المدينة الصاخبة ليلا، والمتدينة في عزّ النّهار، ترقد على باراتها وكاباريهاتها ومساجدها.. أغرب ما أراه بها أن يبنى مسجد مقابل بار صغير من جهة متوسطة الشط بحي بوزفيل المشهور بعاهراته.

وانت في مرحلة شبابك وفي طريقك إلى ثانوية مولود قاسم أو المسماة بالليسيه الجديد وفي أجواء هذه التسمية الشائعة له تتذكر أغنية الشاب خالد "طريق الليسي يا دلالي"، حيث أجواء الحرية تبدأ هناك من ماركة الجال التي تختارها من السّوق والأغنية الّتي تدندن بها ورفاقك كلّما مرّت عليك جميلة وهي في طريقها الى الثانوية،الى الليسيه ..

المرأة في وهران تمارس غوايتها منذ سنّ المراهقة لذا تجدها محترفة، نهدان بارزان وسروال جينز ملتصق بجسدها وهي تمر عليك في طريق الليسيه، لتبتسم لك وتغمز في آن واحد، تتساءل عن شعور الشاب خالد في صورة كهذه ؟

لهذا ألهمته الصّورة بالأغنية لتكون خرجته الّتي اشتهر بها بين أفواه المراهقين "طريق الليسي يا دلالي"؛ متعة الشابّ هي التّحرّش بالفتاة بهذه الأغنية فيكون لسانه سابق أوانه، لتليها متعة التّحرّش الجسديّ ...عاشق وعاشقته تحت حائط الليسيه أو في مكان يفترض أنه بعيد عن أنظار الناس يقبّلها وهي كذلك، ولكن سرعان ما تنتشر قصّة العشق في المدينة لأنّه فقط أحد العابرين نقل المشهد في صياغة سردية وحكايات بمتعة.

ها أنا أحد الفضوليّين الّذين ينقلون لكم مشهدا لعاشقين بدأت قصتهما من الأغنية المشهورة وسروال الجينز و كمّيّة الجال و أحمر الشفاه، كل ما هو ذكوري و أنثوي اجتمع للعشق... اجتمع للغواية في وهران منذ السنّ المبكرة، وهران، تلهم بالمجون والجنس وكلّ كلام تعاكس به أيّ فتاة تمر عليك، وهران الّتي تتراقص على نغمات الشيخة رميتي و الحاجة زهوا نية، والشابة دليلة و هواري منار... في وهران الكل يرقص، الكلّ ماجن على طريقته حتى الّذين نصلّي معهم بالمساجد...

تمرّ الأيّام عليك وأنت في لهوك ومجونك لتكشف لك الأيام أنك كاتب يمارس طقوسه في الأدب، في قصيدة شعرية أو قصة أو رواية... لا يهم كيفما كان جنس هذا الأدب أو كان صنفه أو حتى شكله، المهم أن يكون مواتيا للغواية والحب والجنس أن تقرأه فتاتك التي أحببتها منذ سنوات الليسيه وهجرتك مع أول من دق باب دار أبيها الحاج حسني مالك لفندق في عين الترك نسيت اسمه، أو بالأحرى أتحاشى ذكره لأنسى اسمها...حين يرتبط اسم حبيبتك الماجنة في قبلتها باسم فندق يملكه أبوها، وذلك الفندق المشهور بعاهراته تتوضح لك الفكرة أن حبيبتك قد تكون احدى عاهرات الفندق خاصة عندما كانت تحجز لك سرا غرفة به لتلتقيا وتمارسا الجنس، شريطة ألا تفقدها عذريتها.. الحب في مجتمعنا مرتبط بفقدان العذرية، لذا دائما تجد الجميع يخاف على شرف القبيلة .

روائي جزائري الرواية صادرة عن دار ورد بالأردن 2015 الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم