وفاء

اسمي وفاء، كم صار هذا الاسم يثير في نفسي السخرية، لأنه – ويا للعجب – اسم على مُسمى، إذ عشت عمري أو لأكن أكثر دقة عشت سنوات زواجي وأنا وفية لهذه المؤسسة، بلغت منذ أيام الثالثة والخمسين، وحين أنظر إلى حياتي أصاب بالذهول، صدقوني هذا الشعور جديد، يمكنني حصر ذهني وتحديد بداياته، إذ أنني وجدت نفسي فجأة بحالة غريبة من الذهول والغرابة، كما أنني مُغلفة بورق سيلوفان أو موضوعة في قفص زجاجي وقد عُزلت كلياً عن العالم الخارجي، انتابتني هذه الحاله الغريبة وأنا في أوج انهماكي بخطبة ابنتي جود، جود المهندسة الجميلة ذات الأربعة وعشرين عاماً والتي أحبت شاباً يكبرها بخمس سنوات، تاجراً ومن أسرة مرموقة، وكنا سعداء، كلنا كنا سعداء والدها وأخيها، وصديقاتها والأقارب والمعازيم، وسط مهرجان الفرح والحفاوة وأنا الأم التي يُفترض أن تكون الأكثر سعادة وأن أذرف دموع الفرح، وجدتني أنسحب من الجو الاحتفالي وأحس بضيق كما لو أنني أختنق، وفعلاً شعرت بالاختناق ولم أبالي حين فككت حمالة نهدي عساي أحس براحة أكبر في التنفس، لكن إحساسي بالضيق وبمشاعر غريبة انقضت علي من الخوف والقلق والرغبة بالهروب، أكثر شعور هيمن علي وأنا في قلب الاحتفال بخطبة إبنتي هو الرغبة بالهروب، كنت أتخيل أنني أفر خارج هذا البيت الذي عشت فيه أكثر من ربع قرن، أركض وأركض وأظل بحالة ركض حتى أصل إلى الللانهاية، وعزوت اضطراب مشاعري وما أحسه إلى التعب، فتنظيم حفلة الخطوبة والدعوات وإختيار الألبسة الأنيقة لحفل الخطوبة مهمة مُرهقة، كنت أنظر لابنتي سعيدة مُشرقة عاشقة وأسقط عليها روحي، أتخيل أنها ستعيش ما عشته وستشعر بم شعرت به، كانت خطوبتها أشبه بصفعة مدوية لي كي أواجه حقيقة ما عشته، كي أتمكن من إجبار نفسي على الفهم الصحيح لمشاعري طوال هذه السنوات وأنا أعيش مع رجل اسمه زوجي واسمي زوجته، وما جمعه الله لا يُفرقه إنسان، ربما هذه العبارة الواردة في الإنجيل حفرت عميقاً في روحي ووجداني، قرأت ذات مرة أن كثير من الناس تسيطر عليهم عبارة قرؤوها ويعيشون كل عمرهم تحت تأثيرها، وأظن أنني من هذا النوع إذ كان الزواج شيئاً أشبه بالأبدية، مؤسسة لها أولوية الاستمرار من أجل الأولاد، رابط أزلي وأبدي بين امرأة ورجل تبادلا نذور الزواج أمام المذبح، تجرأت وقلت لنفسي أن كلمة مذبح ربما مُشتقة من الذبح، عشت عمري مع زوجي تعيسة لكنني أوهم نفسي أن تعاسة الزواج طبيعية، وبأن تعاستي ما هي إلا ضريبة يجب أن أدفعها من أجل سعادة أولادي الذين أعبدهم، بل إنني في مراحل كثيرة من حياتي كنتُ أوهم نفسي أنني سعيدة، كان زوجي رجلاً ناجحاً وعاشقاً لنفسه وشديد الإعجاب بمزاياه، لم ألتق بشخص مُعجب بذاته ويعشقها مثله، وكنت أعتبر أن من واجبي أن أشاركه هذه المشاعر وأن أطريه دوماً، كان مستعر بحب الظهور ويريد أن يكون محط الأنظار في كل مكان، وكان يؤمن أن كل شيء مُباح له، تصورن.. زوج يقول لزوجته: كل شيء مُباح لي! وهي تنصت إليه صامتة، دافنه روحها وكرامتها في الصمت، كان يؤمن أن من حقه بعد يوم عمل شاق أن يسهر حتى الفجر أو ساعة متأخرة من الليل مع شلة الأنس –كما يسميها – ويجد أن دوري الطبيعي أن أبقى مع أولادي الصغار الثلاثة الذين أنجبتهم بفارق سنتين بين كل طفل وطفل، كان يملك مزرعة دواجن ومقلعاً للرخام، ويهب كل وقته واهتمامه بعمله والنجاح الكبير الذي يحققه والأرباح الطائلة التي يجنيها، وكنت أتفرج على نفسي كيف ينزلق بي الزمن يوماً بعد يوم وسنه تلو سنه والمشهد ذاته يتكرر أبداً: أنا في البيت مع أولادي الثلاثة، أتحمل مسؤوليتهم وحدي، أتابع معهم دروسهم وأعتني بهم وأصحبهم إلى الطبيب أو مدينه الملاهي أو السينما، نسافر من حين إلى آخر في رحلات سياحية نادراً ما يكون زوجي معنا بحجة العمل، مع أنه كان يسافر مراراً إلى أوكرانيا وماليزيا بحجة العمل، وكنت أعرف بحدسي أن هذه الأسفار ما هي إلا سياحة جنسية، وفي المرات القليلة التي ثرت فيها وقلت له بأنه يجد الوقت ليسافر مع أصدقائه لغاية معاشرة العاهرات ولا يجد الوقت ليسافر مع أولاده أو يهديهم وقته وإهتمامه كما يُفترض به كأب، جن من الغضب وأمسك نفسه بصعوبة عن ضربي وذكرني بالحقيقة الوحيدة التي يؤمن بها والتي علي أنا بدوري أن أؤمن بها إن أردت لهذا الزواج الإستمرار وإن كنت حريصة على سعادة أولادي وألا يحصل طلاق بين أمهم وأبيهم: كل شيء مُباح لي هل تفهمين..؟

وفهمت لأن كل كياني كان ككبش فداء على مذبح الأسرة، لقد غيبتُ نفسي تماماً وأصبحت زوجة وأم، وكنت أتماهى مع أولادي وأغرق في تفاصيل حياتهم كي أنسى ذاتي، كي أفقد ذاكرتي وأنسى المرأة التي كنتها قبل الزواج، لكن لم أستطع أبداً أن أخنق شعوري بالتحسر الدائم على نفسي القديمة، نفسي التي أتخيلها شابة مُفعمة الحيوية واثقة بالحياة وسعيدة، لقد خذلت تلك الشابة وتركتها وحيدة على رصيف الحياة، وبعت نفسي لرجل، لزوج شديد الفخر بتجاهله للأخلاق حين يتعلق الأمر به، وبأنه يسجنني في قفص جميل أنيق تخنقني تحفه الباهظة الثمن، لا أنكر أنني أتحمل جزءاً كبيراً من المسؤوليه، فأنا مسؤوله عن تعاستي لأنني كنت أرتعب من فكرة الطلاق، إذ كنت شديدة الحرص على مهابة التقاليد، وكنتُ أبجل نفسي لأنني أم، يكفيني هذا الشرف، يكفي أن أولادي ناجحون وسعداء، الآن أشك أنهم سعداء، لأنني أعتقد أن الطفل يشعر بتعاسة أمه مهما حاولت أن تتظاهر بالسعادة، إبني الأصغر كان يرنو إلي ويسألني: ماما تبدين حزينه ! فأرد عليه ضاحكة: يا حبيبي أنا متعبة فقط، مجرد تعب. هل كان يصدقني؟ لقد عشت أياماً من التوتر الشديد والإضطراب الذهني لدرجة كنت أتخبط في أفكاري فلا أعرف أن أميز هل أنا في النعيم أم الجحيم، فمن زاوية تأمل حياتي مع أولادي الذين أعبدهم كنت أشعر أنني في النعيم، وحين أتأمل يباس روحي وتعاستي الزوجية أحس أنني في الجحيم، ربما كنت في النعيم والجحيم معاً. لم يكن زواجي سوى موتاً روحياً لي، سحق لتميزي وخصوصيتي من أجل الواجب، رجل إستبد بي تحت شعارات الحب والأسرة وقدسية الزواج، وهو لا يقدس سوى نزواته ولا يُحب إلا نفسه، وأنا قبلت أن أدفع الضريبة، أن أضحي بنفسي. الزلزال الذي تفجر في نفسي في حفل خطوبة إبنتي جعلني أعيد إحياء كل ما عشته، كنت أتأملها مذعورة أن تعيش ما عشته، أن يدمر الزواج روحها كما دمر روحي. أن تُستعبد وتضحي بذاتها تحت شعارات مزدوجة المعايير، مُبطنه بغايات مدمرة للروح: الأمومة .كوني أماً وإفتخري، كوني أماً وكفى، كوني أماً وموتي روحياً. بعد نهاية حفلة الخطوبة كنت بحالة مُريعة من التوتر، هربت إلى فندق وأقفلت تلفوني الخليوي، أخبرت أسرتي أن بي حنين مفاجئ لأنام عند أمي، ولم ابالي إن اكتشفوا كذبي، في غرفة الفندق كنت بحالة نصف صحو نصف نوم، عصفُ من الصور تنهمر أمامي وتُدخلني في دوار، اشمئزاز فظيع من حياتي أخذ ينمو كغثيان يطفو يعلو في روحي، كنت أريد أن أتقيأ حياتي الماضية، السنوات الطويلة الطويلة المُعفرة بالتعاسة والتضحية بالذات، كنتُ عبدة ولم أكن زوجة ولا حبيبه، حتى علاقتنا الجنسية كانت مُريعة، فما أن تبدأ مشاعر لذتي بالتكون حتى تنتهي لذته ويتنهد مرتاحاً منتشياً ويتركني تحت ذل لذه تُجهض في كل مرة. وكنت أخجل أن أصارحه بم أشعر بل أتركه يعتقد أنني سعيدة ومنتشية مثله، لم أكن أولي أهمية لعلاقتي الحميمة به لأن كل شيئ في حياتي معطوب، لم تكن بيننا متعة المشاركة، كان في عالمه تجارته وعاهراته وأنا في عالمي مع أولادي الذين أردت أن أعوض خسائري من خلال نجاحاتهم، لكن خسارة الروح لا يمكن تعويضها، ولا يمكن لأحد أن يعوض أحداً عن خسائره، الأمر أشد تعقيداً من مجرد خسائر، ثمة موت روحي أصابني، إحساس بالقهر والمهانة والإستعباد، كان كل كياني في دوامة، ورغم إختلاط مشاعري وتخبطها فإن الشعور الذي طغى أخيراً هو الإشمئزاز، ومع طلوع أول شعاع للفجر كان قراري قد تشكل: الطلاق.

ستتزوج إبنتي بعد شهرين، سأنتظر حتى تتزوج وأطلب الطلاق، إبني البكر يدرس في ألمانيا والصغير سيسافر إلى السعودية ليعمل في شركة نفط، إنتهى دوري كأم، إنتهت مرحلة إستعبادي من قبل سيد اسمه الزوج. حين إتصلت بي فابيولا وقالت أنها تريد أن تؤسس جمعية لنساء في الخمسين أو تجاوزنها بسنوات، شعرت بحماسة كما لو أنني أمسكت طرف الخيط الذي سيقودني إلى ذاتي الحقيقية التي خذلتها ذات يوم وتركتها وحيدة على قارعة رصيف الحياة، الآن معكن صديقاتي سأعاود البحث عنها أتمنى أن أجدها، لا أعرف ماذا سأقول لها وكيف سأعوضها، المهم أن أجدها. هذا هو المهم. إختنق صوت وفاء بالدموع التي سالت من عينيها العسليتين الجميلتين، كانت عيون نساء خمسينيات تذرفن الدموع، ومن كل الحناجر تعالت أصوات: رائع يا وفاء.

وجدتني أكتب في تلك الليلة بعد سماعي شهادة وفاء، بأن كل كياننا كنساء يتألق ويتحقق بأروع صورة حين نتجاوز رعب القفزة، شهادة وفاء ليست مجرد إعتراف لما عاشته وأحسته، ليست مجرد قصة ترويها امرأة لأصدقاء، شهادتها أشبه بمن ظل طويلاً يرنو إلى البحر ويخشى أن يرمي نفسه فيه، بقي طويلاً على الشاطئ يُصارع خوفاً ويُذكر نفسه بأن الشاطئ أكثر أماناً من بحر غامض، يضم في أعماقه أسماكاً مُفترسه، ومياهه الغدارة قد تتحول إلى دوار تبتلع من تريد، ولكنه في الوقت ذاته يحس بإغواء أن يرمي نفسه في بحر الحياة، ما قيمة حياة دون مغامرة، دون قفزات في المجهول، تجاوزت وفاء مخاوفها ورعب القفزة الأولى في بحر الحياة، جمعت سنوات حياتها الزوجية التي تزيد عن ربع قرن في كيس كبير وألقته خلفها، وقررت –وهي في عقدها الخامس –أن تبحث عن ذاتها وأن تعوض تلك الفتاة التي كانتها عما خسرته، شعورها بأنها قدمت ذاتها وتميزها قرباناً على مذبح الزواج، لم أنم تلك الليلة، بقيت أخربش على الورق وأكتب عبارات غير مترابطة، وكتبت عدة مرات ما قالته: المذبح من الذبح.

فكرتُ أن إحساس النساء بعجزهن عن فعل ما يرغبن، قد يكون أكبر محرض لهن على كسر تلك الحواجز، عاشت وفاء عمرها تحاول تجاهل إحساسها بالعجز عن أن تكون ذاتها، لكن هذا الإحساس الدائم والذي يعمل في لاوعيها، جعلها تنفجر بثورة حقيقية في يوم كانت تتوقع فيه كل شيئ عدا تفجر ثورة أعماقها، يوم خطوبة إبنتها، إبنتها التي جسدت لها بطريقة ما ذاتها قبل أن تتلو نذورها على المذبح، قبل أن تقبل أن تلبس شخصية الأم والزوجه المُفصله للنساء كما تُفصل الثياب. وعت في ذلك اليوم هول اليقظة، رأت النور المُبهر للحقيقة، وكيف عاشت عمرها وهي تثابر على تجاهل كآبتها، عاشت سنواتاً طويلة في مؤسسة الزواج المقدسة تحت وطأة عبارة: ما جمعه الله لا يفرقه إنسان، والزواج سر ٌ مُقدس، في حفل خطوبة إبنتها تفجر من أعماقها إحساس مُرعب بأنها امرأة من سراب.

وتجمعت كل أحاسيسها وأفكارها في بؤرة واحدة وهي أنها امرأة من سراب رغم كونها تفانت في تربية ثلاثة أبناء، رغم أنها تزهو وهي بكامل أناقة كآبتها بأن الجنة تحت أقدام الأمهات، كانت تخشى من الإعتراف بأنها لا تريد هذه الجنه، بل تهفو روحها لجنه أخرى لا تعرفها بدقة لكنها تتوق إليها، وشغفها بتلك الجنه الغامضة والتي لا تزال مجهولة بالنسبه لها أكبر دليل على وجودها، وسط الأضواء المُبهرة والأغاني الصاخبةوالنور المُبهر  لعدسات المصورين، وسط حشد من رجال ونساء متأنقين يرقصون ويضحكون، كانت وفاء تدشن ثورة أعماقها التي تأخرت أكثر من ربع قرن، ووجدت صعوبة في لجم شعور جديد تماماً عليها، شعور مُخيف يُعريها طبقة تلو طبقة وسنه تلو سنه، لتجد نفسها في مواجهة نواة أعماقها، تلك النواة التي تكمن فيها صفاتها الحقيقية وليست الصفات المُكتسبة من مؤسسة الزواج وقدسية الأمومة كما زرعوها في دماغها، وسط الحفل المترف الصاخب كانت في ذروة الإحساس بالوحدة، وكانت تحس بصمت جليل ومُقدس في أعماق كيانها، صمت المخاض، فكرت أن المخاض الحقيقي الذي ستولد منه حرة وسيدة نفسها ما هو إلا الصمت العميق المتأمل، تأملت زوجها، وأمكنها لأول مرة من الاعتراف أنها عاشت معه وهي تكرهه كرهاً له كل علامات الحب، كرهاً يشبه الحب في الظاهر، كيف أمكنها أن تصمت وهو يقول لها: يحق لي كل شيءئ !! كيف أمكنها أن تمارس معه الجنس أو فعل الحب المُزيف وهو يُعلمها أنه السيد الذي يحق له كل شيئ وهي العبدة التي ليس لها إلا الطاعة والولاء لسيدها، لماذا ظلت تغذي شعورها بأنها تحبه لأنه أب لأولادها، لأنه زرع بذوره في رحمها، ولأنه زوجها الذي تربطها به رابطة مُقدسة، يا للغثيان الذي يعصف بروحها وهي تتامله يدخن سيجاره الكوبي من أفخر الأنواع ويتباهى ببذلته من الحرير التي اشتراها خصيصاً لحفل خطوبه إبنته، قماش يلتمع بالأضواء لونه يميل إلى الأخضر كلون عفن أعماقه، كيف أمكنها طوال سنوات أن تزيف نظرتها وأن توهمه أنها مستمتعة وهي تهبه جسداً ميتاً، جسداً من سراب لأنها امرأة من سراب. بذلت جهداً جباراً لكبح جماح روحها، رغبت بقوة أن تذهب إليه، إلى الغريب، إلى الزوج لتقول له بأنها تكرهه، وبأنها عاشت معه مع إحساس دائم أنه يمسك بتلابيبها يضغط بقوة غير كافية لخنقها تماماً، لكنها كافية لتُشعرها أنه سيدها وموجود في حياتها كل لحظة، وبأنه القائد. لقد عاشت معه وثمة حياة أخرى تهرب إليها، حياة صنعتها وفبركتها بقوة خيالاتها الجامحة، إذ كانت طوال الوقت تسلي نفسها وتخفف من توترها بأن تتخيل أشكالاً مختلفة وإحتمالات كثيرة لما يمكن أن تكون عليه حياتها، لكم تكره تلك الطيبة التي تميزت بها، تلك الصفة الوحيدة التي كان زوجها يمتدحها بها، لم يقل لها شيئاً صادقاً سوى إعجابه بطيبتها، طيبه قلبها الكبير، لقد وعت تماماً معنى تلك الطيبة، إنها تعني تحديداً أن تكون كالإسفنجة تمتص وتمتص كل شيء، أن تصمت ولا تعترض بل تواجه كل شيئ بإبتسامة، إبتسامة أبعد ما تكون عن السعادة، بل إبتسامة العاجز، الذي يعرف أنه سيخسر معركة المواجهة مع خصم أقوى منه، إحتاجت وفاء لكل تلك السنوات كي تحل لغز وجهها الذي تتبدل ملامحه تماماً حين تكون وحدها، تشعر كيف تهبط غمامة من الأسى على وجهها وتُغلفه كقناع، وجهها الحقيقي هو الأسى، حزن إنسانة ضيعت ذاتها وأهملت نواة أعماقها التي كان يُمكن أن تتفتح على نبته فريدة متأنقة بجمالها الخاص وشذاها المميز.

وفاء أجبرتني أن أواجه ما لا أجرؤ حتى بيني وبين نفسي على مواجهته، صدقها وشجاعتها أصاباني بالعدوى، وحرضا في رغبة البوح بالحقيقة، لأن لا قيمة لما عشناه وخبرناه إن لم يتعمد بالحقيقة، كم من أحداث دفنتها في قاع روحي وإعتقدت أنني تحررت منها، وبأن لا قيمة لها، ألم أكن أنا أيضاً امرأة من سراب ؟ هل أجرؤ وأعترف بتلك التجارب التي مررت بها ؟ لكنني أرغب – كما رغبت وفاء – وكما ترغب كل النساء اللاتي التقيتهن في جمعية الخمسين أن نقشر أنفسنا طبقة طبقة لنصل إلى حقيقتنا المطمورة تحت ألف حجاب وحجاب.

ترى هل سأتمكن من البوح بحقيقة تجاربي حين يحين دوري في جمعية الخمسين .

ــــــــــــــــــــــ

الرواية صادرة عن دار الساقي 2014م.

خاص للرواية نت.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم